تختلف زيارة الرئيس اللبناني ميشال سليمان الى سوريا عن الزيارات التي قام بها اسلافه من الرؤساء الذين تعاقبوا على الجمهورية منذ حقبة الخمسينيات من القرن الماضي، على انه يجب التفريق بين حقبة الطائف والحقبة التي سبقته ابان الحرب اللبنانية وما قبلها. فلا يمكن تشبيه زيارة سليمان للعاصمة السورية بأي من الزيارات التي قام بها قبله كل الرؤساء اللبنانيين وذلك للاعتبارات التالية:
1- في حقبة ما قبل الطائف، كانت صلاحيات السلطة الاجرائية مناطة برئيس الجمهورية، الذي كان يعكس صورة الحكم، فالرئيس هو الذي يشكل الحكومة ويعين الوزراء او يقيلهم الى غير ذلك من الصلاحيات التي انتزعها الطائف من الرئاسة الاولى ومنحها الى مجلس الوزراء. العبرة من ذلك ان الرئيس قبل الطائف كان يعكس وجهة نظره السياسية من موقع القدرة على تنفيذ ما يلتزم به، فلا تعترضه آليات دستورية وبروتوكولية، كما حصل مع الرئيس السابق اميل لحود الذي لمس العجز لدى الرئاسة الاولى اذا ما اختلفت مع الرئاسة الثالثة. وقد ظهر هذا الانقسام جلياً في قمة الخرطوم، كذلك انعكس ذلك على التعاطي الدولي مع موقع الرئاسة كما حصل مع الازمة التي نشأت بعد امتناع رومانيا عن دعوة الرئيس اللبناني اميل لحود الى قمة الفرانكفونية العام الفائت. اما اليوم فالرئيس لا يستطيع ان يبرم المعاهدات والاتفاقات الدولية من غير العودة الى مجلس الوزراء، لا بل لا يستطيع ان يلتزم امام نظرائه بأي أمر مهما كان صغيراً لأن الطائف حوّل رئاسة الجمهورية الى شكل بلا مضمون يكاد يكون معها الرئيس خيالاً لولا الصلاحية الوحيدة التي بقيت للرئاسة وهي توقيع مرسوم تشكيل الحكومة.
2- اما في حقبة ما بعد الطائف حتى الخروج السوري في نيسان 2005، وبعد ان احكم السوريون سيطرتهم على مجمل تفاصيل الوضع اللبناني (بخلاف الفترة التي امتدت من عام 1976 وحتى عام 1990، حيث كانت سوريا موجودة من غير ان تسيطر على كل لبنان) فقد كانت الزيارات التي قام بها الرئيسان الوحيدان لتلك الحقبة الياس الهراوي واميل لحود لا تعدو كونها تدابير شكلية لتأمين المصلحة السورية وتبييض صورتها الدولية لكونها ترعى العملية السياسة «بنجاح»، في لبنان، تماماً كما هي الحال عندما يزور حميد كرزاي البيت الابيض ويقف الى جانب الرئيس الاميركي جورج بوش ليعطي انطباعاً بأن العلاقات «أخوية وندية» والثقة متبادلة وافغانستان ديموقراطية، حرة، سيدة ومستقلة.
3- اليوم في حقبة الطائف بعد الانسحاب السوري، يذهب رئيس الجمهورية الى العاصمة السورية ليس متلقياً كما كانت حال سلفية الياس الهراوي واميل لحود، ولكن بالطبع ليست كزيارة فؤاد شاب او بشارة الخوري.
فالجيش السوري اصبح خارج الحدود اللبنانية، ولكن بالمقابل فقد اصبح رئيس الجمهورية مجرد الصلاحيات. تفلت الرئيس من الضغط السوري المباشر ولكنه وقع اسير المعادلة الداخلية اللبنانية التي ستحكم من الآن وحتى الانتخابات النيابية المقبلة العام القادم حركة الرئيس السياسية، وتجمله رهينة التوازنات الاقليمية والدولية.
إلا ان الواقع السياسي يشير الى حاجة الرئيس سليمان الملحة لمساعدة نظيره السوري. فقد فهم سليمان التأثير السوري في لبنان ولو ان جيشها اصبح وراء الحدود وقد فهم ذلك الرئيس الفرنسي ساركوزي الذي شكل جسر عبور سوريا لفك عزلتها الدولية. فعبر لها الرئيس الفرنسي عن شكره وامتنانه لانها
سهلت اتفاق الدوحة والعملية الانتخابية في اشارة الى عدم رضا فرنسي عن تشبث قوى 14 آذار بعدم اعطاء المعارضة الثلث المعطل في الحكومة ما ادى الى تفاقم الازمة اللبنانية على مدى سنتين.
في مقابل الحاجة الملحة للرئيس سليمان تأتي المصالح السورية المطلوب منه تأمينها في لبنان. وللنجاح في هذه المهمة عليه ان يقود مجلس الوزراء (المخول تحديد سياسة الدولة) للانفتاح على سوريا، وتخفيض سقفه العدائي او الهجومي تجاهها. فهل ينشطر فريق 41 اذار الى فريقين: الاول حكومي اخرس في كل ما يتعلق بسوريا، والثاني انتخابي فاجر بوجه سوريا؟ ام ان اللعبة الاقليمية الدولية المزدوجة ستمنح الرئيس ميشال سليمان صلاحيات استثنائية يدوس فيها على سلطة مجلس الوزراء وعلى سلطة فؤاد السنيورة ويقود البلاد نحو استقرار ولو مؤقت ويعيد احياء العلاقات اللبنانية – السورية بحلة جديدة؟.. او سيعمد فريق 14 اذار الى تفجير الاوضاع السياسية في وجه رئيس الجمهورية في مؤتمر الحوار المزمع في قصر بعبدا نتيجة الفشل الذي سيمنى به المطالبون بنزع سلاح المقاومة.
Leave a Reply