جلست يوما استجمع افكارا شتتها الزمن والقى بها بعيدا صخب الحياة ورماها انشغالنا اللاواعي. تذكرت نصا لطالما تجنبت قراءته في كتاب القراءة العربية وعنوانه : اسمع يا رضا.
عندها شعرت بالندم الشديد وتمنيت لو باستطاعتي ان اقرا هذا النص الان مرارا عدة.
الان ادركت ما اهمية الاصغاء لما قاله ابا رضا لولده، متوجها اليه باسمى النصائح واكثرها حكمة وقيمة يصعب ادراكها الا عند اشتداد الصعاب.
اليوم ادركت كم انا بحاجة الى ابا رضا هذا ، عله يزودني بالقليل مما زود به ولده، وعله يرشدني الى ما اصبو اليه. اتمنى ان اكون ذلك الرضا الرضوي ، الذي اصغى الى نصائح اباه بكل اجلال وخشوع. اصغى مدركا ان كل كلمة تصدر من ابيه ما هي الا نتيجة تجربة ومعاناة مر بها في السابق، ومحبته لولده تابى ان يراه يمر بما مر هو به بدوره. عاطفته الابوية لا تتحمل ان يرى ولده يعاني ما عاناه.
وانا اليوم، اود استرجاع زمن رضا، وزمن مقولة* اسمع يا رضا*. لذا فتحت باب التساؤلات على والدي، مستنطقة اياه عن معظم ما يجول ببالي، عله يزودني بما ابغي معرفته. عله يرشدني الى الدرب الصحيح .فانني اخشى الضياع، واخاف الانصياع. اخبرني يا ابي كما اخبر ابا رضا ولده…
الحياة، اود ان استهل اسئلتي عن الحياة. اخبرني عنها يا ابتي..
الحياة يا ابنتي دوامة، ترفعك اونة الى مستوى السحاب، وترميك اونة اخرى الى اسفل الهاوية.
انها درب يصعب استيعابه، وقد يطول امدها او يقر، كله بمشيئة الله. الحياة هي دنيا الجدل الدائم والديالكتيك (كارل ماركس). بنيتي.. حاولي الا تسعي الى فهم الحياة، بل اسعي الى فهم سبل العيش فيها، عندها يسهل الامر عليك لتفهمينها من منظارك الخاص، فهي تبدو مختلفة بين امرئ واخر حسب نمط حياتهم اليومية. اذن الحياة هي دنيا ذات بابين، ندخل اليها عبر باب الحياة ونتركها عبر باب الموت.
حدثني عن الموت يا ابي. اسمع كثيرا اناسا يفتقدون عزيزا غيبه الموت . ما هو الموت ، وما دام يسبب الالم ، لماذا اوجده الله؟
الموت ليس كما تتصوري يا صغيرتي. الموت هو حق علينا. ان الله سبحانه وتعالى عندما خلقنا وشاء لنا ان نكون من عباده الذين يسبحونه على الارض كما تسبحه الملائكة في السماء، شاء ان يهبنا الحياة، ومن ثم يهبنا الموت كسبيل للعودة اليه. لكن طريق العودة دائما يختلف. الموت هو ابتداء الحساب لما اجتنبناه خلال حياتنا. الموت بكل بساطة هو انفصال الجسد عن الروح، وانفصال النفس عن البدن. فالجسد والبدن زائلان بلا محال، لكن الروح والنفس ليسا ملكنا، بل هما ملك الواهب الواحد الاوحد، والذي من حقه استرجاع حقه ساعة يشاء.
وما الحب ؟
الحب هو التقاء قلبين. قد يؤدي الى التقاء روحين وجسدين، وقد يؤدي الى ابتعاد الاحباء عن بعضهم البعض، لكنه ابدا لا يؤدي الى كراهية ولا ضغينة، لان الحب يا ابنتي انقى من الماء مهما تعكرت، واصفى من السماء مهما اكفهرت، والطف من النسمة مهما بردت. الحب يا بنيتي لا يفهم بالكلام، لانه شعور يتولد بلحظات ، ويكبر كلما طالت هذه اللحظات. ولكن الانسان يا صغيرتي اساء الى الحب ايضا. جعله وسيلة، بينما الحب هو غاية للوصول الى المحبوب والشريك.
وما الزواج يا ابي؟ هل يختلف كثيرا عن الحب؟
الحب والزواج يكمل احدهما الاخر. لطالما نتج زواج بسبب الحب، ولطالما ولد الزواج حبا فيما بعد. لكن الزواج هو انصهار شخصين لتشكيل جسد واحد وروح واحدة وحياة موحدة ومصير متحد وختامه لا يدركه الا الله الواحد. الزواج هو اختمار يتولد منه الابناء وهو السبيل الوحيد لاستمرارية البشرية.
ابتاه، لطالما سمعتك تذكر كلمة اسرة، ولست ادري ماذا تعني بهذه الكلمة.. حدثني عن الاسرة..
الاسرة هي بناء متماسك الاطراف، موحد من حيث الكيان. انها البنية والركيزة الاساسيتين في اي مجتمع، والتي من دونها يتخلخل البناء الرئيسي، وبالتالي يؤدي الى دمار مجتمعي كلي.
بنيتي.. نحن اسرة من الاسر، انا ربها ، ووالدتك سيدتها، وانتم ابنائنا، فلذات اكبادنا.. من اجلكم افنينا اعمارنا، واتعبنا اجسادنا، وتحطمت عظامنا، ونجفت عروقنا، وتباطئت خفقات قلبينا .. كل هذا من اجل اسرتنا، من اجلكم انتم.
ابي، اتعبتك بكثرة تساؤلاتي هذه، لكن ما النصائح التي تود ان تتوجه بها الي والى جميع من مثلي.
ابنتي، اياك ان تهربي يوما من قدرك، لانك لن تصادفي الا قدرك.. ولا تهربي من مولدك في الدنيا ، لانك ستواجهي ولادتك في الاخرة..
ان الله خلق الانسان في احسن تقويم، ووهبه رحم ام يتكون فيه، وقلب يحن عليه ، واب يسعى لتربيته، فكوني دوما المثال الحسن الذي تتشرفي به يوم تلقين ربك، وفي حياتك اجعلي مرورك فيها خفيفا و نظيفا. كوني دوما الصورة التي يسر الناظر اليها، والكلمة التي تنعش المستمع اليها، والريحانة التي ينتشي المتنشق رائحتها، وكوني النسمة التي يطرب ملامسها نعمومة، وكوني النحلة التي لا تغط الا على اذكى الورود ، ولا تخلف ورائها الا اشهى العسل، ولا تتباطئ كسلا، ولا تئن تعبا، ولا تتخاذل سهوا…
بنيتي، اوصيك بالقناعة. انها اثمن الكنوز.. واوصيك بالطاعة و فهي من سبل سكن الجنان ، واوصيك بوالدتك، فمن تحت قدميها تجري مياه الفردوس.. واوصيك بالصلاة ما دمت حية، فانها السبيل الاوحد لتجنب الرذائل وللتمسك بالفضائل.. اوصيك بالعلم والثقافة، فانهلي ما يمكنك واروي الظمأ الذي لا يرتوي، فبالعلم وحده تنالي كل ما تبغين، وتصلي الى كل ما تصبو اليه نفسك… اوصيك خيرا يا كل الخير انت…
هذه الابنة التي اردت، والتي عايشت، والتي عندما اغمض عيناي، ساكون مطمئنا بانها باقية على ما عهدتها عليه من وفاء وحنان ومحبة وتفاني.
اذن، هل بامكتني الان ان اخلق مقولة حديثة، ومضمونها : اسمعي يا رلى؟
نسيت ان احذرك من تغيير ما اعتاد عليه الناس، فهذا التغيير ولو كان صحيحا، لكن سيكون غير مالوفا لهم.. لذا تجنبيه، وسيري مع الناس كسير القطار على سكته، مع الحفاظ على مساره…
Leave a Reply