يرفض فريق الرابع عشر من اذار التسليم والاعتراف بالهزيمة السياسية التي لحقت بمشروعه، وجرت مما جرت، الفشل لكل خياراته ورهاناته السياسية، اضافة الى «التمزق الرحيم» الذي اصاب جسده نتيجة التشوهات السياسية والتناقضات التي عكسها اعضاء هذا الفريق.
الانجاز الوحيد الذي حققه «14 آذار» هو الاستئثار بالسلطة لمدة تزيد عن السنة ونصف السنة، والنتيجة ما وصلت إليه البلاد من توتر وضعها على فوهة الفتنة المذهبية، لان رئيس الحكومة «المعظم» فؤاد السنيورة رفض الاستجابة للجماهير الهادرة على بعد امتار من مخدعه، وتمسك بحق «الطائفة» التي بايعته ونصبته خليفة على اللبنانيين، مسلمين ومسيحيين.
ماذا يفعل تيار المستقبل في لبنان اليوم، سوى تأجيج الفتنة المذهبية في طول وعرض البلاد، من بيروت الى طرابلس فالبقاع؟ هل افلس تيار المستقبل سياسياً حتى يصبح داعية الاسلام الشهال متحدثاً باسم عموم الطائفة السنية في لبنان؟
يعتقد النائب سعد الحريري ان ذلك هو الطريق الاقصر والاضمن له كي يعود في الانتخابات النيابية المقبلة ممثلاً وحيداً اوحداً لطائفته، مع ما يشكل ذلك من رافعة لحلفائه في بيروت والشمال والبقاع، الامر الذي يمكّنه من حصد الاغلبية النيابية من دون الحاجة الى تحالفات من خارج «14 آذار» بالرغم من قانون الانتخابات المتفق عليه في الدوحة.
تلك الحسابات لا تخلو من الصحة، فالبيئة اللبنانية كونها لم تزل قبلية، اضف اليها الذهنية العربية التي تتحكم بعقول معظم المسلمين، ما يجعلها بيئة خصبة لاستقطاب الصراعات المذهبية (القبلية)، فكيف اذا اضفت اليها مجتمعات التزمت والانغلاق وتيارات التكفير (وعدم التفكير) وما يتبعها من اخرى سلفية تبليغية وثانية سلفية جهادية الى آخر اللائحة التي تعج بهذه الجماعات البالية والرتيبة التي تم استحضارها من الازمنة الغابرة واعيد بعثها بسحر بندر بن سلطان.
قد تصح تلك الحسابات ويستطيع النائب سعد الحريري ان يستقطع عدداً اكبر من نواب المجلس المحترمين، ويحتفظ عندها بلقبه الاحب على قلبه: زعيم الاغلبية النيابية، ولكن لاي وطن ولأية دولة؟ لوطن يكون فيه امثال شاكر العبسي نواباً عن الشعب؟ ام لدولة تنظف سجونها من تلامذة اسامة بن لادن وايمن الظواهري في الضنية؟ وكأن تيار المستقبل يريد ان يسحب فشله وسقوطه على كل ارض الوطن، فكما سقط هو يجب ان يسقط الوطن تحت ضرباته المذهبية والفئوية، فإما ان يكون هو او لا يكون هناك وطن ولا دولة ولا شعب.
وفي الحالتين لا يريد مقاومة ضد اسرائيل، والمفارقة او ربما المصادفة، ان المقاومة باقية في الحالتين، او في كل الحالات. وهذه النتيجة التي لم يقر بعد تيار المستقبل بحتميتها. والاكثر غرابة ان يعتبر تيار المستقبل قبوله بهذه الحتمية هزيمة له ولخياراته السياسية! فهو يصر بخطابه السياسي ان يضع نفسه في موقع الخصم والضد لكل شيء اسمه مقاومة. فإعلامه ونوابه ومرتزقوه ينسون القنص والقتل الذي مارسته ميليشا المستقبل ضد المتظاهرين على مدى اكثر من سنة، وينسون قطع الطرقات بين بيروت والجنوب والاعتداء على المواطنين حسب هوياتهم ومناطقهم، وينسون الحرب التي اعلنوها على المقاومة بشكل واضح ومباشر عندما اتخذوا القرار بنزع شبكة اتصالاتها وكشفها امام العدو الاسرائيلي.
ينسون انهم حملوا السلاح في 7 ايار وبادروا باطلاق النار، ولكنهم خسروا، لم يكونوا على قدر المعركة، فانهزموا بسرعة قياسية، فما ذنب المقاومة اذا كانت قوية الى درجة انها لم ترتكب المجازر كما فعل تيار المستقبل في حلبا. وهنا تكمن عقدة «المستقبل» الذي يشن الحملة تلو الحملة على المقاومة تحت العنوان المبتذل «جرح بيروت»، لانها (المقاومة) لم ترتكب المجازر ولم تنتهك الحرمات، وهنا العقدة «المستقبلية» في ضياع فرصة الادانة بارتكاب المجازر، فتم استحداث «جرح بيروت» واضيفت عبارة «الذي لم يندمل بعد» ثم تلتها «ولن يندمل الا بالاعتذار من اهالي بيروت». ثم جاء من يسوّر بيروت من الجهات الاربع، ويرحب بهذا ويعبس بوجه ذاك وينبذ آخر تحت عنوان ان بيروت ملكاً مطوباً لابيه توارثه عن اجداده. فهل تحولت بيروت العاصمة الى شركة سوليدير يملكها سعد الحريري؟ أم أصبحت إمارة سنية تأتمر بعصا شيخ الاسلام المبجل وسيف السنة الامضى «مدّعي الاسلام» الشهّال؟!!
Leave a Reply