يصادف في هذه السنة ابتداء شهر رمضان والعام الدراسي الجديد في يوم واحد.
انها لخير مصادفة ان يستهل ابناؤنا عامهم الدراسي الجديد مع بدء شهر الخير والرحمة والمغفرة.
قد لا تكون مجرد مصادفة وحسب، بل قد تكون موعظة لنا اجمعين. ففي بداية السنة الدراسية، ينهمك الاهل بتحضير لوازم اولادهم المدرسية، ومع بداية شهر رمضان المبارك، ينهمك الجميع بتحضير الحاجيات اللازمة لا سيما الغذائية منها. ومع هذه التحضيرات تتطاير المعاني الحقيقية لكلا المناسبتين.
فمع السنة الدراسية الجديدة، لا بد لنا من تذكير اولادنا على المبادئ التي لا يمكن التغافل عنها او تناسيها، ومنها اجلال المدرس واحترام الاخرين بغض النظر عن الاختلاف المتواجد من اثنيات وديانات مختلفة واعراق واجناس مشكلة ضمن الصف الواحد.
ومع هلال رمضان، يتوجب علينا التحلي باخلاقيات عالية تتماشى مع قدسية هذا الشهر المبارك، الذي اصطفاه الله عن الاشهر الاخرى وانزل القران الكريم في لياليه المباركة. وهذه الاخلاقيات ليست الا الاخلاق العامة التي ندركها جميعا، ومنها روح المشاركة والعطاء والتعاون والمساعدة والاحترام، واجتناب البغض والضغينة والنميمة، والاكثار من الصلوات وتلاوة القران والتعاطف مع المحتاج واجلال كبار السن، والحنو على الصغار.
ان ابتداء شهر رمضان والعام الدراسي معا، هي عبرة لنا ان نرشد اولادنا خلال هذه الفترة المليئة بالخير. فجميعنا يدرك ان ابواب الجنة وابواب السماء تتفتح لاستقبال ادعيتنا، واعمالنا الحسنة تتضاعف خلال هذا الشهر الفضيل.
الصيام ركن من أركان الإسلام، وهو عبادة قديمة قدم الرسالات السماوية، لما فيه من فوائد روحية
ونفسية وصحية، ولما فيه من خير عميم، وفضل كريم، على الفرد والمجتمع.. وقد كتب الله سبحانه الصيام على الأمم السابقة، ثم بلغ به مرتبة الكمال بفرضه على الأمم المحمدية سالكا بهم درجة الإرتقاء في منازل الإيمان والتقوى..قال تعالى }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ{. وقد ارتبطت فرضية الصيام بزمن معين وهو شهر رمضان المبارك، وأبرز ما في شهر رمضان من أحداث خالدة تنزل القرآن الكريم، الدستور الإلهي الخالد، الهادي من الضلال، والعاصم من الإنحراف، والنور التام في الظلمة، والسعادة الكاملة للبشرية في هذه الدنيا ويوم القيامة، وتنزل القرآن الكريم في القلوب الواعية، والأفهام الناضجة ونقله من الصحائف والسطور، الى العقول والصدور، ثم الى الى الامتثال والسلوك، يحتاج الى تدريب وتأهيل، والصيام وسيلة من وسائل هذا التدريب والتاهيل.
والصيام هي فترة ذات فائدة صحية، فيها يتخلص الجسم الانساني من سمومه ، وتعيد له توازنه الغذائي الافضل. وخلاله يرتوي المرء ، لا سيما الروح الانسانية من الغذاء الروحي والديني والمعنوي. ويتقرب الانسان من ربه، وينقي قلبه، ويتفرغ للعبادة…
كثيرون هم الاهل الذين يمنعون ابنائهم من الصيام ، بسبب اعتقادهم ان الصيام قد يعوقهم عن اكمال يومهم الدراسي على اتم وجه ، لكنهم لا يعون ان هذا المنع سيكون الحجة البائسة التي سيتحجج بها الابناء في المستقبل القريب، حينها لن نسمع منهم الا القول التالي: لم اعتد يوما على الصيام لرفض اهلي المستمر… وحجج كثيرة يتذرعون بها للتهرب من تادية واجبهم الديني هذا.
ولكن ماذا لو نظرنا من منظار اخر الى هذا الامر، لوجدنا الصيام هو ليس واجبا دينيا وحسب، بل هو امر تشاركي بكل ما لكلمة مشاركة من معنى. فخلاله لا بد لنا من التذكير والتذكر كم من اسرة تفتقد للطعام، وكم من انسان يتضور جمعا، وكم من روح تلقى حتفها جوعا… ان شهر رمضان هو شهر التضامن والتعاون والتآخي. شهر تسمو فيه الانفس الذكية عن امور الدنيا ونزواتها، وتتخلى عن شهواتها، لتعود روحا نقية وصفية، تلامس بنقاوتها وصفائها تسبيح ملائكة الرحمن.
ومع الاسف، ينتظر الكثيرون من التجار هذا الشهر الفضيل لمضاعفة ارباحهم التجارية. فيغيب الخلق، ويتخفى الدين لديهم، فقط لتحصيل اكبر مكسب ممكن. والله سبحانه وتعالى اوصى عباده ان }انتشروا في الارض ابتغاء مرضاة ربكم{. لكن المكسب المقصود هنا هو المكسب المعقول والربح المحدود، لا سيما في هذا الشهر الفضيل.
لذا يتوجب على جميع ابناء الجالية الاعزاء الى الاخذ بعين الاعتبار الغلاء الذي بدا بالازدياد يوما بعد يوم كلما اقترب شهر رمضان، والاكتفاء بمقدار بسيط من الربح. فالكثيرون يعتاشون من مداخيل محدودة ويعتمدون على الاعانات التي يحصلوا عليها من الدولة. ومع بدء العام الدراسي، ستفتقد العديد من الاسر الى اليد المساعدة التي كانت تساعد خلال العطلة الصيفية، كما وتحتاج لتجهيز ابنائها لاستقبال عامهم الدراسي على اكمل وجه.
كما يتوجب على أبناء الجالية المشاركة بالاعمال الخيرية وتقديم المساعدة لكل محتاج. فالله انعم على البعض لينعموا هم بدورهم على الضعفاء والمحتاجين. جازى الله خيرا لكل محسن ولكل شخص يشعر مع الاخر في هذا الشهر المبارك، ولنعلم ابناءنا على الصيام وتشجيعهم وتحفيزهم ليكونوا بدورهم قدوة لرفقائهم.
واخيرا اتوجه بالمعايدة الى الجميع. رمضان كريم لنا ولكم. اعاده الله علينا وعليكم بالخير والعافية والبركة، واتم علينا وعليكم نعمته التي انعم بها على عباده وجعله شهرا ملؤه الخير لجميع عباده.
Leave a Reply