المرحلة المقبلة لاستكمال المصالحات وجنبلاط أمام فترة اختبارعنوان الاستراتيجية الدفاعية ظهّره سليمان بالتكامل بين الجيش والمقاومة
بدأ الحوار في القصر الجمهوري من حيث انتهى إليه في مجلس النواب قبل أكثر من عامين، إذ هو توقف عند مناقشة بند الاستراتجية الدفاعية، الذي كان المتحاورون الـ14 قدموا دراساتهم واقتراحاتهم حولها، إلا أن العدوان الإسرائيلي في منتصف تموز 2006، قطع الحوار، ولم يستأنف بحث الموضوع على طاولة التشاور في تشرين الأول 2006، واقتصر جدول أعمالها على تأليف حكومة وحدة وطنية وقانون الانتخاب، لكن الاتفاق لم يحصل حول هاتين النقطتين، وتعطل الحوار الذي تحولت إدارته إلى جامعة الدول العربية، وسعى أمينها العام عمرو موسى الذي أطلق مبادرة تضمنها فكرة أن يتقاسم الحكومة 19 وزيراً للموالاة و10 للمعارضة ووزير ملك، ثم طرحت صيغة 17+13، لكن الثقة المفقودة بين الطرفين أفشلت كل الحلول والمبادرات العربية والفرنسية، وتلك التي اتّفق عليها بين الرئيس نبيه بري والنائب سعد الحريري، أو المبادرة التي أطلقها الرئيس بري في ذكرى تغييب الإمام السيد موسى الصدر في بعلبك في 31 آب من العام الماضي، بأن ينتخب رئيس جمهورية توافقي، وتؤلّف حكومة وحدة وطنية، إلا أن هذا الاقتراح لم يؤخذ به، إلى أن حصل الفراغ الرئاسي بانتهاء ولاية الرئيس إميل لحود وتحولت صلاحيات رئاسة الجمهورية إلى الحكومة التي حكمت مبتورة ولا صفة شرعية لها، بسبب غياب طائفة أساسية عنها، مما يتناقض وصيغة العيش المشترك وفق مقدمة الدستور، وقد شجعت الإدارة الأميركية قوى 14 شباط سلوك هذا الطريق وعدم الامتثال لمطالب المعارضة في المشاركة في الحكم، وقد تعاطى الرئيس الأميركي جورج بوش مع فؤاد السنيورة على أنه رئيس الحكومة المنتخب، مزوّراً الدستور، لأن رئيس الجمهورية في لبنان يسمى في استشارات نيابية ملزمة وعليه أن يحصل على الأغلبية من بين الأسماء المطروحة.وبقي الصراع بين المعارضة والموالاة على شكل الحكومة التي ستبصر النور في العهد الجديد، بعد أن تم التوافق على قائد الجيش العماد ميشال سليمان، وتمت تسميته بالمبادرة العربية، وجرى تأخير انتخابه أشهراً، لأن الإدارة الأميركية وحليفتها السعودية رفضتا تقديم أي تنازل للمعارضة في الحكومة، بعدما خسرا رئاسة الجمهورية ولم يتمكنا من إيصال مرشح من قوى 14 شباط إليها، وكان المتقدم من بين الأسماء النائب السابق نسيب لحود الذي رشحه العاهل السعودي الملك عبد الله، لما يربطهما من قرابة لجهة زواجهما من شقيقتين من آل فستق (عديلان).لم يتغير هذا الواقع، إلا بعد 7 أيار بعدما تحركت المعارضة على الأرض رافضة قراري الحكومة غير الشرعية حول شبكة اتصالات المقاومة وإقالة قائد جهاز أمن المطار العميد وفيق شقير، ومع سيطرة المعارضة على بيروت والجبل بعد انتظار سنة ونصف السنة من دون أن تتوصل المبادرات العربية والأوروبية إلى حلول، استسلمت قوى 14 شباط وأعلنت موافقتها في الدوحة على انتخاب العماد سليمان رئيساً للجمهورية وتأليف حكومة وحدة وطنية للمعارضة فيها 11 وزيراً لتضمن الثلث داخلها، وتنال الموالاة 16 وزيراً ورئيس الجمهورية 3 وزراء، وهذا ما حصل وانتقل الصراع حول الحقائب ومن ثم الى البيان الوزاري حول تضمنه فقرة حول المقاومة كانت الأغلبية ترفض أن يوردها البيان الوزاري ولم تنجح وكان تبريرها ان القرار 1701 أنهى وجود المقاومة ولم يعد من مبرر لاستمرار سلاحها، وهو ما يعاكس ما توصل إليه اتفاق الدوحة الذي نص على معاودة الحوار بين الأفرقاء اللبنانيين برعاية رئيس الجمهورية، على أن تبحث فيه الاستراتيجية الدفاعية ودور المقاومة فيها.ومع تطبيق البنود الثلاثة من الاتفاق، بانتخاب رئيس الجمهورية وتأليف الحكومة وإقرار قانون الانتخاب، كانت دعوة الرئيس سليمان إلى الحوار، وقد وجهها إلى الذين شاركوا في جلسات سابقة في مجلس النواب والدوحة، ولم يمانع في توسيع المشاركين في الحوار، إذا حصل اتفاق بين أقطاب طاولة الحوار، وقد طُرح الموضوع من قبل ممثل زحزب اللهس النائب محمد رعد الذي اقترح إضافة مشاركين، فاعترض كل من سعد الحريري وسمير جعجع، وترك معالجة الأمر لرئيس الجمهورية الذي يميل إلى رأي المعارضة ليكون الحوار أشمل.وقد أعلن الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله، أن الظروف التي فرضت إنشاء طاولة الحوار السابقة انتفت، لأنها كانت بدعوة من رئيس مجلس النواب وجرى الاختيار على أساس الكتل النيابية، ولم تعد هذه الصيغة صالحة بعد التطورات التي حصلت في الحرب الإسرائيلية على لبنان، والهزيمة التي حصدتها اسرائيل، وصمود المقاومة بوجهها وبقاء سلاحها، إضافة الى التغيير الذي حصل في موازين القوى الداخلي بعد حوادث 7 ايار، ودخول اطراف الى الحكومة، حيث شدد نصر الله على ان طاولة الحوار ستضم اطرافاً اخرى قد لا تقتصر على المعارضة بل قد تشارك فيها قوى من الموالاة لها حيثياتها السياسية والشعبية، وهكذا انتقل حل مسألة توسيع الحوار الى الرئيس سليمان الذي تعمد ان تسبق المشاركة اجراء مصالحات بين القوى السياسية سيقوم هو برعايتها، تساعد على ان لا يضع احد زفيتوس على آخر، وان تجربة المصالحة في الجبل، أسقطت «فيتو» جنبلاط عن مشاركة طلال ارسلان في الحكومة، وايضا في طاولة الحوار، حيث ايد الوزير وئام وهاب ان يترأس ارسلان وفداً من المعارضة الدرزية ويمثلها في الحوار بالتنسيق بين اطرافها.اما جدول الاعمال والمحصور في بند الاستراتيجية الدفاعية، فإن ثمة اقتراحات طالبت بأن يشمل ايضاً مسائل اخرى منها بناء الدولة والاوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وقد لمح الرئيس سليمان في كلمته الافتتاحية، الى ان مجرد القبول بالحوار، يفتح الباب لامكانية البحث في مواضيع اخرى ولم يقفل الباب على ان يطرح المشاركون في اثناء الحوار عناوين، قد تتقاطع مع الاستراتيجية الدفاعية، فيتم التطرق الى الوضع الاقتصادي والاجتماعي عند مناقشة مسألة تمويل الدفاع وتجهيز الجيش وتدريبه وتأهيله.واذا كانت الجلسة الاولى للحوار تشعب فيها الحديث، الا ان اهم ما تم التطرق اليه، هو ارساء قواعد للمصالحة، كانت بدأت في الجبل وانتقلت الى طرابلس، وتطورت مع رفع مستوى الاتصال بين «حزب الله» و«الحزب التقدمي الاشتراكي» من الشق الامني الى الشق السياسي، بعد ان استدار جنبلاط في مواقفه وهو ما زال يخضع لفترة تجربة و اختبار، ويخشى المراقبون ان يكون كلامه الايجابي حول المقاومة، له علاقة بالانتخابات النيابية، لانه سبق له وقبل الانتخابات السابقة في 5002، ان تحدث في بنت جبيل وذهب بمواقفه الى جانب المقاومة، ان طرح تحرير القدس، وعندما حاز كل على المقاعد بأصوات «حزب الله» وحركة «امل» في بعبدا-عاليه وراشيا-البقاع الغربي انقلب على مواقفه، وبدأ يطالب بتسليم سلاح المقاومة الذي وصفه بسلاح «الغدر»، ووصل به الامر الى اعلان انه سينزع من المقاومة صواريخها التي لا تخيفه، الى ان كان مؤتمره الصحافي في مطلع ايار الماضي حول تركيب «حزب الله» لكاميرات مراقبة في المطار، ووجود شبكة اتصالات وتنصت لديه تشمل كل لبنان، وقد اشعل بتصريحاته حرباً كادت ان تتحول الى اهلية لو لم تسرع المعارضة الى الحسم العسكري سريعاً وخلال ساعات على الارض، فقلبت الموازين، وتركت جنبلاط يعيد حساباته، ويحاول ان يتموضع في مواقع جديدة بحيث يهادن في الداخل، ويستمر في هجومه على سوريا.وموقف جنبلاط ارخى بثقله على حلفائه لا سيما رئيس «تيار المستقبل» الذي حظي بنقد قاسٍ من حليفه في السراء والضراء، واستغرب هذا الانقلاب السريع في مواقفه، وتبين له، ان زعيم المختارة بدأ ينتبه الى التحولات في المنطقة والعالم، وهو لا يريد ان يصيبه اذى ويتأثر وضعه في السلطة في لعبة مصالح امم قرأها في زيارة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الى سوريا التي صمد نظامها وبقي ولم يتغير، وتقدم الدور الروسي في العالم، وتراجع المشروع الاميركي لا بل اصابته هزيمته، واظهرت السعودية عدم قدرتها على ان تقود محوراً عربياً.
لهذه الاسباب بدأ تموضع جنبلاط واقترابه من اطراف في المعارضة، ولكنه متردد في اعلان موقف صريح حتى تقبل اوراق اعتماده الجديدة التي بدأ يقدمها لان عليه ان يمر في الامتحان، لذلك هو لم يقطع مع قوى 14 شباط وتحديداً سعد الحريري الذي يهمه ان يبقى على تحالفه معه لاسباب مالية وانتخابية في الشوف، او يضمه الى موقعه الجديد، واستعادة فكرة «التحالف الرباعي» الذي ينفي «حزب الله» العودة اليه، لكن التطورات والوقائع لا توحي بذلك، لا سيما انه ترك مقعداً سنياً وآخر ارمنياً لـ«تيار المستقبل» في الدائرة الثانية في بيروت في اتفاق الدوحة.فالجلسة الاولى انتهت الى بيان يؤكد على تنفيذ قرارات او توصيات ما توصلت اليه جلسات الحوار في مجلس النواب، وعلى ضرورة وقف الخطاب السياسي المتشنج والتراشق الاعلامي، وهو ما يساعد على محاصرة الاشكالات الامنية التي تتزامن دائماً مع التصعيد السياسي والاعلامي، وهذا ما يناقض ايضاً اتفاق الدوحة.وحتى موعد الجلسة الثانية للحوار في 5 تشرين الثاني المقبل، الذي تم تأخيره، لاسباب تقنية ترتبط بمواعيد وزيارات للرئيس سليمان، فإن اجواء المصالحات لن تتوقف، كما ان كل فريق سيقدم ما لديه حول الاستراتيجية الدفاعية التي ثمة خلاف حول النظرة اليها، اذ ترى المقاومة كما الرئيس سليمان ان يحصل تكامل بينها وبين الجيش وقد نجح وأثبت جدواه في الممارسة والتنسيق، فإن اطرافاً في 14 شباط، ترى ان لا يكون للدولة اي شريك في الدفاع عن الارض، وحصر قرار الحرب والسلم فيها، وهو ما يناقض الدستور الذي اعطى الحق للشعب ان يدافع عن ارضه الى جانب الجيش عند تعرضه للخطر الذي اكد رئيس الجمهورية انه موجود في العدو الاسرائيلي.
Leave a Reply