هل يكون باراك أوباما «روزفيلت القرن الـ 21»..أم يحكم الجمهوريون مجدداً.. لكن على «الطريقة النازية»؟رضي الأميركيون بالهم، لكن الهم لم يرض بهم!فما إن انتهى حبس الأنفاس أمام إعصاري «غوستاف» ثم «آيك» اللذين ضربا السواحل الاميركية في منطقة خليج المكسيك، وتسببا بخسائر مادية هائلة، خصوصا على سواحل تكساس التي أغرق آيك بعض مقاطعاتها شبه الخاوية من السكان الذين فروا أمامه مذعورين بالملايين، حتى ضرب «اعصار» من نوع آخر البورصة المالية الأميركية، دون سابق إنذار للمساهمين الذين ذهلوا صبيحة يوم الاثنين الماضي بإعلان شركة الإقراض المالي العملاقة «ليمان براذرز» إفلاسها، بعد نحو قرن ونصف القرن من نشوئها، محدثة زلزالاً ماليا وصلت إرتداداته العنيفة إلى أقصى أركان المؤسسات المصرفية والمالية في الشرق والغرب.يفيد الأرشيف التاريخي للأعاصير اللطبيعية أن الإعصار آيك اكتسب إسمه من رجل أميركي يحمل هذا الاسم في العام 1915، وكان مسكوناً بهاجس رصد الأعاصير وتوقع حدوثها من اجل انقاذ سكان المناطق الساحلية في خليج المسكيك، بعدما تواترت إليه عن طريق والده الناجي من اعصار سابق روايات المآسي التي خلفها اعصار ضرب المنطقة في أواخر القرن قبل الماضي، مبتلعاً مساحات واسعة من المناطق المأهولة، ومخلفاً ضحايا بالآلاف تلاشوا في لجة من الأمواج الغاضبة على حين غرة.يقال بأن آيك أخفق في توقع الإعصار الثاني فكانت كارثة أخرى حلت في تلك المنطقة المصابة بلعنة أعاصير تاريخية.وفي صبيحة يوم الرابع والعشرين من أوكتوبر عام 1929، كانت بورصة «وول ستريت» في منهاتن على موعد غير متوقع مع «الإعصار المالي» الذي ضربها دون سابق انذار، حيث لم يكن المساهمون يدركون أن اسعار الأسهم كانت تفوق قيمتها الحقيقية، مما جعل «وول ستريت» تفقد الصلة بالواقع الإقتصادي الأميركي، فكان «الخميس الأسود» الذي أرّخ لبداية مرحلة الإنكماش في ربيع العام نفسه، ولنهاية مرحلة المضاربة التي شملت كل الاسواق العالمية، وتوالت عمليات افلاس الشركات الكبرى محدثة موجة خطيرة من البطالة الواسعة دفعت ملايين الأميركيين إلى الإنتظام في صفوف الحصول على الغذاء حتى العام 1933، وهي المرحلة التي عرفت باسم «الركود العظيم».جاء إعلان «ليمان براذرز» العملاقة عن الإفلاس بموجب الفصل 11 من قانون حماية الشركات من الديون، لينشر حالة من الذعر والهلع في الأسواق المالية الاميركية والعالمية من نيويورك إلى سيول وطوكيو ولندن وباريس، فسارعت مجالس الإحتياط والمصارف المركزية لتلك الدول إلى حقن المصارف بكميات هائلة من السيولة النقدية في حركة تشبه وضع اكياس الرمل بوجه أمواج الأعاصير لمنعها من إغراق اليابسة وتضافرت جهود مؤسسات مالية عالمية كبرى في إنشاء صناديق طوارئ مشتركة لمعالجة أي اعراض انهيار مالي قد تظهر عليها بعد حادثة البورصة النيويوركية التي رفعت وتيرة القلق على سلامة الأنظمة المالية الأميركية والعالمية.ثمة توقعات بأن تصل خسائر الإعصار المالي الذي ضرب منهاتن الى ما يفوق الترليون (الف مليار) دولار قبل أن تهدأ الاضطرابات الحالية في السوق المالية. غير أن هذه الخسائر الكارثية يبقى حصرها رهناً بالنجاح في وقف «مفعول الدومنيو» الذي يهدد مؤسسات مالية عملاقة اخرى تقف على رأسها شركة التأمين الأميركية العملاقة «أميركان انترناشيونال غروب» التي سارع مجلس الإحتياط الفدرالي الأميركي إلى نجدتها بخمسة وثمانين مليار دولار قرضاً ميسراً لأجل الإستمرار في الوقوف على قدميها حتى انتهاء مفعول الإعصار المالي الأخير، علما بأن هذه الشركة تشكل خيطاً سميكاً في النسيج المالي العالمي والأميركي بحجم إستثماراتها الذي يبلغ ألف مليار دولار ضمن عمليات تبادل عالمية تبلغ قيمتها الإجمالية حوالي 60 ألف مليار دولار وتجري في شرايينها بوليصات تأمين لأكثر من 70 مليون زبون في أكثر من 130 بلداً.إنهيار «أي آي جي» سيكون، إذا حصل، صفارة الإنذار القوية للشروع باعادة هيكلة الإقتصاد الأميركي، وبالتالي الإقتصاد العالمي برمته، لم نشهدها منذ «الركود العظيم» في مطلع ثلاثنيات القرن الماضي، وهذه العملية هي التعبير الوصفي الإقتصادي «المؤدب» لسلسلة من الهزات الإقتصادية والمالية على المستوى العالمي تنذر بكم هائل من الكوارث.ويبرز مع هذه التطورات المالية الدراماتيكية السؤال الملح عن مدى التأثير الذي سترتبه على سير الحملة الإنتخابية الأميركية. وتعيد هذه التطورات التذكير بتلك المقولة الذهبية «إنه الإقتصاد يا غبي» التي هزم بها الرئيس السابق بيل كلينتون خصمه الجمهوري الرئيس جورج بوش الأب خريف العام 1992. على أن «الضحية» الأولى «للإعصار المالي» الأخير الذي استمد سرعة «رياحة» من استفحال أزمة الرهن العقاري المعطوفة بدورها على إرتفاع نسبة البطالة بسبب العولمة الإقتصادية وإتجاه الشركات الكبرى الأميركية إلى إنتهاج سياسة شجع لتعظيم أحجام أرباحها باللجوء إلى الأيدي العاملة الرخيصة خارج الحدود.. هذه الضحية قد تكون «ظاهرة» سارة بالين التي اختارها المرشح الجمهوري جون ماكين من خارج كل التوقعات، بعدما أزاحت التطورات المالية الأخيرة من الاجندة الانتخابية ترف السجالات حول العرق والجنس في معركة رئاسية مقبلة على محاولة امتصاص الآثار الكارثية لفشل نظام مالي هرم في الاستجابة لمتغيرات اقتصادية تراكمت عبر عقود من السنوات.الصحف الاميركية التي غيرت وجهة تركيزها في الآونة الاخيرة، على ضوء ازمة النظام المالي الاميركي، اخذت تكثر من الاحاديث عن العودة الى الينابيع الاصلاحية مستعيدة صورة الرئيس التاريخي فرانكلين روزفلت وارثه منذ ان اشرف على وضع ما سمي بـ«العهد الجديد» (نيوديل) الذي انهى «الركود العظيم» في ثلاثينات القرن الماضي، وعن السلبيات التي تسببت بها شريحة من كبار المتسلطين على الاقتصاد الاميركي في تلك الحقبة، وبما يشي بأن «الكتاب الاقتصادي المقدس» الذي وضعه روزفليت للخروج بالامة الاميركية من ركودها بات حاجة ملحة لتسليط الاضواء مجدداً على ذلك الحلف غير المقدس القائم بين كبار الرأسماليين وجمهور اليمين الديني ونواته الصلبة من صغار المزارعين وسكان الارياف الذين اصيبوا في صميم استثماراتهم المتمثلة بالمساكن التي انخفضت قيمتها وباتوا بلا «رصيد» بسبب سياسات الاقراض المتهورة وغير المنضبطة التي انتهجتها المؤسسات المالية بغية تحقيق ارباح سريعة وخيالية، قبل ان ترتد على اصحابها وتنفجر قنبلة السوق العقارية الهائلة في وجوههم جميعاً، وفي غياب اجهزة مراقبة حكومية لضبط العلاقة بين قدرة المَدينين على السداد وطموح الدائنين في تحصيل الارباح خارج اي عقلانية في التخطيط والتوقعات.والادارة الجمهورية الحالية وان كانت لا تتحمل كل المسؤولية عن مخاطر الانهيار المالي الماثلة، إلا انها امعنت في علاج التورم السرطاني في القطاع العقاري وفي قدرة المستهلك على تحمله، عبر اللجوء الى مراهم الاعفاءات الضريبية التي ظل المستفيد الاكبر منها طبقة كبار الرأسماليين الذين دأبوا على تجاهل الاشارات المقلقة الصادرة عن الاقتصاد الاميركي، واستمروا في سياسات اقتصادية مشفوعة بتشريعات مدفوعة الثمن لحكام واشنطن ادخلت البلاد في هذه الورطة الاقتصادية الجديدة، منذ عهد الرئيس الجمهوري رونالد ريغان وشروعه في سياسة «تصغير الحكومة».المرشح الديموقراطي باراك اوباما حاول الابتعاد عن مقولة «مصائب قوم عند قوم فوائد» عندما رفض تحميل خصمه الجمهوري اي تبعات للأزمة الطارئة، إلا انه تابع هجومه على الفلسفة الاقتصادية لغريمه جون ماكين محذراً جمهور الناخبين من «ولاية ثالثة» للرئيس جورج بوش محمولة على البرنامج الاقتصادي والاجتماعي لماكين، المُصرّ، مثل الرئيس بوش الابن على اعتبار ان الاسس الرئيسية للاقتصاد الاميركي لا تزال «سليمة» رغم كل ما حصل.حملة المرشح باراك اوباما ستكتسب المزيد من الزخم مع كل يوم يمر نحو الموعد الحاسم في الرابع من نوفمبر القادم، اذا احسن المرشح الديموقراطي تلقف خوف الناخب الاميركي من المجهول وعالجه بخطاب واقعي وبعيد عن الاستغلال المرحلي لأزمة الناخب الاميركي وشعارات «التغيير» الذي يدرك اوباما ان مسيرته شاقة وعسيرة، وان «العطارة» قد لا تكون قادرة على اصلاح ما افسده الدهران ان الجمهوري والديموقراطي على السواء، في محاباتهما لنظام مالي يؤكد معظم المحللين والخبراء انه فصل على قياس كبار الرأسماليين الذين تمادوا في جشعهم تحت اعين الادارات الاميركية المتعاقبة ايضاً.خوف الناخب الاميركي من المجهول قد يدفعه مجدداً الى احضان الجمهوريين اذا ارتأى «فلاسفتهم» ان انجح الحلول للبقاء في البيت الابيض هو المغامرة في شن حروب جديدة وتحويل الاقتصاد الى «اقتصاد حربي» يعيد تحريك القطاع الصناعي الاميركي مثلما فعل النازيون في المانيا عندما استغلوا الانهيار الاقتصادي في بداية ثلاثينيات القرن الماضي للصعود الى السلطة وعسكرة المجتمع والاقتصاد عبر مشاريع ضخمة وضعت المانيا في مواجهة «كل العالم» وانتهت بحرب كونية اسفرت عن دمارها وازهاق ارواح الملايين من البشر في القارة الاوروبية وخارجها.
واذا صحت مقولة ان العالم بعد 11 ايلول 2001 غيره قبل ذلك التاريخ، فقد يصير صحيحاً ان العالم بعد الانتخابات الرئاسية الاميركية القادمة لن يشبه ما قبلها.وبالانتظار تبقى مانهاتن التي ضربها اعصار 11 ايلول الامني فانهار برجاها العملاقان، هي ذاتها مانهاتن التي شهدت في 15 ايلول انهيار برجها المالي العملاق «ليمان براذرز» ولتحتضن «غراوند زيرو» مالية لا تقل خطورة تداعياتها عن «الغرواند زيرو» الجيوسياسية لاعتداءات 11 ايلول وعلى امل ان لا نشهد «خميس اسود» جديداً يغير وجه العالم نحو الاسوأ!.
Leave a Reply