تشهد الأراضي الفلسطينية جدبا في شخصيات ترقى إلى مستوى الترشح لمنصب رئاسة السلطة في الإنتخابات القادمة المحدد تاريخها في 9 كانون ثاني (يناير) 2009، موعد إنتهاء ولاية محمود عباس والتي دامت أربع سنوات، بعدها يصبح عباس رئيسا غير شرعي إذا ما مددت ولايته، بحسب تصريح أدلى به مؤخرا رئيس المكتب السياسي بحركة «حماس» خالد مشعل.وأسباب هذا الجدب في وجوه لها «كريزما» تحظى بتأييد من الشارع الفلسطيني، كثيرة ومعروفة لعل أبرزها النظام الديكتاتوري الذي ينتهجه العالم العربي منذ قرون طويلة، والذي لا يتيح لأصحاب المواهب والقدرات الوصول إلى سدة الحكم، ناهيك عن أن الفلسطينيين بوجه خاص نظرا لوقوعهم تحت الإحتلال، تعرضت قياداتهم على مدى السنوات الستين الماضية إلى القتل أو النفي أو الزج بهم في السجون، وآخرون تم إفسادهم ولاحقتهم فضائح مالية وسياسية أخرجتهم من دائرة الضوء، من هؤلاء محمد دحلان الذي قيل أنه اختلس 50 مليون دولار، سهلّت له إختلاسها إسرائيل من أموال ضرائب المعابر، كان يفترض أن تذهب للخزينة الفلسطينية، فآثرها دحلان لنفسه ليقوى مركزه السياسي ويبني جيشا صغيرا. ثم جبريل الرجوب الذي كان عقيدا في زمن عرفات ومشاكسا له، رقي إلى رتبة لواء وأحيل إلى الظل بعد أن أحاطت به منذ زمن الإنتفاضة الثانية تهم بالخيانة لتعريضه عدد من رجال المقاومة في بناية الأمن الوقائي برام الله إلى محاصرة الجيش الإسرائيلي لهم والنيل منهم.وهناك مروان البرغوثي المحسوب على صقور «فتح» وأحد رعاة «كتائب شهداء الأقصى» المقاتلة، سجنته إسرائيل وحكمت عليه بالمؤبد، وآخرون تم إغتيالهم أو استشهدوا، أو هم محكوم عليهم بالنفي.يقال أن إسرائيل وعدت عباس بالإفراج عن 200 معتقل فلسطيني بينهم قيادات معروفة وحددت زمن الإفراج باحتفالات عيد الفطر المبارك، فهل يكون البرغوثي واحدا منهم؟ إن صح ذلك فلربما يكون البرغوثي خليفة لعباس، فهذا الأخير أنهكته السنون وأنهكته إسرائيل بمفاوضاتها الفارغة، وأميركا بعهودها الزائفة و(حماس) بعنادها وتصلب مواقفها، وعباس على أية حال نوع من الرجال لم يكن يوما مفتونا بالسلطة والحكم، ولا هو عاشق للأضواء، أمضى سنيّ شبابه في ظل عرفات أقرب إل الفكر والتخطيط والأيدولوجيا، منه إلى الخطابة والمناورات الدبلوماسية والظهور الإعلامي، كان يرضي طموحاته أن يكون مهندس إتفاقات أوسلو وحسب، لكن الظروف دفعته إلى السلطة دفعا، وهو يندفع الآن مع نهاية ولايته للخروج منها بعد أن أثخنت السلطة روحه بجراح همومها وأوزارها. فلسطين ليست إمارة موناكو في أوروبا ولا هي جزيرة في البحر الأدرياتيكي، ليكون حكمها سهل وعرشها مغنم وتاج مليكها مرصع بالذهب والألماس، فهي أرض رباط ذكرها الرحمان في محكم كتابه وباركها، ترنو إليها عيون مليار مسلم في بقاع الأرض، يبدو إنها لم تخلق لينعم أهلها برغد العيش، تخرج من حرب وتدخل في أخرى.شهران يفصلان فلسطين عن إنتخاباتها الرئاسية، فإما إنتخابات ديمقراطية يرضى عنها الجميع توصل أحدا إلى قمة السلطة، وإما فوضى ومزيد من الخراب والدمار إذا ما تم تجديد «البيعة» إلى محمود عباس، فتلك مهما قيل عنها ستظل صيغة للبيع، بيع للقضية وغزة وحتى لوحدة مفترضة يجري التفاوض بشأنها في عاصمة مصر.
Leave a Reply