تصاعدت الأحداث في بلادنا مؤخرا نحو أعلى أفق أزمة سياسية، جاءت بفعل إصرار السيد الرئيس، تجلت بوضوح في أوامره وقراراته التي أكدت عدم تقيده أو إيمانه بدستور وقانون البلاد، والمتابع لما حدث مؤخرا يقر بصحة ما قلناه، فانظروا كيف أمر الرئيس بإطلاق المعتقلين ثم تراجع عن قراره لأنه من بداية الإطلاق الخطي لم ينوي التنفيذ، ونوى مراوغة المشترك بالحصول على أسماء أعضائه في اللجنة العليا للانتخابات فقط ،ثم في عبث دستوري صوتت أغلبية الرئيس البرلمانية على إقرار القانون النافذ، واختارت خمسة عشر أسماء للجنة العليا وبدلا من تدارك الوضع أعترف الرئيس علنا بأنه لا يعترف بمجلس النواب ولا أغلبيته، فأصدر قرارا رئاسيا بتسمية تسعة أعضاء للجنته الانتخابية العليا، ليسمع فيما بعد يمينا مغلظة أداها ستة حالفين بالعمل على تنفيذ ما يريد ويرغب كما حدث سابقا، وبإرساء الفوز له في الدنيا على خصومه جميعا ،ليتفرغوا بعد ذلك الفوز للكفارة التي سيجدون نتيجتها يوم الحساب حيث لا ينفع رئيس ولا صندوق ولا لجنة عليا أو سفلى. هذه التطورات «الرئاسية» أثبتت صواب الرؤية التي نادت بأعلى صوتها أحزاب اللقاء المشترك، مطالبة إياها بالكف عن «تجريب المجرب» لأن ذلك خطأ فادح يعمق المشكلة ويعقدها لأن «المجرب» لا يمكن أن يقدم جديدا لحل مشاكله السابقة، وأشارت تلك الأصوات بضرورة الإتجاه نحو الشارع للبحث عن حلول سيوفرها الضغط الجماهيري الملتهب، القادر على إنتزاع حقوقه خلال أسبوع واحد لو تم الرجوع إليه والاستفادة من الأرضية المتاحة لتحريكه بآلية السيطرة عليه عبر تنقيته من شوائب عسس الأجهزة الأمنية الذين ينخرطوا في الصفوف للتكسير وإحداث الفوضى والخراب، لكن المشترك بدل خير الشارع الجماهيري بأدنى الإستمرار في مسلسل «الضياع الرئاسي المؤتمري» المدفوع بديكتاتورية الحاكم ومتاهة الأغلبية، المفرزتان لحقيقة قالت وتقول بأعلى صوت أن الحاكم وحزبه لا يؤمنان لا بقانون ولا ديمقراطية ولا حوار ولا معارضة ولا هم يحزنون، بل يؤمنان أو يبحثان عن معارضة هشة تمنحهما الشرعية الشعبية والدولية للبقاء في السلطة إلى ما لا نهاية. كان على المشترك الإستماع لتلك الأصوات المعبرة عن نبض الشارع منذ البداية، وكان خيرا له صرف الجهد والوقت في ترتيب وتمتين أوراقه الداخلية،وكذلك النزول إلى الشارع لتهيئة الجماهير لنيل حقوقها عبر النضال السلمي الذي بدأه المشترك في السنوات الماضية، والذي كان يجب تصعيده نحو الإعتصامات المفتوحة والمسيرات الصامته، التي تعبر عن مطالب الشعب الذي سيندفع نحو مقاطعة الإنتخابات النيابية كنتيجة طبيعية لتراكم الوعي الجماهيري المكتسب من مدرسة النضال السلمي التي يجب على أساتذتها (قيادة اللقاء المشترك) عدم الإكتفاء بإلقاء الدروس في الغرف المغلقة للنضال السلمي، بل يجب عليهم قيادة تلك الإعتصامات والمسيرات أسوة بمعارضة الدول الديمقراطية، ولا يمكن أن يحدث ذلك من دون الإيمان بقناعة راسخة عند قادة المشترك بضرورة المواجهة السلمية مع السلطة القمعية، مثلما يجب أن يتوفر لديهم إيمان بضرورة المقاطعة لأنهم أدرى الناس بكذب وزيف ديمقراطية السلطة. الدعوة إلى المقاطعة هنا دعما للإرادة الشعبية، ومحاولة لنصح البعض عن إتخاذ خطوة ستزيد من مأساة الشعب، دافعة الوطن بأكمله نحو خيارات كارثية، وحرصا على أحزاب اللقاء المشترك من «الإنتحار السياسي» كما يقول عنوان الموضوع، إستنادا إلى مقولة الأستاذة القديرة توكل كرمان في أحد مواضيعها المميزة، ومنبع ذلك الحرص كما نرى مجتهدين لا مدعين بفهمنا للواقع أكثر من المشترك، خوفنا الشديد على هذا المشروع الرائد من التعثر في صفوف الجماهير التي يجب على قيادة المشترك سماع صوتها وتنفيذ رغبتها، وتحويل إرادتها إلى منطلق يصدر منه قرار المشترك، وهنا سنستشهد بما نرى أنه يصوب قولنا، ففي التنافس المثير بين السيدة هيلاري كلينتون والسيد باراك أوباما على إنتزاع بطاقة الترشيح الرئاسية عن الحزب الديمقراطي، كان قادة الحزب والمندوبين الكبار قد وعدوا سرا وعلنا السيدة هيلاري كلينتون بدعمها والتصويت لها للحصول على ترشيح الحزب، لكن المفاجأة أتت من القاعدة الشعبية التي صوتت وانتخبت باراك أوباما، فما كان من قادة الحزب ومندوبيه الكبار سوى الاستجابة للقاعدة الإنتخابية عبر التصويت لأوباما ومنحه بطاقة الترشيح الرئاسية عن الديمقراطيين، مقدمين إعتذارهم للسيدة كلينتون التي بدورها كسياسية تفهم وتعي معنى الإستجابة لرغبة الجماهير، دعمت اوباما كمرشح بيده إخراج أميركا من كوراث الرئيس المحارب جورج دبليو بوش. مقاطعة الإنتخابات النيابية القادمة خيار وطني بحاجة إلى قرار حاسم وحازم، والمشاركة فيها في ظل«الفساد الديمقراطي» القائم يمثل إنتحارا سياسيا لا يمكن أن يقدم عليه المبتدأ في ممارسة السياسة فكيف بأحزاب وطنية كبيرة بحضورها وجماهيرها، وحتى لا يقول الناس أننا ندفع برؤيتنا وكأنها حقيقة مطلقة، فإننا سنوضح الفارق في الموقفين «مقاطعة ومشاركة» من خلال وضعهما في ميزان المصلحة العليا للوطن والشعب اليمني قبل كل شيء.
المقاطعة….الخيار الوحيد لم تكتسب إنتخابات المحافظين أي أهمية شعبية أو دولية لأنها تمت بمشاركة لاعب واحد هو الحزب الحاكم، ومثلت مقاطعة المشترك يومها خطوة في الإتجاه الصحيح لأن تلك الإنتخابات تمت بصورة مخالفة لقانون الحكم المحلي، ومع الفارق طبعا في الحالتين من حيث التأثير والتشابه في الأداء يمثل خيار المقاطعة حلا وحيدا لا شريك له،فلو إفترضنا مشاركة المشترك في الإنتخابات النيابية فعليه أن يسلم بنتيجة مشابهة لإنتخابات المحافظين بما يعني فوز ناطح رابح للحزب الحاكم، بفعل توافر عوامل الفوز والتزوير بيده (السلطة-الوظيفة-المال العام-الإعلام-الجيش) ولو افترضنا أن أعضاء اللجنة العليا للإنتخابات كلهم من المشترك، في ظل تمسك الحاكم بتلك العوامل فستكون النتيجة كما هي بدون تغيير. يجب أولا تحييد تلك العوامل الغير شرعية،وذلك ما سعى المشترك للقيام به كقانون فقط، وليس كتأثير جماهيري، بما يعني أن الجماهير ستظل في حال صدور القانون متأثرة بالجو الإنتخابي السابق، لذلك تحتاج إلى نقلة نوعية في ممارسة القانون عمليا، والواضح أن الوقت لم يعد كافيا لتحقيق ذلك الوعي الجماهيري، خاصة في غياب الإعلام المرئي والمسموع للمشترك، والقصد هنا بالوعي الجماهيري كل أبناء الشعب اليمني الذين يجب أن يستحضروا عند الإقتراع صورة ومصلحة الوطن، لا أن تطغى صورة الرئيس وهيبة السلطة على أدائهم الإنتخابي. – تمثل المقاطعة سلاحا قاطعا للعبة «مأزق الوقت الضائع» التي تعود الحاكم ممارستها ،حيث تعود على فرض ونيل ما يريد بذلك الأسلوب المخالف للقانون والدستور. – المقاطعة أسلوب راقي وحضاري تلجأ إليه مختلف القوى السياسية عند بطلان العملية الديمقراطية بسبب الطرف الآخر، لذلك تشكل المقاطعة حلا لتصحيح العملية برمتها. – تمثل المقاطعة إستجابة صريحة لرغبة الشارع اليمني،الذي سيزداد تمسكه بالمعارضة التي ستنال إستجابته أيضا للمشاركة في متطلبات التغيير السلمي، كما أن المقاطعة ستخرج المشترك من دائرة الشكوك والإتهامات من قبل البعض الذين يتحدثون عن صفقات بين الرئيس وقادة المشترك على حساب قضايا الناس، وستمثل أيضا ضربة موجعة لدعاة حق تقرير المصير في الخارج، وتلك نقطة في غاية الأهمية يجب على المشترك التنبه لها، حيث يذهب أولئك إلى إتهام المشترك بالتآمر على الجنوب ونهب ثرواته كما في تقاريرهم ومواقفهم الدولية. – لحساسية الأحداث في المناطق الجنوبية يمثل قرار المقاطعة رفضا كاملا لسياسية السلطة تجاه القضية الجنوبية، إذ يجب على المشترك في هذه النقطة التنبه لرغبة أبناء الجنوب مقاطعة الإنتخابات، وإن حدث وشارك المشترك وقاطع الشارع الجنوبي فعلى الجميع أن يعلم أن ذلك سيشكل مكسبا كبيرا للقوى الخارجية بمختلف مسمياتها، وسيتم الإستفادة من ذلك في المستقبل القريب. المقاطعة رفض كامل لفساد وعبث العملية الديمقراطية، وإعلان صريح من المشترك عن سعيه في إيجاد ديمقراطيه حقيقية تتمثل بإختصار شديد في تمكين الناخب من الإدلاء بصوته بحرية مطلقة وكاملة، بدون التأثير من أحد أو الخوف على شيء، إستنادا الى البرامج التي يرى الناخب أنها تمثل مصلحة الوطن ومطالب الشعب. المشاركة.. إنتحار سياسي الدخول في إنتخابات ابريل 2009 في ظروف كظروف بلادنا إنتحار سياسي بكل ما تحمله الكلمة من معنى، لن تنحصر أضراره على أحزاب اللقاء المشترك فقط، بل ستشمل الوطن اليمني بأكمله، لأنها ستؤدي إلى تحقيق الحزب الحاكم الأغلبية المعتادة، مما يعني بقاؤه في السلطة بتوثيق كامل من المشترك.- تمثل المشاركة إعترافا من اللقاء المشترك بوجود ديمقراطية حقيقية يتفاخر بها الحاكم ليل نهار أمام الشعب والقوى الدولية. – المشاركة أمام طرف ينظر إليك كعميل وخائن مخاطرة كبرى، ولعل الخطاب الأخير للسيد الرئيس مثال على ذلك إذ إتهم احزاب المشترك بالعمالة والإرتهان للخارج، كما مثلت رسالته للمشترك إتهاما صريحا لأحزابه بدعم الخارجين على القانون والمتآمرين على الوحدة الوطنية حسب رسالته، وتلك أمور تعني أن الحاكم يستبق الأحداث بمعنى أن المشترك إن شارك وفاز فسينقلب الحاكم على الصندوق «عسكريا» خوفا على الوطن من «التتار» كما قال في الإنتخابات السابقة. – المشاركة في أجواء أمنية وقمعية من قبل السلطة، ووجود المعتقلين السياسيين في زنازين الأمن السياسي، إعتراف كامل بإجرائات السلطة، وإفراغ صريح لمفهوم الدولة الديمقراطية التي تخلوا من السجون السياسية. – ستؤدي المشاركة إلى ضرب مشاريع المشترك وركود العمل السياسي ست سنوات قادمة، لأن السلطة لا تستجيب ولا تتحاور سوى في الفعاليات والمتطلبات الوطنية. – لن تؤدي المشاركة إلى تراجع المشترك في الشارع اليمني فحسب،بل ستؤدي إلى خسارة المشترك لأصوات معارضة الخارج التي نبهت مبكرة بضرورة إتخاذ موقف وطني ودعمت بشكل كبير مواقف المشترك الأخيرة، وذلك ما لوحظ في حوار وتصريح العديد من المعارضين البارزين في الخارج. – حال فوز الحاكم وسلطته على المشترك أن يستعد لتلقي سيل هادر من كلمات «السفهاء» في الحزب الحاكم، إستنادا إلى ثقة الشعب ووفائه لقادته ومعرفته بمن يعمل على أمنه وإستقراره. تدرك أحزاب اللقاء المشترك أن الحزب الحاكم لا يحتكم لصندوق الناخب أبدا حيث يتم فرض الأمر الواقع، فكيف إذا تشارك في عملية كهذه، لذلك يجب أولا الإلتزام برأي الصندوق ولن يتم ذلك سوى بتوفير المناخ الديمقراطي السليم وهو ما يبدوا معدوما في اليمن في الوقت الحاضر، لذلك تكون المشاركة في أجواء كهذه شبيهة برحلة في صحراء بدون ماء أو طعام. الضغوط الدوليةتتجه الضغوط الدولية نحو إرغام المشترك على المشاركة في الإنتخابات رغم معرفة تلك القوى وإعترافها بعدم وجود مناخ ديمقراطي سليم في اليمن، كما جاء في بياناتها الصادرة في السنوات والأيام الماضية، لكنها بذلك الضغط تنطلق من قاعدة أننا في مدرسة «الحضانة الديمقراطية» ويجب علينا الإنتقال من مرحلة إلى أخرى حتى نتخرج من «الجامعة الديمقراطية» ولدى تلك الدول صبر طويل لتحقيق ذلك، هذا إن صدقت النوايا مع اننا لا يمكن أبدا أن نؤمن أن تلك القوى ستكون أحرص على بلادنا أكثر منا، وهي في ذلك أيضا تنطلق من أسس صراع حضاري، فهي تؤكد للعالم أننا شعوب غبية ومتخلفة تحكمها الديكتاتورية المطلقة، وهي من تعلمنا الحرية والديمقراطية، لهذا نتمنى من المشترك عدم الإستجابة لتلك الضغوط لأنه الأدرى بواقعنا وما نحتاجه، وبإمكان المشترك سؤال تلك القوى هل تدخل في إنتخابات في بلدانها لو كانت أجواء الإنتخابات كما هي في اليمن؟ وهنا نحب أن نضع بين يدي المشترك مقترح بتشكيل لجنه خاصة من أعضائه تسمى لجنة العلاقات الدولية تتولى الحوار والإتصال مع تلك القوى وعلى تلك اللجنة أن تجعل مصلحة الوطن اليمني فوق كل الإعتبارات ومحاورة تلك القوى على ذلك الأساس الذي يسمح بتبادل المصالح والمنافع على أسس علاقات دولية تقدس سيادة وإستقلالية كل دولة. حضور تاريخي مميز لقد حققت أحزاب اللقاء المشترك منذ تاريخ لم شملها، حضورا مميزا جعلها حالة نادرة في المنطقة والعالم العربي، كما مثل بقائها موحدة الصف أمام سلطة عرف عنها دفع كل العملات الصعبة من أجل تحطيم الصفوف إنجازا كبيرا دلل بوضوح على نضج العمل السياسي في أوساطها، وهي بذلك الحضور المتميز عملت على تعميق الوحدة الوطنية بين أبناء الشعب، فيكفيها فخرا أنها بعد أن ظلت في تناحر مستمر غذته السلطة، أصبحت في صف واحد وهي بذلك الصف خلقت وتخلق ثقافة وطنية عالية تمنح الرؤية السياسية وضعها الطبيعي أي أنها فكر لا عداء،وممارسة من أجل مصلحة الوطن لا أداة لإقتتاله. تمنح أحزاب المشترك نفسها تميزا إضافيا بتعدد وجهات النظر والآراء في ظاهرة صحية تؤدي دائما إلى إختيار الرأي الصائب لتتقارب الصفوف ويلتحم أبناء الوطن صفا واحدا من أجل البناء والإعمار لتغيير مآسي الحاضر نحو مستقبل أفضل ويمن غير يمن اليوم. اللقاء المشترك بحاجة للإلتفات إلى حضوره الوطني الكبير خلال السنوات الماضية، ولا نبالغ عندما نقول أن تجمع أحزابه مثل نقطة ضوء وحيدة في تاريخنا من بعد تحقيق الوحدة حتى اليوم، لذلك على اللقاء المشترك إستحضار ذلك الحضور في تعاطيه مع الإنتخابات القادمة وغيرها من الإستحقاقات الوطنية التي يجب دوما وأبدا أن تستجيب لرغبة الشعب ومصالح الوطن العليا.
Leave a Reply