رعايته مع السعودية للقوى الاصولية أقلقت الاوروبيين فابتعدوا عنه
مناصروه فقدوا ثقتهم به والمملكة لا ترى فيه رجلها وأميركا لم تقتنع به قائداً
نصح الرئيس نبيه بري النائب سعد الحريري، وفي ذروة الازمة السياسية والدستورية، لتأمين الثلث الضامن للمعارضة في حكومة وحدة وطنية، ان يتجاوب مع هذا العرض، وان يكون هو رئيس هذه الحكومة كي لا يفوت عليه فرصة الوصول الى الرئاسة الثالثة بعد الانتخابات النيابية المقبلة.
كان هذا العرض مغرياً للحريري الابن، وكان لديه اشكال انه لا يريد ان يؤلف حكومة في عهد الرئيس اميل لحود الذي اغتيل والده في عهده، وتريث بانتظار انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وعندما اتفق على العماد ميشال سليمان وانتخب رئيساً، فوجئ رئيس كتلة المستقبل النيابية،وهي الاكبر في مجلس النواب، ان طريق السراي موصد بوجهه لاسباب خارجية وليست داخلية، اذ كان الرئيس الجديد يطمح ان يكون الحريري هو رئيساً للحكومة لكن السعودية لم ترغب بذلك لان هذا الشاب الوارث السياسة عن والده، لم يكن سر ابيه، ولم يلب طموحات من اوصله الى هذا الموقع وميّزه دون اشقائه الذين ابتعدوا عنه، ولم يعودوا الى لبنان، وتحدثت المعلومات عن خلافات سياسية بينه وبين شقيقه بهاء الذي يتهمه انه ذهب بعيداً في تحالفاته الداخلية وتحديداً مع «القوات اللبنانية»، وبعدائه لسوريا، كما ان زوجة والده السيدة نازك الحريري ليست راضية على ادائه وتطرفه، وتعاطيه السلبي مع المقاومة، وانحرافه عن تراث والده الوطني.
فأمراء المملكة لم يقبضوا سعد كثيراً ، وان كان هناك تيار داخلها يمثله رئيس مجلس الامن الوطني الامير بندر بن سلطان، ومدير المخابرات الامير مقرن بن عبد العزيز اوصيا بان يكون الحريري رئيساً للحكومة وليس فؤاد السنيورة، وقد فتحا له شبكة علاقات خارجية بعد وفاة والده، وتم تعريفه على المسؤولين في الادارة الاميركية بدءاً من الرئيس جورج بوش الذي رأى ان السنيورة افضل من الحريري في التحاقه بالمشروع الاميركي للمنطقة، وانه وعد بتنفيذ كل الشروط الاميركية، واهمها نزع سلاح المقاومة.
وقد شعر الحريري بان السنيورة يتقدم عليه، وان اتصالاته العربية والدولية تتوسع، وان موقعه داخل الطائفة السنية في تصاعد، فبدأ يقلق من ان يرث «تيار المستقبل» وان يبقى في رئاسة الحكومة، ويقطع عليه الطريق للوصول اليها، وتذكر نصيحة بري له فقرر اعادة التموضع السياسي، كما فعل حليفه وليد جنبلاط، الذي سبقه الى فتح قنوات اتصال داخلية، ورفع شعار المصالحة، بعد حوادث 7 ايار الماضي التي اعادت المعارضة خلالها التوازن الداخلي وفرضت شروطها التي كانت ترفضها قوى 41 شباط بدعم اميركي وسعودي، بان لا يتم التنازل امام المعارضة، التي كان تحركها العسكري السريع على الارض والسقوط الاسرع لمراكز «تيار المستقبل» والحزب التقدمي الاشتراكي في بيروت والجبل، السبب في التعجيل بانعقاد مؤتمر الحوار الوطني في قطر والخروج باتفاق الدوحة الذي أمّن العبور لحل للأزمة اللبنانية.
ومع الهزيمة التي اصابت فريق الاغلبية ذهب وليد جنبلاط الى المصالحة، والحريري الى طرابلس والشمال يدعم القوى الاصولية والسلفية الاسلامية، ويفتح معركة عسكرية بين باب التبانة المنطقة ذات الكثافة السنية، وجبل محسن ذات الطابع العلوي، ليعيد نوع من التوازن مع ما حصل في بيروت وسقوطها في يد المعارضة، وهذا القرار الذي اتخذه رئيس «تيار المستقبل» كان بتوجيه سعودي ومن الامير بندر الذي لم يكن موافقاً على الهزيمة التي لحقت بحلفائه، وعودة حلفاء سوريا للإمساك بالقرار داخل الحكومة، وان يسيطر «حزب الله» على العاصمة، فقرر المواجهة من مكان آخر في الشمال، واعتبار المعركة هناك امتداد لما حصل في بيروت، وهو ما تنبه له جنبلاط ونصح الحريري ان لا يتورط بذلك، لانه يساعد على نمو الاصولية، ولا يعود يستطيع ضبطها، وتقضم الساحة السنية منه، وهذا ما بدأ يبرز في طرابلس، حيث انكشف دعم الحريري ومن وراءه السعودية للقوى الاصولية، والتي كانت طرفاً في معارك مخيم نهر البارد ضد الجيش، وهذا ما اقلق الاوروبيين الذين بدأوا يسمعون من الحريري وحلفائه، عن وجود عناصر لتنظيم «القاعدة» في لبنان، مما اثار خوفهم على القوات الدولية في الجنوب التي تعرضت لأكثر من اعتداء كشفت التحقيقات الامنية والقضائية ان عناصر اصولية لها ارتباط بـ«القاعدة» التي اعلن الرجل الثاني فيها ايمن الظواهري، حربه على ما سماها القوات الصليبية في لبنان.
انزعج الاوروبيون من الحريري، وعمدوا الى دعم وتطبيق اتفاق الدوحة، وانفتح الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي على سوريا التي كانت المساهم الاساسي في مسيرة الحل ووجه دعوة لرئيسها لزيارة باريس، وقام هو بزيارة دمشق في الوقت الذي اقفلت ابواب «الأليزيه» امام الحريري وحلفائه الذين شعروا ان الرياح الدولية تتجه نحو سوريا، ولم تعد معهم، كما اعلنوا بعد صدور قرار مجلس الامن 1559، ان الرياح الدولية مؤاتية لاخراج سوريا وقواتها من لبنان، ولكن الدول لها مصالح، وان مصلحة اوروبا هي مع سوريا، لمنع نمو الاصولية الاسلامية، واتخاذ «القاعدة» من لبنان «ارض جهاد» كما قال الظواهري، واكتشف الاوروبيون ومعهم الاميركيون، ان التحريض المذهبي في لبنان وتحديداً في صفوف السنة ضد الشيعة، والذي يمارسه الحريري ومعه دار الفتوى، لا يخدم سوى التطرف وليس خط الاعتدال الاسلامي، ونبهوا رئيس «تيار المستقبل» لذلك، وارسلوا الى السعودية ان لا تتجه هذا الاتجاه الذي يضر ليس بلبنان فقط، بل بها ايضاً وبدول اخرى.
وهكذا بدأ نجم الحريري بالافول، وشعبيته بالتراجع، وهذا ما ظهر مع حفلات الافطار التي اقامها في الشمال والبقاع والجنوب وبيروت، وان من يحضرها هو المستفيد مالياً ويعمل في مؤسساته، وان المواطنين باتوا قلقين من ظاهرة التطرف السني، وهو ما اقلق سوريا التي اعلن رئيسها ان الشمال تحول الى قاعدة للأصولية، التي تشكل خطراً على الاستقرار في لبنان، وطالب الرئيس ميشال سليمان التصدي لها بتعزيز الجيش، الذي كان اول المستهدفين وما زال من هذه الاصولية، منذ معارك مخيم نهر البارد الى اغتيال اللواء فرنسوا الحاج الى تفجير الباصين العسكريين.
فالخطر الاصولي بدى واضحاً، وهذا ما خفّض من اسهم الحريري عربياً ودولياً، بالاضافة الى الشكوك الداخلية به انه غير قادر على ان يكون رجل دولة، بعد ان فقد هو وحلفاؤه الشعارات التي رفعت بعد اغتيال الحريري، حيث لم تتحدث تقارير المحكمة الدولية عن دور سوري في الجريمة، بل عن عملية انتحارية نفذها اسلامي اصولي، له ارتباط مع جهات عربية وهناك من يحددها بالسعودية التي ذهبت لجنة التحقيق اليها تفحص تربتها، لان التقرير الدولي اشار الى ان المنفذ جاء من منطقة صحراوية نائية.
فالدور الذي اداه سعد الحريري حتى الان لم يكن على مستوى المسؤولية، فهو لم يتمكن من الصمود امام المعارضة فانهار بسرعة، واحتجز في قريطم بما يشبه الاقامة الجبرية ، فيما انصاره معتقلون لدى الاحزاب التي سلمتهم الى الجيش، أو فروا الى الشمال والبقاع بعد ان جيء بهم الى بيروت، على انهم يعملون في شركات امنية، كما لم يعد يثق به الاوروبيون لانه يشجع الاصولية، ولم تر فيه السعودية رجلها الذي تعتمد عليها، والادارة الاميركية الحالية لم تقتنع به انه اهل للقيادة، وهكذا بدأ الحريري يفقد الامل بانه سيبقى صاحب كتلة كبيرة في الانتخابات النيابية المقبلة، كما لن تعود الاغلبية لصالحه وصالح حلفائه في مجلس النواب، وبالتالي لن يدخل الى السراي، وعندها يفقد السلطة التي سعى اليها والده، لانها مكملة للمال وتزيده.
يتذكر سعد الحريري اليوم نصيحة الرئيس بري، ويقول لو عملت بها قبل اكثر من عامين، لما وصلت الى ما وصلت اليه اليوم.
Leave a Reply