حسين آل قريش
منذ الساعة التي نشرت الصحافة تصريحات الشيخ يوسف القرضاوي حول الشيعة, والقضية آخذة في التموج وردود الإفعال من رجال الدين والمثقفين والكّتّاب والصحفين والسياسين الذين شعروا بأن هذه التصريحات خطيرة على الأمة الآسلامية وعلى الوطن العربي، وهي فرصة فريدة من نوعها ينتظرها أعداء الأمة الإسلامية والعربية لأثارة الفتنة بين المسلمين حتى يشعلوا حرباً بينهم ثم يسهل عليهم سرقة ثرواتهم بحجة حمايتهم من بعضهم وما حرب الخليج الأولى والثانية عنا ببعيد. تلك الحجج الواهية التي أقاموا الحرب من أجلها لم تكن إلا أكاذيب لكنها أنطلت على عقول الساسة فكانت الحرب الضروس التي خلفت وراءها ثقلاً كبيراً من الدمار والخراب وزهق الأرواح وهدر مليارات الدولارات عدى تراجع التمية لعشرات السنين.
واليوم هم يبحثون عن مبرر آخر ليس بالضرورة لشن حروب كونية يوافق عليها مجلس الامن الدولي إنما هم في أمس الحاجة لبقاء أساطيلهم وقواعدهم العسكرية لحماية صنيعتهم اسرائيل وذلك بخراب الدول التي تحيط بها، تلك الحقبة من الزمن لم يكن لصوت العدل ورعاية مصالح الأمة أي تأثير فلم يتمكن أحد من إقناع الرئيس العراقي عن المغامرات الجنونية سواء في حربه مع إيران أو لغزوه لدولة الكويت فكان ما كان. وهذه المشكلة تتكرر لتوفير مسوغ لحماة إسرائيل لإعادة الأمة إلى لمربع الأول .
لكن هذه المرة يبدو في الإفق أمل بإنتصار صوت العقل، صوت الإعتدال، ويمكن معرفة ذلك من خلال الردود المستفيضة على تصريحات سماحة الشيخ يوسف القرضاوي، والمهم في الأمر ليست الردود التي جاءت من علماء الشيعة ومثقفيهم وسياسيهم، وإن كانت لها أهمية لبيان الحقيقة لكن الأهمية تكمن في الردود الحكيمة التي صدرت من علماء كبار لهم تأثيرهم في الأمة وفي مقدمة أولئك فضيلة شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي وسماحة مفتي المملكة العربية السعودية الشيخ عبد العزيز آل الشيخ الذين أعلنا وبكل وضوح عن رفضهما للسجال السني الشيعي إذ قال آل الشيخ داعياً علماء المسلمين الى الإحتكام للكتاب والسنة وأن يصبوا جهدهم باتجاه إصلاح الأخطاء لا الى بيان الأخطاء من كل جانب, أما فضيلة الشيخ سيد طنطاوي فقد دعا إلى نبذالخلافات السنية الشيعية بقوله «إننا أمة إسلامية واحدة سنية أو شيعية، كلنا ندين بدين واحد ولا يوجد إي خلافات جوهرية بيننا، وأن قوة المسلمين هي في توحدهم بجميع مذاهبهم حتى تستعيد الأمة الاسلامية مكانتها المستحقة بين الأمم».
وهنا لا بد من تسجيل كلمة للشيخ لا لكونه سنياً أساء للشيعة لاتهامه لهم بهذه الكبائر، وإنما لكونه تبوء مقعداً ومنصباً أصبح لكلامه تأثير لدفع المسلمين من كلا الطرفين ألى إتجاهات غير محسوبه، أقلها إثارة الفتنة بين المسلمين في الوقت الذي تعاني الأمة من المصائب والهموم، وهي في أمس الحاجة الى من ينكىء الجراحات ويوقف النزيف الذي يجري على تراب فلسطين وأفغانستان والعراق والصومال، واليمن والمغرب والجزائر ومصر والباكستان وحتى بلاد الحرمين، كل ذلك باسم الإسلام، ويتزعمه رجال محسوبين على طبقة رجال الدين سواء كانوا معارضين للإنظمة القائمة من أمثال بن لادن، أو كانوا يعملون مع الأنظمة كما هو حال الشيخ القرضاوي، أما مصائب الأمة التي أصابتها في مقاتلها كحالة التشرذم والتمزق والتخلف في كل شيء حتى أصيبت بداء نقص المناعة والعجز في الدفاع عن كيانها.
نتائج التصريحات التعبوية
إن الأحداث التي حصلت بعد تصريحات سماحة الشيخ القرضاوي وأهمها الهجوم المتبادل بين الفكرين الشيعي والسني، الذي دمروا مواقع بعضهم البعض وكلف المسلمين مبالغ طائلة وضيع جهود المخلصين الذين يدعون الى الله وحماية الدين، بل ودفعهم الى رفع وتيرة الإنتقام حتى تصدى البعض لرصد مبالغ تقدر بثلاثمائة مليون دولار لحماية المواقع من الهكرز وهذه المبالغ سوف تصب في جيوب الشركات التي تصنع الهكرز والعلاج.
نماذج صوت الإعتدال
ثم يأتي صوت الحكمة من سماحة العلاّمة السيد محمد حسين فضل الله وهو من الطرف المتضرر مرحباً ومثنياً وشاكراً للشيخين الجليلين آل الشيخ وسيد طنطاوي على حرصهما لمصلحة المسلمين وإدراكهما خطورة الفتن. عضو المجلس الشيعي الأعلى في لبنان الشيخ علي الخطيب قال «الشيخ القرضاوي طوال حياته من دعاة وحدة الأمة الإسلامية ومن الرواد في عملية التقريب بين السنة والشيعة ولذلك كانت الحساسية من التصريحات التي صدرت عنه بشأن تبشير الشيعة لمذهبهم». وتابع القول «نتمنى على الشيخ الجليل مواصلة مسيرته التقريبية ووزن تصريحاته بميزان من ذهب حتى لا يستغلها دعاة الفرقة والنافخين في نار الفتنة من السنة والشيعة على السواء». وشدد الأديب على عدم تأثر حوارات التقريب بين المذهبين السني والشيعي مطلقا بالجدل الذي دار حول تصريحات الشيخ القرضاوي. واعتبر أن «أمة الإسلام أكبر من الوقوف أمام تصريحات أسيء فهمها أو أثارت حساسيات من نوع معين فالعلماء أكبر بكثير من الوقوف أمام هذه الأمور».
مراجعة مداخل التقريب
كما طالب المفكر اللبناني الشيعي البارز السيد هاني فحص بـ«عدم جعل تصريحات الشيخ القرضاوي والرد عليها تشغل الرأي العام المسلم السني والشيعي المحتقن طائفيا بالفعل».
وطالب فحص بمراجعة ما وصفه بـ«مداخل التقريب» مقترحا أن يكون التقريب من خلال التركيز على المصالح المشتركة بين أهل المذهبين بعيدا عن مناقشة التاريخ وما جرى فيه. معللا ذلك بالقول أن التجربة الميدانية أثبتت أن هذه الجهود جوفاء ولا مردود لها على صعيد ممارسة الناس لحياتهم والواقع يؤكد أن العلاقة بينهما تزداد سوءا.
Leave a Reply