ثمة تقديرات متقاطعة من اكثر من جهة معنية برصد السباق الرئاسي الاميركي تشير الى ان المعركة الرئاسية باتت محسومة، على بعد اقل من شهر واحد، لصالح المرشح الديموقراطي باراك اوباما.
هذه التقديرات يلتقي حولها استراتيجيون في تنظيم الحملات الانتخابية من الضفتين الجمهورية والديموقراطية. فقبل اسبوع «بشر» مهندس حملة الرئيس بوش في عام 2004 وصانع فوزه بولاية ثانية كارل روف بأن الانتخابات لو اجريت اليوم لفاز اوباما بما مجموعه 273 صوتاً انتخابياً اي بزيادة 3 اصوات عن المجموع المطلوب للفوز بالبيت الابيض. ورغم «تحذير» روف من ان استطلاعات الرأي عرضة لتغييرات وتقلبات سريعة إلا انه اكد ان المرشح الجمهوري بات في «الخط السلبي» وعليه العمل لوقف الزحف الديموقراطي الحثيث نحو ولايات اساسية اظهر اوباما تفوقاً غير مسبوق لمرشح ديموقراطي فيها منذ العام 1996، حيث عزز مواقعه في ولايات حاسمة تقليدياً مثل اوهايو وبنسلفانيا وفلوريدا، وولايات اخرى بقيت جمهورية الهوى لعقود مثل فرجينيا وميسوري ونورث كارولاينا.
واذا قُيض لاستطلاعات الرأي الاخيرة ان تترجم في صناديق الاقتراع يوم الرابع من نوفمبر القادم فإن السناتور اوباما مقبل على تحقيق فوز كاسح شبيه بفوز بيل كلينتون عام 1996 وفوز الجمهوري رونالد ريغان عام 1984.
ورغم تعليق بعض الباحثين الجمهوريين الآمال على ما تبقى من اسابيع فاصلة عن يوم الموقعة الرئاسية، متوسلين ان يفعل الهجوم الشخصي من قبل حملة ماكين على منافسه اوباما فعله في استعادة التوازن الى الحملة الجمهورية ورفع حظوظ مرشحها مرة جديدة، إلا ان معلقين آخرين لا يرون لمحاولة ايذاء السمعة الشخصية لباراك اوباما عبر ربطه بـ«الارهاب» اي حظ في النجاح.
و«الارهاب» المتهم بعلاقته به باراك اوباما هو «ارهاب اميركي» يعود الى حقبة الستينات ويتمثل بالمتطرف اليساري بيل آيرز الذي قاد حركة متشددة مناهضة لحرب فيتنام وقام الجمهوريون بنبشه من الذاكرة وتسليط الضوء على حفل استقبال نظمه لاوباما في منزله في العام 1995.
الحملة الجمهورية تبدو متجهة نحو مزيد من التصعيد على المستوى الشخصي، ولم يكن اتهام ماكين لخصمه الديموقراطي بالكذب عشية المناظرة الرئاسية الثانية في تينيسي سوى نموذج قد تتبعه نماذج اخرى في الاسابيع القادمة، وقد ترقى الى التشكيك بـ«ولائه» لاميركا فضلاً عن التشكيك بقدرته على القيادة الذي رمي به اكثر من مرة من قبل خصمه الجمهوري.
في مناظرة الثلاثاء الرئاسية اظهر ماكين المزيد من الازدراء بخصمه «المؤدب» عندما اشار اليه بعبارة «ذلك الشخص» رغم ان اوباما كان يجلس على بعد خطوات قليلة منه، في معرض اتهامه بتشويه حقيقة موقفه حول الازمة المالية والتدخل الحكومي وبأنه «ليبرالي غير مؤهل للقيادة». يراهن ماكين في محاولة تحقيره لخصمه على الحفاظ على قلاع جمهورية مهددة بالسقوط في ايدي الديموقراطيين، كوسيلة اخيرة لانقاذ ما يمكن انقاذه، بعدما فعلت الازمة المالية فعلها في النسيج الاجتماعي الاميركي المحافظ والليبرالي على حد سواء.
والمرشح ماكين بدأ يستشعر انه سيكون الضحية الابرز للازمة المالية القائمة وبعدما اخفق في تمييز نفسه والنأي بمواقفه عن الادارة الجمهورية المغادرة وهي مثقلة بالهزائم السياسية والمالية والاقتصادية، فضلاً عن الاخفاقات العسكرية في العراق وافغانستان.
وماكين لم يجد بصفته «المحارب القديم» و«البطل القومي» سوى اتهام خصمه بالمساهمة في حدوث الهزيمة الناجزة لاميركا بدعوته الى انسحاب القوات الاميركية من العراق، بينما يقدم هو نفسه «كمنقذ» من الورطة العراقية سوف يعمل على تحقيق عودة الجنود الاميركيين بعد «انجاز المهمة». اما اسامة بن لادن الذي لا يزال نزيل الكهوف بين افغانستان وباكستان فقد تعهد ماكين بالقبض عليه او قتله دون ان يتطرق ولو تلميحاً الى اسباب فشل الادارة الجمهورية طيلة سبع سنوات في تحقيق هذا الهدف الحيوي للامن الاميركي.
بعض المعلقين الاميركيين نعى حظوظ ماكين فكتب هاورد وولفسون احد ابرز مساعدي المرشحة السابقة هيلاري كلينتون «ان السباق انتهى فعلياً والسؤال اليوم بحسب الاستطلاعات والارقام الجديدة هو حول هامش الفوز الذي سيحققه المرشح اوباما وليس اكثر ..» وفي اشارة الى اليأس الذي يلف الحملة الجمهورية اعتبر الكاتب ان اعتداءً ارهابياً تتعرض له اميركا وحده قادر على انعاش حظوظ ماكين، مما يعيد التذكير بتلك الرسالة التي وجهها اسامة بن لادن عشية الانتخابات الرئاسية في العام 2004 واعتبرها مراقبون ومحللون بمثابة «البرد والسلام» اللذين نزلا على جورج بوش الابن وفوزه بفترة رئاسية ثانية حسمتها ولاية اوهايو بعدما كان منافسه الديموقراطي جون كيري متقدماً عليه في استطلاعات الرأي حتى فترة وجيزة من يوم الانتخابات.
والارجح ان اسامة بن لادن لن يرتكب هذه «الحماقة» مرة اخرى، وإلا اعتبر في عداد «العاملين» في الحملة الانتخابية الجمهورية، إلا اذا كان يعتقد بأن «تعهد» ماكين بجلبه إلى العدالة او قتله لا يختلف عن «تعهد» جورج دبليو بوش، وينطبق عليه قول الشاعر العربي جرير:
زعم الفرزدق أن سيقتل مربعاً ابشر بطول سلامة يا مربع
والاعتداء الارهابي، ان وقع، في هذه الاونة، سيصنف في خانة «نظرية المؤامرة» وهي نظرية ظلت رائجة لفترة بعد اعتداءات الحادي عشر من ايلول. إلا ان الجمهوريين لن يعيروا اهتماماً كبيراً لهذه النظرية طالما ان نتيجة اعتداء ارهابي ستسهم باحتفاظهم بالبيت الابيض.
لست شخصياً من المؤمنين بنظرية المؤامرة، لكن اعتداءً ارهابياً تتعرض له اميركا قبل الرابع من نوفمبر سيعني ان هنالك «تحالفاً» موضوعياً بين ارهابيي القاعدة و«مطارديهم» من جمهوريي الادارة. رغم ان «تحالفاً» كهذا سيبقى عصياً على فهم الجمهور الاميركي.
وفي حين يواصل الديموقراطيون تحصين مواقعهم الانتخابية معززين بحوالي مليون ناخب جديد تم تسجيلهم، فيما وصف بانه «تسونامي» في عمليات تسجل ناخبين جدد، واصل الجمهوريون نزفهم الانتخابي واظهرت احصائيات خسارتهم لحوالي نصف مليون ناخب في اكثر من ولاية اساسية.
ويجد الجمهوريون انفسهم امام نتائج «مرعبة» لاستطلاعات اجريت على ناخبين تحت سن الثلاثين (18 – 29 سنة). فقد اظهر هذا الاستطلاع الذي اجرته صحيفة «يو. اس. اي. توداي» بالاشتراك مع معهد «غالوب» تفوق المرشح الديموقراطي اوباما على خصمه الجمهوري بنسبة 61 الى 32 بالمئة، مما يعني ان جيلاً كاملاً من الاميركيين بات ينتمي الى حركة «التغيير» التي يدعو اليها اوباما. وعلى غرار «الريغانية» في اوائل الثمانينات التي تحولت الى عقيدة جمهورية اعتنقها جيل من الاميركيين، تشير الاستطلاعات الى تبلور ما يمكن المجازفة بوصفه بـ«الاوبامية» الصاعدة بسرعة وسط الحطام المالي والسياسي والاقتصادي الذي خلفه ورثة رونالد ريغان او من تبقى منهم على مدى الفترتين الرئاسيتين لجورج دبليو بوش.
ثمة رهان جمهوري على كسل القاعدة الشبابية للناخبين وتقاعسها عن المشاركة في العملية الانتخابية وهو رهان لا يجافي الحقيقة، إلا ان الازمات التي تواجهها اميركا منذ بداية عهد الرئيس بوش الابن كفيلة بتحريك «الموتى» من الناخبين وتجعل هذا الرهان اقرب الى المقامرة في هذه الدورة الانتخابية، وسيترتب عليها وصول «ذلك الشخص» الى البيت الابيض!.
فهل تتغير المعطيات القائمة لصالح المرشح الجمهوري في اللحظات الاخيرة؟ انه سؤال الـ«700 بليون دولار» الذي ينتظر العالم بأسره الاجابة عليه على وقع الانهيارات في البورصات التي ضربت الاسواق العالمية يوم «الاثنين الدامي» الفائت.
Leave a Reply