عجز الميزانية يرتفع إلى مستوى قياسي والاقتصاد ضعيف وتعافيه يستغرق وقتاً
نيويورك – أكثر المراقبين الاقتصاديين تفاؤلاً يقولون أن الأزمة المالية التي تضرب العالم لن تزول قبل ان تسوء أكثر.
الأسبوع الماضي لم يحمل بشائر تحسن فالأزمة المالية أبقت أسواق المال متوترة، في مختلف انحاء العالم الذي يترقب مخاطر الركود الاقتصادي في الولايات المتحدة، الذي اختلف المسؤولون الاميركيون حول حتميته، وسجلت معظم البورصات هبوطاً حاداً لم تمحوه انتعاشات متفرقة في التعاملات، في الوقت الذي سعى فيه قادة الاتحاد الأوروبي، في قمتهم التي اختتمت في بروكسل، إلى تعميم خطة التحرك التي أقرتها مجموعة اليورو على جميع الدول الأعضاء، وقرروا تشكيل خلية أزمة مالية تزود الدول الاعضاء بمعلومات فورية وسرية، وسط دعوات اوروبية ملحة الى اصلاح النظام المالي العالمي.
ومع اتساع الأزمة المالية وزيادة حدتها بدأ الاقتصاد العالمي يختنق، وهذا هو الذي جعل البنوك المركزية في العالم تقوم بإجراءات طارئة بما في ذلك عمليات لخفض الفائدة وهو أمر يستبعد أن يحول دون ركود عالمي.
أما على الصعيد الداخلي الأميركي فقد قال البيت الأبيض إن أحدث البيانات الاقتصادية بما في ذلك بيانات مبيعات التجزئة والوظائف إضافة إلى أزمة الائتمان تعني أن الاقتصاد الأميركي في حالة ضعف وسيستغرق وقتا حتى يتعافى.
وقال توني فراتو المتحدث باسم البيت الأبيض «نتطلع إلى فترة زمنية سيظل فيها النمو ضعيفا».
وأضاف «استنادا ليس فقط إلى بيانات مبيعات التجزئة التي صدرت مؤخرا بل أيضا إلى بيانات الوظائف التي شهدناها في الأشهر القليلة الماضية وبيانات اقتصادية أخرى صدرت مؤخرا إضافة إلى هذه الصدمة الحادة بسبب الائتمان فإن اقتصادنا في حالة ضعف الآن وسيستغرق بعض الوقت حتى يتعافى».
من ناحية أخرى أظهر تقرير للاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) أن الاقتصاد الأميركي انحدر بصورة أكبر نحو الركود الاقتصادي.
وقال التقرير إن النشاط الاقتصادي في الولايات المتحدة انخفض وهبط أيضا إنفاق المستهلكين، العمود الفقري للاقتصاد الأميركي، في معظم أنحاء البلاد.
إضافة إلى ذلك فقد أظهر النشاط الصناعي أيضا تباطؤا. وقال التقرير إن بعض الشركات أصبحت أكثر تشاؤما بخصوص مستقبل الاقتصاد.
ونشر التقرير قبيل إلقاء بن برنانكي رئيس الاحتياطي الفيدرالي لخطاب في نيويورك حذر فيه أن استعادة الاقتصاد الأميركي لوضعه الصحيح سيستغرق وقتا حتى في حال استعادة الثقة في النظام المالي وفي حال استقرار أسواق المال.
هذا وقد تضاعف عجز الميزانية الأميركية ثلاث مرات خلال السنة المالية 2007 – 2008 ووصل إلى 455 مليار دولار.. وهو أعلى رقم يصل إليه عجز الميزانية على الإطلاق، ويمثل أكثر من ثلاثة بالمئة من مجموع الناتج القومي.
وقال وزير الخزانة الأميركي هنرى بولسون: إن هذا العجز يعكس المشكلات التي يعانى منها سوق العقارات في الولايات المتحدة وبطء النمو الاقتصادي.
ويقول المراقبون: إن الرقم يمكن أن يصل في العام القادم إلى سبعمائة مليار دولار.
ويذكر أن الرقم القياسي السابق للعجز في الميزانية الفيدرالية الأميركية سجل عام 2004 حيث بلغ حجمه حينذاك 413 مليار دولار.
ومن جهتها، أكدت رئيسة الاحتياطي الفيدرالي في سان فرنسيسكو جانيت يلين على أن الولايات المتحدة دخلت في حالة ركود، وأن الأسعار قد استقرت جراء تدني أسعار المواد الأولية.
وقالت يلين، في كلمة ألقتها في بالو ألتو بولاية كاليفورنيا: «المعطيات الاقتصادية الحديثة تدل على أن الاقتصاد كان أضعف مما توقعنا في الفصل الثالث؛ مما يكشف، على الأرجح، عدم حدوث أي نمو».
وأضافت: «النمو في الفصل الرابع يبدو أيضا أشد ضعفا مع انكماش محتمل جدا»، موضحة: «الاقتصاد الأميركي في حقيقة الأمر في حالة ركود».
وأشارت يلين، التي لم تتحدث عن المدة المحتملة لهذا الركود، إلى «ان تدني أسعار المواد الأولية أدى إلى استقرار الأسعار»، مشيرة إلى إمكانية حدوث انكماش اقتصادي.
وسبق ذلك إعلان بوش عن تفاصيل الخطة الجديدة التي تضمنت استخدام جزء من الـ 700 مليار دولار التي أقرها الكونغرس لشراء أسهم في البنوك.
وقد أعلن بوش عن خطة قوامها 250 مليار دولار لشراء أسهم في المؤسسات المالية الرئيسية بالولايات المتحدة، مؤكدا أن الخطوة لا تهدف إلى الاستيلاء على السوق الحرة ولكن للمحافظة عليها.
وأضاف الرئيس الأميركي، في كلمة من البيت الأبيض: «هذه الإجراءات لا تهدف إلى السيطرة على اقتصاد السوق.. ولكنها تهدف إلى الحفاظ عليه».
وقال بوش: «إن الحكومة الأميركية ستشتري أسهما في مؤسسات مالية، مضيفا : «الاحتياطي الفيدرالي سيكون ضامنا للقروض القصيرة الأمد للمؤسسات، وذلك في إطار خطة إنقاذ القطاع المالي».
وتابع قائلا: «إن الحكومة ستضمن أيضا حسابات الشركات الصغيرة في عملياتها اليومية بهدف مواجهة الأزمة المالية التي تشهدها البلاد».
وأضاف الرئيس الأميركي، في كلمة من البيت الأبيض: «هذه الإجراءات لا تهدف إلى السيطرة على اقتصاد السوق.. ولكنها تهدف إلى الحفاظ عليه».
وأضاف قائلا: «إن الأمر قد يستغرق بعض الوقت كي يظهر أثر هذه الخطة كاملا، ولكن بوسع الشعب الأميركي الآن أن يثق في خطتنا الاقتصادية على الأمد الطويل».
من جانبه حث وزير الخزانة الأميركي هنري بولسون بعض البنوك التي لا ترغب في الأموال الفيدرالية على قبول عرض الحكومة لإزالة أي عقبات قد تعترض طريق الخطة. وقال بولسون «إن مثل هذه الإجراءات لم نكن لنلجأ إليها أبدا لكنها ما يجب أن نقوم به لإعادة الثقة إلى نظامنا المالي».
وستشمل الخطوة شراء حصص في تسع من كبريات المؤسسات المالية الأميركية -بقيمة 125 مليار دولار- أعلنت موافقتها على الخطة وهي «سيتي غروب» و«مورغان تشيس» و«بنك أوف أميركا» و«غولدمان ساكس» و«مورغان ستانلي» و«ويلز فارغو» و«بنك نيويورك ميلون» و«ستيت ستريت» و«ميريل لينش».
وكانت هذه آخر خطوة تقوم بها الإدارة الأميركية لدعم أسواق المال بعد الإعلان عن خطة للإنقاذ المالي بسبعمائة مليار دولار.
في السياق ذاته، أعلن الاحتياطي الفيدرالي أنه سيبدأ شراء ديون قصيرة الأمد ابتداء من 27 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري. ورحب رئيس الاحتياطي الفيدرالي بن برنانكي بالخطوات الأخيرة للحكومة الأميركية وقال إنه يعتقد أنها ستسهم في تخفيف المشكلات التي يعاني منها القطاع المالي والتي تهدد اقتصاد الولايات المتحدة.
وأضاف «إننا لن نهدأ حتى نحقق أهداف تصحيح وإصلاح نظامنا المالي وإعادة الازدهار إلى اقتصادنا».
وتهدف الحكومة الأميركية إلى إنفاق 052 مليار دولار هذا العام لشراء حصص في المؤسسات المالية. ووافق الرئيس بوش الثلاثاء على إنفاق مائة مليار أخرى لشراء الأصول المتعثرة. ويعنى ذلك أن الرئيس القادم للولايات المتحدة سينفق المبلغ الباقي من الخطة وهو 350 مليار دولار.
Leave a Reply