يذكرني الفساد الحاصل حاليا في كل مرافق الدولة والذي ينتقده الرئيس في بعض خطاباته، ويهدد في بعض الأحيان بمحاسبة الفاسدين، يذكرني بموقف للرئيس حيث كان في أحد المحافظات يلقي خطابا عن منجزات الثورة، ومكتسبات الجمهورية، وقداسة الوحدة، فاشتكى اليه البعض من فساد «ولاته» فرد بسرعة الصوت اين الدليل؟ اثبتوا ذلك عليهم!!
تكرر الأمر عدة مرات، فكان لقاءه الصحفي مع صحيفة «الوسط» بمثابة التذكير لمن يتهم اركان نظامه بالفساد، وامتلاكهم للاستثمارات والأرصدة في بنوك الخارج، حيث سارع مطالبا بالإثبات والدليل، محتفظا لنفسه عن سبب سر غموضه في الدفاع عن الفاسدين، والتشبث بهم، وهذا الكلام أكده القيادي المؤتمري الشيخ ياسر العواضي في حواره الذي تجاوز كل الخطوط الملونة مع صحيفة «الشارع» قبل عدة أسابيع، عندما قال ان «الحرس القديم» يسيطرون على الرئيس وأن حزب المؤتمر حاله في العملية كالمراقب المعوق الذي لاحول له ولا قوة».
الرئيس يطالب بالدليل، معتبرا أن القصور الهائلة، والسيارات الضخمة، والمشاركة في التجارة وأدارتها، ونهب المال العام، ليست أدلة كافية ومعنى ذلك أن على المواطن المشتكي أن يقوم بتصوير الفاسدين «سرا» وهم ينهبون الأموال، أو يضعون الودائع في بنوك الخارج، ثم يقوم، بهدف إرباك الحزب الحاكم عن أداء مهامه التنموية بالاتصال بسيادة الرئيس وتسليم الشريط المصور اليه، وعندها فقط سيتحرك الرئيس ويوجه بمحاكمة من يتجسس على مسؤولي حزبه ويسعى لإثارة الفوضى في اوساط الناس.
في الحقيقة أن موقف الرئيس يثير الدهشة والاستغراب معا، بل ويطرح سؤالا غاية في الأهمية وهو هل بالفعل يقصد الرئيس ما يقول؟
إذا كان الجواب بنعم، فتلك مصيبة حقيقة، تؤكد أن سيادة رئيس الجمهورية، مع احترامنا الشديد لشخصه، لايعرف كيف يدير شؤون الدولة والنظام، لأن المفروض قانونا وكما هو متعارف عليه في كل دول العالم، وجود هيئات أو لجان، او كيفما كانت المسميات، مهمتها استخراج الدليل، والتحقيق في كل شكوى تتعلق بالفساد والمخالفات لأي موظف حكومي في اي موقع كان مركزه. أما اذا كان الجواب بلا، والأمر مجرد تعجيز ليس الا، فتلك مائة مصيبة لأن الرئيس هنا يؤكد على الدوام وقوفه ضد مصلحة الشعب وانحيازه لمجموعة من المرتزقة الذين أحرقوا الأخضر واليابس تحت غطاء وحماية السيد الرئيس.
في كل دول العالم, خاصة المتقدمة منها، توجد منظمات تستقبل شكاوي المواطنين حول فساد مسؤول أو سوء معاملته للمواطنين أثناء تأدية عمله الحكومي، كما ان تلك المنظمات تستقي معلوماتها من وسائل الإعلام التي تجيد إخراج الفضائح، وتقوم بالتحقيق حول اي تهمة تصل اليها إما بالشكوى أومن وسائل الاعلام، ومن تثبت عليه التهمة يتم معاقبته بالقانون المتعارف عليه في هذه الحالات، والمعروف ان المشتكي يذهب لحال سبيله مصحوبا بكلمات الشكر والثناء على واجبه الوطني، فيما الصحفي الذي ينشر مثل تلك التجاوزات ينام نوما هنيئا ويترقى في عملها وينال المكافآت ويصبح بطلا قوميا لانه ساهر على مصالح الوطن وابنائه، وهنا أيضا يجب الاشارة الى وجود هيئات ومنظمات تراقب عمل كل مسؤول، بدئا من رئيس الدولة حتى أصغر موظف، تمتلك من الصلاحيات والقوة القانونية ما يجعل كل موظف يفكر ألف مرة قبل أن يرتكب اي مخالفة، وللتذكير أيضا فان تلك الهيئات والمنظمات مستقلة لا ترتبط على الإطلاق بأي مصالح مشتركة مع المسؤولين حتى تتمكن من أداء عملها على أكمل وجه.
ذلك في دول العالم، أما في حكومة اليمن، حيث يهزم القانون وينتصر الفساد الذي عجز سيادة الرئيس عن رؤيته في القصور والتجارة والسيارات والبطون المنتفخة بالمال الحرام، فالمطلوب منك أيها الشعب الجائع العاري المريض، المطلوب منك أثبات الفساد بالدليل!!
سنرى في هذه القصة التي شاهدها الجميع، كيف يتم معاقبة كل شخص مخالف للقانون الوظيفي مهما كان مركزه أو صلته وعلاقته بالرئيس، فهذا السيد بول وولفيتز رئيس البنك الدولي وأحد المقربين الأقوياء من الرئيس المقاتل جورج بوش، أحرق قلبه الحب والغرام، وأغواه العشق فمنح معشوقته زيادة في الراتب والمكافآت خارج نطاق القانون. لم يصرف لها سيارة أو فلة أو حتى شقة مفروشة ولم يقدم لقريبها الفاشل منحة دراسية، الأمر انحصر في زيادة غير قانونية في الراتب والمكافآت وهذا السبب كان كافيا عند دول تلتزم بقوانينها وتحترم شعوبها، لاتخاذ اللازم حيال الموضوع.
وسائل الاعلام فضحت الموضوع واثارت الرأي العام، فتحركت الجهات المسؤولة بسرعة عبر لجنة مختصة حققت بحياد ومسؤولية قانونية، أثبتت صحة التهمة بعد أن وجدت الدليل، فما كان من رئيس البنك الدولي سوى تقديم استقالته مع أن المبلغ لا يتجاوز قيمة أثاث مستورد لمنزل وزير في حكومة الصالح اليمنية.
عند نشر الخبر في وسائل الاعلام لم تطالب الحكومة الأميركية بالدليل، ولم تتستر على أحد أهم أنصار الحرب على العراق، ولم تؤجل الموضوع خشية من تأثير الأمر على الأنتخابات القريبة، كما انها لم تفكر في نتيجة الفضيحة المضافة الى الفضائح التي اشتهر بها الرئيس بوش ومعاونيه، وفوق ذاك وهذا لم يتعرض أحد لأيّ وسيلة اعلامية أو أحد موظفيها، بل رحل رئيس البنك الدولي مخلفا وراءه فضيحة قانونية تم تسجيلها في ملفه الوظيفي، بموجبها سيحرم من تولي أي منصب حكومي ما بقي له من عمر.
سيادة الرئيس.. نتمنى أن نكون قد وفقنا في نقل صورة نحب من خلالها أن نقول لك أن الدليل من مسؤولية أجهزتك ومن صميم عمل حكومتك فنرجو منك أن لا تطالبنا به مرة أخرى.
كما اننا أردنا من خلال التوضيح السابق أعلاه أن نضع بين يديك هذا الموضوع الخاص باستثمارات وتجنس العديد من أركان نظامك تاركين مهمة الدليل والأثبات لك ولأجهزة نظامك العرمرم.
هنالك حديث عن وجود استثمارات لمسؤولين ذوي أسماء رنانة من قادة حزبك المقربين منك، تبلغ ملايين الدولارات، بموجب ذلك الاستثمار حصل أولئك على الجنسية الكندية مع أفراد عوائلهم.
قد تسأل وتقول وما أدراكم وأنتم في أميركا؟ وكيف تتحدثون عن كندا؟ والجواب هنا سهل وبسيط، فنحن في ولاية ميشيغن المجاورة لدولة كندا ويمكننا العبور الى هناك عبر الجسر أو النفق البحري بصورة أسهل وأسرع من وصولك من بير عبيد الى باب اليمن.
الأمر ليس إشاعة كما أنه ليس من باب التبلي على أحد، وطبقا لمصادر مطلعة فأن الأسماء من العيار الثقيل حصلت جميعها مع أفراد العوائل على الجنسية الكندية أثر استثمارها بمبالغ مليونية مكنتها حسب القانون الكندي من الحصول على الجنسية.
قد تتساءل كيف ذلك؟ والجواب بكل يسر يقول أن القانون الكندي يجيز منح الجنسية لأي شخص «أجنبي» يستثمر في الدولة الكندية بمبلغ يتجاوز نصف مليون دولار، وهذا ما حدث بالضبط مع مسؤولين رفيعي المستوى في حزبكم المعظم.
هذه المرة سنسأل نحن ونقول من أين حصل أولئك على تلك الأموال؟ ولماذا يسعون للحصول على جنسيات أخرى؟ هل بلغ بهم الاستهتار بالنظام وعدم الثقة فيه الى هذا الحد؟ وهل تكشف هذه الحالات وجود حالات أخرى في دول مختلفة من العالم؟
ان ذلك الحديث لو ثبت فسيكون فضيحة تاريخية بكل المقاييس، ولو حدث في دولة أخرى لحوكم من قام بذلك بتهمة الخيانة العظمى، فكيف يفرط أولئك بجوازاتهم الحمراء؟ ولماذا يحصلون على جنسيات أخرى؟ هل لتأمين الأموال المسروقة أم لشق طريق الهروب من ثورة الجياع القادمة؟ والنجاة من القانون الذي سينالهم في يوم ما؟.
سيادة الرئيس.. أرجو ان لا تطالبنا بالدليل لان ذلك كما قلنا مهمة نظامك، ونعتقد أن الحصول عليه سهل ويسير عبر معرفة من سافر من أركان نظامك خلال السنوات الأخيرة الى كندا وغيرها من دول العالم، كما أن بإمكانك معرفة ذلك من خلال تذاكر الطيران التي منحت لهم العوائل طبعا «مجانا» أو من خلال أوراق حوالات صرف الدولارات من البنك المركزي، أو الاستفسار من بعثتكم الدبلوماسية في دولة كندا، فالحديث يقول ان الدبلوماسيين اليمنيين في كندا من يتابعون إجراءات التجنس والاستثمار، هذا في حال عدم معرفتك بالموضوع، أما إذا كنا على دراية وعلم فيمكننا القول بثقة مطلقة على الوطن السلام.
Leave a Reply