بدأت المعركة الانتخابية في المناطق المسيحية فعلياً بين الجنرال ميشال عون وبين الاحزاب المسيحية الاخرى وعلى رأسها حزب سمير جعجع القوات اللبنانية. بدأت المعركة الانتخابية بين الجنرال «والحكيم» من خارج الاراضي اللبنانية، من طهران والقاهرة. الاولى ذهب اليها الرجل الاول عن سابق اصرار وترصد لكونه يؤمن بأنها الدولة الاقليمية الاقوى في المنطقة والاقرب الى لبنان والاقدر على مساعدته. استُقبل فيها استقبال الرؤساء وحُمل على الأكف والراحات. ولاقى التأهيل والترحيب من كل المسؤولين الايرانيين ليقينهم بأن عند الجنرال «مربط الفرس» وعنده يكمن الحد الفاصل بين نجاح المشروع الاميركي وفشله، وهو المشروع الذي بشرت القيادة العليا في ايران المتمثلة بالسيد علي الخامنئي بهزيمته وسقوطه في بيروت قبل عامين. وهذه القيادة تدرك بشكل كبير التوازنات السياسية والاحجام الديموغرافية من دون ان تحتاج الى واسطة حزب الله او اي من الاحزاب الاخرى الحليفة، اذ تقوم المستشارية الثقافية الايرانية بمراقبة الوضع السياسي وتفاصيله اليومية الدقيقة حتى قراءة الصفحات الفنية والصحة والتسلية وحل الشبكات المتقاطعة في الصحف والمجلات، وتقوم ببعث تقارير يومية عن ما وصلت اليه الاوضاع العامة في البلاد، وهو الدور الذي يعتقد كثيرون بأن السفارة الايرانية تقوم به في حين هو مناط بعمل المستشارية الثقافية الايرانية التي تعمل بشكل مستقل عن السفارة. بالنتيجة تعرف القيادة الايرانية وزن الرجل الذي تستضيفه، فهو بالنسبة اليها لا يقل عن الرئيس الفينزويلي هوغو تشافيز المناكف والمشاكس للمصالح الاميركية في العالم، كما هي حال العماد عون الذي، وبحسب عدة جهات ضالعة في ومطلعة على سياسات واشنطن، استطاع ان يوقف المشروع الاميركي عبر تعطيله حكم الاكثرية وتغطية ظهر «حزب الله» في حرب تموز 2006، وهو الامر الذي ما انفك المسؤولين الاميركيين يحملون مسؤوليته للعماد عون حتى ان الرئيس الاميركي جورج بوش ذكره مباشرة في لقائه مع البطريرك صفير في شهر ايار المنصرم.
وبعيداً عن الأصوات التي تعلو من هنا وهناك وتتهم عون بأنه ذهب لتقديم اوراق اعتماده لاحمدي نجاد وما الى ذلك من الكلام الذي لا يقدم ولا يؤخر على المستوى السياسي، فإن هناك موقفاً واضحاً وصريحاً يتخذه الجنرال عون من المحيط العربي او ما يسمى محور الاعتدال العربي المتمثل بالسعودية ومصر والاردن ومن الادارة الاميركية وسياساتها في لبنان والمنطقة. فهذه الزيارة وما رافقها من مواقف اعلنها عون ضد السعودية تمثل المرحلة الجديدة التي بدأها التيار الوطني الحر عبر مجاهرته الصريحة بحلفه مع ايران، الدولة العادلة الحاضنة لاكثر من 150 ألف مسيحي و300 كنيسة وفيها حريات سياسية ينتخب معها المسيحيون نوابهم بحرية مطلقة، وبخلافه مع السعودية الدولة الديكتاتورية والظالمة التي تمنع بناء الكنائس وتحظر الاديان وتطبق أحكام أهل الذمة على المسيحيين المقيمين على ارضها. وتمكن عون من خلال حسن ادارته للزيارة ان يفرض نفسه زعيماً مسيحياً في الشرق، يتفقد رعيته في ايران ويطالب بحماية المسيحيين في العراق وايقاف تهجيرهم، يطل على مسيحيي دارفور وعلى اقباط مصر المهضومة حقوقهم في ظل عهد الرئيس مبارك.
والثانية – اي القاهرة – ذهب اليها الثاني – اي جعجع – ليس عن سابق اصرار وترصد بل عن ردة فعل على زيارة خصمه للجمهورية الاسلامية، في محاولة لاثبات الذات السياسية القادرة على لقاء رؤساء الدول من غير ان يكون لهذه الزيارة مفاعيل سياسية تستعمل في العملية الانتخابية المحتدمة قبل اوانها، لان زيارة مصر الجعجعية هي زيارة بدل عن ضائع أو بالوكالة لكون الدور المصري لم يكن فعالاً في المعادلة اللبنانية اضافة الى ان النفوذ المباشر في لبنان هو من نصيب السعودية الدولة المسؤولة عن الانفاق والتمويل وبالتالي فإن زيارة مصر لا تعدو كونها فولكلوراً سياسياً و طقساً سياسياً قام بتأديته جعجع من دون ان يعرف ماهيته ومن غير ان يكون له في القاهرة ما كان للجنرال عون في طهران…
إنه الفارق بين أن تكون زعيماً وطنيا وبين أن تكون محكوماً سابقاً تعتذر وتستجدي العفو من الضحية…
Leave a Reply