الدول الأوروبية تؤيد تحذيرات الأسد وقوى «14 آذار» مصدومة
عندما أعلن الرئيس السوري بشار الأسد أن منطقة شمال لبنان تحولت إلى مكان «للأصولية الإسلامية»، قامت بوجهه حملة من قوى 14 شباط، وضعت كلامه في إطار التحضير للدخول من جديد إلى لبنان، لانه ترافق مع إجراءات عسكرية سورية عند الحدود السورية-اللبنانية، وذهب وفد من هذه القوى إلى فرنسا يشتكي سوريا، ويحذر من استغلال حوادث في الشمال للعودة بقواتها من جديد إلى لبنان، لكن الجواب الفرنسي الذي صدم أعضاء الوفد الذي تألف من مروان حمادة، سمير فرنجية، فارس سعيد، دوري شمعون، وكلهم له علاقات وثيقة بالأجهزة الفرنسية الأمنية والدبلوماسية، بأن الحشود السورية لها علاقة بحماية الحدود من تسلل عناصر إسلامية متطرفة إلى داخل سوريا، التي وضعت أمام الدول الأوروبية تقارير عن نشاط منظمات إسلامية بعضها مرتبط بتنظيم «القاعدة»، وان لدى الأجهزة الأمنية والقضائية في بعض الدول الأوروبية، لا سيما التي لديها عناصر تعمل ضمن إطار قوات الطوارئ الدولية، معلومات عن وجود كثيف «للقاعدة» في لبنان، التي استهدفت هذه القوات، وقد كشف تقرير أمني اسباني عن أن الدورية الاسبانية التي تعرضت لتفجير سيارة بالقرب منها في سهل مرجعيون وقتل سبعة من افرادها، كان اعتداء عليها من قبل عناصر أصولية إسلامية، وبعكس ما روّجت أطراف لبنانية عن أن «حزب الله» وسوريا يقفان وراء التفجير لترحيل القوات الدولية، تبين عدم صحة هذه المزاعم، ولم تعد الدول الأوروبية تصدّق الاتهامات الملفقة من قبل قوى 14 شباط، فلاقوا صداً في فرنسا لمحاولاتهم التحريض على سوريا أنها تقف وراء «فتح الإسلام»، وابلغ المسؤولون الفرنسيون الذين تمكن الوفد من لقائهم وهم من الصف الثاني والثالث، أن هذا التنظيم لا علاقة لسوريا به، لا بل هي تتعرض من جماعات تكفيرية لعمليات إرهابية، وبالتالي لا بدّ من التنسيق الأمني والعسكري بين البلدين، لوقف الخطر الأصولي.
عاد وفد 14 شباط منزعجاً من الموقف الفرنسي الذي لم يعد كما اعتاد عليه أيام الرئيس السابق جاك شيراك، وبالفعل خسر هؤلاء حليفاً ربحته سوريا التي أثبتت أنها لاعب أساسي في المنطقة، وأنه لا يمكن شطبها من المعادلة العربية الإقليمية، وقد وضعت السلطات الفرنسية معلومات أمام الوفد عن وجود إسلامي أصولي، وأنه يجب التعاطي معه بكثير من الحزم والحسم، وأن فرنسا عاتبة على رئيس «تيار المستقبل» النائب سعد الحريري، لدعمه القوى الأصولية والسلفية، التي أعلنت أنه مرجعيتها السياسية كما دار الفتوى مرجعيتها الدينية، وهي تقاتل دفاعاً عن «أهل السنة»، والذي قصّر الحريري في حمايتهم بوجه «الغزو الشيعي».
وكشفت مصادر دبلوماسية غربية، أن الرئيس الأسد أثناء القمة الرباعية التي جمعته في دمشق مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي وأمير قطر الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، ورئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان، صارح مضيفيه عن تنامي الأصولية الإسلامية في لبنان وخطرها عليه، وأن ما يجري في طرابلس من اشتباكات له علاقة بذلك، وأن لا استقرار في لبنان بوجود هذه الظاهرة التي تغزو العالم، فكان التجاوب كاملاً مع طرح الرئيس السوري الذي أكد أن بلاده تحارب «التطرف الإسلامي» منذ الثمانينيات وما زالت.
وجاء اعتقال الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي للشبكة الإرهابية المتورطة بتفجيرات استهدفت باصين للجيش في طرابلس في 13 آب و29 أيلول، ليكشف صحة ما قاله الرئيس الأسد، وما ذكرته التقارير الدولية، وما أعلنه أخيراً قائد القوات الدولية العاملة في الجنوب الجنرال كلاوديو غراتسيانو عن وجود منظمات أصولية، في أكثر من منطقة لبنانية ومخيم فلسطيني، حيث ينطلق عمل بعض هذه المنظمات من مخيم عين الحلوة في أكثر الأحيان، والذي ظهرت في الفترة الأخيرة مخاوف من أن يحصل فيه ما حصل لمخيم نهر البارد، إذ إن العناصر التي تقوم بأعمال إرهابية تتلقى الأوامر منه، أو تخرج منه، وقد جرى تنسيق بين الأجهزة الأمنية اللبنانية وبعض المنظمات الفلسطينية واللجان الشعبية في المخيم من أجل عدم تكرار تجربة نهر البارد، حيث تقوم قوة أمنية مشتركة من القوى الفلسطينية بملاحقة العناصر الأصولية المتطرفة، وقد اصطدمت حركة «فتح» بتنظيم «جند الشام» المتهم بأنه وراء الاغتيالات والتفجيرات، وهو كان له علاقة بما حصل في مخيم نهر البارد، من خلال شهاب القدور الملقب بـ«أبو هريرة» الذي قتله فرع المعلومات التابع لقوى الأمن الداخلي في طرابلس، دون أن تعرف ملابسات خروجه من مخيم نهر البارد في عز المعركة، ومن ثم مقتله في أحد الشوارع على دراجة نارية، وهو الرجل الثاني في «فتح الإسلام».
فاكتشاف الشبكة الإرهابية وتوقيف بعض أعضائها، ليس هو الأول، فقد سبق للقوى الأمنية أن اعتقلت العناصر التي فجّرت باصي عين علق في المتن الشمالي في 13 شباط من العام 2006، وقبل ثلاثة أشهر من معارك مخيم نهر البارد، وتبين ارتباط هؤلاء بـ«فتح الإسلام»، في الوقت الذي كان سعد الحريري وحلفاؤه يوجهون الاتهامات التي كانوا يعتبرونها سياسية إلى سوريا وحلفائها، بأنها تقف وراء الاغتيالات والتفجيرات، وجاءت الأحداث المتلاحقة لتثبت سقوط مثل هذه الاتهامات، وأن القوى الأصولية توغلت في لبنان، وقد ساعدتها على ذلك الأجواء المذهبية التي خلقتها خطب وتصريحات بعض رجال الدين السنة المرتبطين بـ«تيار المستقبل» وبدار الفتوى وبالسعودية، وتصوير الصراع على أنه مذهبي، ضد الشيعة المرتبطين بالمشروع الإيراني -الفارسي في المنطقة، للهيمنة وفرض «التشيّع»، والنظر إلى دعم إيران للمقاومة، سواء في لبنان أو فلسطين، من منظار مذهبي لا سياسي، بالرغم من أن حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي» المدعومتان من ايران وسوريا ليس لهما ارتباط بالمذهب الشيعي بل بالسني.
إن استهداف الجيش من قبل القوى الأصولية، يصب في خانة اضعافه ومنع فعاليته في التصدي للإرهاب، من أجل التمكن من إقامة «إمارة إسلامية» تبدأ من الشمال، حيث الأرض خصبة لنمو الفكر السلفي والأصولي، وقد برزت سيطرة تنظيمات أصولية على طرابلس، من خلال الاشتباكات التي وقعت بين باب التبانة وجبل محسن، حيث تكشف التقارير عن وجود عشرات الحركات والمنظمات الإسلامية الأصولية، وأن بعضها ضم في صفوفه عناصر من جنسيات غير لبنانية عربية وأجنبية.
وهذا الوجود الأصولي الإسلامي يقلق اللبنانيين، الذين بدوأ يتساءلون عن الدور الذي أداه «تيار المستقبل» في إفساح المجال لنمو هذه الجماعات التكفيرية، وهناك من بدأ من أهل السنة يطرحون أسئلة على سعد الحريري، حول مصلحته في أن يقوي هذه المجموعات التي أراد وضعها في مواجهة «حزب الله»، وهدد بها، فإذا بها تفلت من يديه، وتقوم بأعمال موجهة ضد الدولة وأجهزتها الأمنية والمؤسسة العسكرية، ويكفي أن يقف رئيس جماعة سلفية وهو داعي الإسلام الشهال، ليعلن ولاءه للحريري ويتلقى الأموال من السعودية، ويكفّر الشيعة، ليظهر مدى الرعاية التي قدمها «تيار المستقبل» للسلفيين الذين توغلوا في الساحة الإسلامية السنية.
فتشجيع الحريري للقوى الأصولية الإسلامية، بدأ عندما استصدر عفواً عن مجموعتي جرود الضنية ومجدل عنجر، الأولى متهمة بقتل عناصر من الجيش اللبناني، والثانية بتدبير تفجيرات ومنها محاولة تفجير السفارة الإيطالية في بيروت، وقد حصلت مقايضة بالعفو عن سمير جعجع بالمتطرفين الأصوليين في تموز من العام 2005.
ويقف اليوم من يدعم تحرك زوجات موقوفي «فتح الإسلام» للعفو عن أزواجهم وأقاربهم والمنتمين إلى هذا التنظيم الذي قتل 170 ضابطاً وجندياً في مخيم نهر البارد وخلّف مئات من المعاقين من العسكريين، ويتبنى رجال دين وسياسيون، سواء من دار الفتوى أو «تيار المستقبل»، العفو عن هؤلاء، في الوقت الذي تقوم شبكات من هذا التنظيم بمواصلة قتل العسكريين والمدنيين، وهذا يكشف مدى تورط بعض الأطراف اللبنانية في تسهيل عمل هذه المجموعات التي لا يمكن ربطها بأجهزة أمنية سورية أو أن تتلقى دعماً سورياً، كما يزعم سمير جعجع وغيره من قوى 14 شباط، لأنهم باتوا محشورين أمام المؤسسة العسكرية التي أكدت قيادتها أن من يقف وراء التفجيرات تنظيمات أصولية، ولا علاقة لسوريا بها، بل إن القيادتين العسكريتين في الدولتين تنسقان في ما بينهما، وقد عاد التنسيق والتعاون بقوة بعد انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وانعقاد القمة اللبنانية -السورية، حيث شجع الرئيس السوري نظيره اللبناني على نشر مزيد من عناصر الجيش اللبناني في الشمال لمواجهة حالة التطرف الإسلامي التي تمثّل خطراً ليس على لبنان فقط بل على سوريا أيضاً، التي على استعداد لحماية الحدود من جانبها، وعلى لبنان القيام بالمهمة نفسها، وقد أخذ البعض على الرئيس الأسد عبارته أنه طلب من الرئيس سليمان نشر الجيش اللبناني في الشمال، وتوقفوا عند الشكل لا المضمون، وتبين لهم في ما بعد أن كل التحريض الذي مارسوه على أن سوريا ستعود بقواتها إلى لبنان، لا حجة له، بل محاولات منهم لاستدرار تأييد خارجي بقي في إطار عبارات دعم استقلال لبنان وسيادته، دون أن يلغي الدعوة للمسؤولين اللبنانيين للتنسيق في المجال الأمني مع سوريا.
وهكذا يدخل لبنان في حالة مواجهة مع التطرف الإسلامي التي لم تنته مع وقف الأعمال العسكرية في مخيم نهر البارد، لأن الخلايا النائمة الأصولية تمتد في كل لبنان، وأنها معركة أمنية أكثر منها عسكرية، بتعقب المنظمات الأصولية، إلا أن هذه المعركة قد تتجه إلى أن تتكرر كمعارك مخيم نهر البارد، وهذه المرة في مخيم عين الحلوة والبداوي، لأن الجيش لن يسكت على دماء شهدائه العسكريين ولا المواطنين المدنيين، وأن فرار عناصر ومجموعات أصولية إلى داخل بعض المخيمات سيفرض على الجيش الطلب إلى المنظمات الفلسطينية تسليم عناصرها أو أنه سيقوم هو بالمهمة، وستكون مكلفة، إلا أن الفرصة ما زالت متاحة أمام المسؤولين الفلسطينيين ليقوموا هم بهذه المهمة، لتوفير وقوع ضحايا وتدمير أي مخيم يلجأ إليه المجرمون والهاربون من العدالة، وهذا الموضوع هو موضع تشاور واتصالات بين لبنان وسوريا كما بين مسوؤلين لبنانيين وعرب ودوليين لتوفير الإمكانات اللوجستية والتجهيزات والأسلحة والذخائر للجيش لينجح عسكرياً، في حربه ضد الإرهاب.
لبنان تحول إلى «أرض جهاد» للقاعدة، وهذه حقيقة قائمة، وأعلنها أيمن الظواهري وبدأ هذا التنظيم عملياته ضد القوات الدولية، والجيش اللبناني أو من يكفرّهم الأصوليون.
Leave a Reply