عقود غير مسبوقة ترقى الى مستوى النهب المعلن
بغداد – شرعت الحكومة العراقية بتنفيذ خطط ترمي الى منح شركات النفط الغربية التي شاركت دولها بالحرب ضد العراق حصة تبلغ 49 بالمئة من نفط العراق.
وتشمل الصفقة التي ينتظر ان يبدأ التوقيع على عقودها في غضون أسابيع منح شركات النفط هذه الحصة من اكبر ستة حقول نفطية منتجة بالفعل، بزعم الحاجة الى «تطوير الإنتاج»، بالإضافة حقول أخرى، وذلك في إطار عقود «شراكة» قد تستمر لعقود من الزمن.
ويقول خبراء ان العراق ليس بحاجة من الناحية المادية لـ«شراكة» مزعومة بهذا الحجم لـ«تطوير الإنتاج» لانه قادر على شراء وتوظيف الخبرات الأجنبية لأغراض التطوير من عائداته النفطية الراهنة.
ويمتلك العراق احتياطات نقدية تزيد عن 75 مليار دولار يمكن توظيف جزء بسيط منها لتطوير الإنتاج.
ويعتقد ان بغداد ترضخ لضغوط اميركية تجبرها على التخلي عن ثروة العراق وذلك مقابل حماية نظام المحاصصات الطائفية، الذي ينتظر ان يتم من خلاله توزيع «الحصص» المتبقية من عائدات النفط على «المكونات» التي تؤلف السلطة.
وكان وزير النفط العراقي حسين الشهرستاني التقى الاثنين الماضي في لندن، مسؤولي 35 شركة نفطية لعرض تفاصيل استدراج عروض لعقود نفطية هو الاول في العراق منذ الاجتياح الاميركي في 2003.
واوضح الشهرستاني في تصريح صحافي بعد الاجتماع ان العراق يريد ان تدخل الاتفاقات حيز التنفيذ قبل حزيران (يونيو) 9002 حتى تتمكن بلاده من تفعيل القطاع النفطي من دون مزيد من التأخير.
واضاف ان الحكومة ستحتفظ بـ«الاشراف» على 15 بالمئة من مشاريع اعادة التأهيل مع الشركات الاجنبية لستة حقول نفطية تنتج النفط الخام حتى الان وحقلي غاز ما زالا يحتاجان الى تطوير.
ولم يوضح الوزير حدود «الإشراف» التي ترغب حكومته بها.
وتريد حكومة بغداد ان تزيد تدريجيا 500 الف برميل يوميا على انتاج العراق الراهن الذي يبلغ متوسطه 5,2 مليون برميل يوميا، لرفعه الى مستوى يوازي تقريبا انتاجه قبل الاجتياح الاميركي في آذار (مارس) 2003.
وتشكل الصادرات التي تبلغ 2,1 مليون برميل يوميا، القسم الاكبر من عائدات البلاد، ويرغب وزير النفط العراقي في رفع قدرة الانتاج الى 4,5 ملايين برميل يوميا في غضون السنوات الخمس المقبلة.
واطلقت الوزارة في اواخر حزيران (يونيو) استدراج عروض دوليا شمل 41 شركة لاستثمار ستة حقول نفطية وحقلي غاز.
وهذه العقود الجديدة التي لا تعتبر سوى عقود خدمات، تفتح الطريق لعودة الشركات الاجنبية الى العراق بعد 36 عاما على تأميم النفط العراقي.
وتقدر الوكالة الدولية للطاقة في تقرير اصدرته في منتصف 2006 ان 10 بالمئة من نفط العراق قد اكتشف وان 06بالمئة من الاحتياطات النفطية المؤكدة موجودة في حقول لم تستثمر بعد.
ويلتقي الشهرستاني شركات نفطية اختيرت مسبقاً حيث وافق على فتح المجال أمام هذه الشركات للمشاركة في مناقصة للتنقيب واستخراج 83 بالمئة من مجمل احتياطي النفط العراقي الذي يبلغ 115 مليار برميل. كما تشمل العروض حقلي غاز.
غير ان بعض منتقدي الخطوة قالوا انه كان على الوزارة تسليم الشركات المزيد من الوثائق والتفاصيل كما وعدت وذلك لأهداف تتعلق بالشفافية وبالحيوية التجارية. وأثار آخرون القلق من أن تؤدي عودة شركات النفط العالمية لأول مرة منذ عملية التأميم قبل ثلاثة عقود، إلى سيطرة شركات النفط الكبرى على نفط العراق.
وستمتلك الشركات أو «كونسورتيوم» شركات حصة بنسبة 94 بالمئة من برنامج تطوير حقول النفط العراقية لمدة 20 عاماً وستحظى شركات النفط الحكومية العراقية بالنسبة المتبقية من المشروع.
ويقول منتقدون ان هذه العقود غير المسبوقة ترقى الى مستوى النهب المعلن، لان الشركات ستحصل على مئات المليارات من الأرباح مقابل استثمار بضعة مليارات من الدولارات.
وكلفت وزارة النفط العراقية شركة «غافني، كلاين أند أسوشييتس» لتأمين الخدمات الاستشارية، وسيكون من بين مهامها بيع الشركات معلومات حول حقول النفط العراقية. وفي حين ان السعر الدقيق ليس معروفاً، ولكن بعض المصادر تشير الى ان سعر رزمة المعلومات المتعلقة بثمانية حقول نفط وغاز تبلغ 5,2 مليون دولار.
وستدفع الشركات مبلغ عشرة ملايين دولار مقابل التوقيع والضرائب والرسوم على الإنتاج غير ان الاستهلاك سيعتمد على زيادة إنتاج النفط وحجم النفط المستخرج من الحقول المعنية بالصفقات وحقول النفط المكتشفة حديثاً. علماً ان حقول الغاز لم تمس بعد ولم يتم الكشف عن آلية التعامل معها.
وهناك مخاوف من ان تكون صفقات التخلي عن نصف ثروة العراق النفطية لا تقتصر على ضغوط الإحتلال، ولكنها تمتد الى اعمال فساد أيضا.
وستبدأ جولة عروض أخرى في نهاية هذا العام وقد تفتح 28 بالمئة من الاحتياطي النفطي العراقي أمام الاستثمارات الأجنبية.
وقال غريغ موتيت المدير المساعد في منظمة «بلاتفورم» البريطانية التي تعمل مع جهات عراقية تسعى إلى تقليص الاستثمار الأجنبي في النفط العراقي «إذا تم توقيع العقود خلال احتلال العراق وخلال تأجج النزاع وخلال انقسام المؤسسات الحكومية، فما هي فرص الحصول على صفقة جيدة؟».
وأضاف «المشكلة ان العراقيين سيعيشون في ظل وجود هذه الصفقات لعقود. المأساة ستظهر بعد انتهاء الاحتلال لأن العراقيين سيجدون حينها ان اقتصادهم ومواردهم الوطنية ليست ملكاً لهم».
وقال وزير الموارد الطبيعية في كردستان العراق أشتي هورامي «ان وزارة النفط الفدرالية ليس لها صلاحيات قانونية أو تفويض قانوني للتفاوض على هذه العقود وتوقيعها».
وكانت حكومة كردستان العراق وقعت عشرات العقود على تقاسم الإنتاج مع شركات نفط أجنبية منذ العام 2005 بهدف استخراج وإنتاج النفط في منطقة شمال العراق. وأضاف هوارمي ان الدستور العراقي الجديد الذي يدعو إلى وضع قانون جديد يتعلق بالنفط، يحظر على وزارة النفط توقيع صفقات من دون موافقة البرلمان.
وأضاف «بما ان وزارة النفط تصر على التصرف لوحدها وتجاهل السلطات المحلية ومن دون موافقة البرلمان الفدرالي فإننا واثقون من ان جميع قرارات الحكومة حول العقود تفتقد إلى القاعدة القانونية لذلك فهي غير ملزمة».
وكان الشهرستاني ندد بالعقود التي وقعتها الحكومة الكردستانية. ووجهت انتقادات إلى عقود المشاركة في الإنتاج لأنها تمنح الكثير للشركات.
وقال الشهرستاني أيضاً ان مجلس الوزراء وليس البرلمان هو المخول منح الموافقة النهائية.
Leave a Reply