العالم بكل طبقاته منشغل بالأزمة الإقتصادية، الفقراء المعدمون والأغنياء المترفون والعمال الكادحون والبرجوازيون المحتكرون والإقتصاديون والسياسيون المخضرمون والتابعون. الكل رفع درجة الخطر الى اللون الأحمر، والكل يشعر بالخناق من هذا الشبح الجاثم على صدر الكرة الإرضية هذه الأيام حتى أصبح فرس الرهان لمنصب الرئاسة لأكبر أقتصاد في العالم، فكان هذا الغول حاضراً في ثلاث منظرات بين المرشحين الجمهوري والديمقراطي، وكانت ورقتهما الرابحة أمام الناخب الأميركي هي إنقاذ الإقتصاد المتهاوي، ولم يكن الناخب الأميركي وحده ينتظر المنقذ ويوقف عجلة التهاوي، وإنما الأمر المحزن والمخيب للآمال هو ما يجري في وطننا العربي والإسلامي الذي ربط اقتصادياته بالدولار فكانت الكارثة هناك. لماذا؟ في موضوعنا لهذا العدد سوف نتحدث فيه عن الأسباب المباشرة لمعنى الكارثة التي حلت بشعوبنا. قبل ذكر الأسباب نسمع ما قاله الخبراء.
حذّر صندوق النقد الدولي مجموعة الدول العربية، ومن ضمنها الخليجية، من إنعكاسات الأزمة في الدول المتقدمة والأوضاع المضطربة في أسواق المال. خصوصا أنها توجه تحدياً مزدوجاً في أزمة الإئتمان العالمية وتخضم الأسعار في أسواقها المحلية ويتوقع خبراء المال تباطؤ الاقتصادات العربية العام المقبل، ولم يقدم الصندوق أي إرشادات، وقال مدير منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في الصندوق، السيد محسن خان إن توقعات النمو الإقتصادي في الشرق الأوسط معرضة للخطر بسبب التراجع السريع في أسعار النفط وأنها ستعدل بالإنخفاض، مشيراً الى أن تقدير النمو السنة المقبلة مبنى على أفتراض سعر متوسط للنفط بنحو 100 دولار للبرميل ويعتقد أنه لن يصمد، في الوقت نفسه حذر مدير مكتب العمل الدولي خوان سومافيا يوم الأثنين الماضي من أن الأزمة المالية قد ترفع عدد العاطلين عن العمل في العالم من عشرين مليون شخص إلى 210 ملايين في نهاية 2009. وقال إن هذه الأرقام يمكن أن تتفاقم بحسب تأثير الأزمة على الإقتصاد الحقيقي، مؤكداً الحاجة إلى تحرك سريع ومنسق للحكومات للوقاية من أزمة إجتماعية يمكن أن تكون قاسية وطويلة وشاملة، وسوف تكون كارثية على الدول العربية ذات النظم الأقتصادية المهترئة وذلك للأسباب التالية:
السبب الأول إن الذي يحصل الآن من إنهيار كما يعبرون عنه للإقتصاد الأميركي لن يستمر على حاله مهما طال به الزمن لأن في هذه البلاد من يعمل لإصلاح الوضع بإخلاص كما أن المراقب سواء كان من الشعب كما هو الحال في تقاسم الأدوار بين الحزبين الكبيرين الجمهوري والديمقراطي وحرص كلاً منهما على أظهار الأخطاء والمعايب والسياسات المدمرة (سياسة الرئيس بوش مثالاً) أمام الشعب الأميركي هذا عدا كثرة المؤسسات الرقابية وفي مقدمتها وسائل الإعلام التي تنتظر الفرصة في من يرتكب خطيئة حتى وإن كان رئيس الدولة (فضيحة الرئيس نكسون والرئيس كلنتون مثالاً) أما أوطاننا والحمد لله فإن الكارثة إذا جاءت فلا مرد لها من الله إلا هو، ويكون الإتجاه الى المنقذ الحقيقي وهو رحمة الله بعباده لوجود من يستحق الرحمة كما ورد في الحديث القدسي الشريف «لولا عباد ركع وشيوخ خشع وأطفال رضع وبهام رتع لقلبت سافلها أعلاها» ولعل الأزمات الإقتصادية التي تعصف بأوطاننا مع وجود الثروة التي تذوب كما يذوب الملح في الماء وذلك بسبب الفساد الذي كان سراً على عهد قريب أما الأن وقد وصلت النار الى بيوت المفسدين وأنتشرت روائح الفساد في كل مكان صار من الصعب التستر عليها، والذي يظهر الى مؤسسات الرقابة الدولية يكفي لإعلان الطوارئ في البلاد، ومن يطلع على تقرير منظمة الشفافية الدولية الإخير والذي صنف مستويات الفساد في العالم واصفاً بعضها بالكارثة الإنساية المتواصلة لا يجوز التهاون حيالها ومنها بل أكثرها في العالمين العربي والأسلامي مع الاسف.
إن هذه الظاهرة المقيتة ظاهرة الفساد المالي ليست وليدة هذا الزمان إنما هي موجودة مع نزول الإنسان على هذا الكوكب وذلك بشهادة الملائكة الذين احتجوا على خالقهم سبحانه عندما قدر إستخلاف الإنسان لهذه في هذه الارض فقال سبحانه {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون} ورغم أن هذا البيان أعلن عن الأسباب المباشرة لتحقق الفساد وهو جهل الإنسان لكسبه غير المشروع وظلمه لنفسه وللطبيعة وثروتها التي خلقها الله ليستثمرها ويعمر الأرض بها لكنه فرط وعبث فيها يقول سبحانه {ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس}.
السبب الثاني: إهتمام العالم بمحاربة الفساد وتسخير الباحثين من كل الإختصاصات الإقتصادية والسياسية والقانون والإجتماع وتطبيق القانون على من يرتكب هذا الجرم مهما علت رتبته، أما مجتمعاتنا فالقانون جاري على الفقراء والمساكين الذين تجبرهم وتقهرهم الحاجة للتطاول على أموال الناس فيسرقون ليعيشوا، أما سارقي ثروات الشعوب الذين يعقدون الصفقات بالملايين فهم يتمتعون بالحصانة فلا تجد من بين آلاف السجناء أحداً منهم.
السبب الثالث عدم إستقلالية القضاء وهو المعضلة الكبرى في أوطاننا ولن يعالج الفساد ما لم يكن الفصل بين السلطات كما حال الدول الديمقراطية التي تفتخر بنزاهة القضاء في شرعهم وتمارس عملها بشكل عادل وتمتلك سلطة رادعة تطبقها على عموم أفراد المجتمع وتشعرهم بإشاعة العدل والمساواة بينهم، وهذا الشرط مفقود تماماً في بلادنا.
السبب الرابع لإستمرار الفساد في أوطاننا تدني مستوى الوعي السياسي والإداري وعدم معرفة الإنظمة الإدارية والسياسية وحتى القانونية، فتنتشر العصابات المقننة المحمية بالإنظمة المغلوطة وبها تسرق أموال الدولة وهي لا تستطيع حماية المال العام.
في النهاية يكون للفساد الدور الأكبر في إضعاف الهيكل الإداري برمته فتكون المشاريع للبنى التحتية ضعيفة وعمرها قصير لأن مستوى الجودة ينزل بنزول القيمة للمشروع بعد أن توزع الغنائم للكبار ويبقى الفتات للمشاريع التنموية التي تبدأ بالصحة والتعليم وتنتهي بالسياسة والإقتصاد.
Leave a Reply