..تعليقاً على الخبر الذي نشرته جريدة «صدى الوطن» في أحد أعدادها السابقة، والذي تضمن أخباراً عن حرب خفية بين لبنان واسرائيل حول ملكية «الفلافل» وأحقية إنتاجها وتوزيعها واستثمارها في المطاعم والفنادق والأسواق الغذائية.. تعليقاً على الخبر إياه، كان لـ«صدى الوطن» لقاء مع أحد منتجي هذه المادة، ومسويقها، المهندس طاهر جبر أبو أشرف..يكتسب اللقاء مع أبو أشرف أبعاداً إضافية كونه فلسطينياً، من دون أن يؤدي ذلك إلى زيادة كميات العاطفة والتشنج، بل على العكس يأتي اللقاء لصالح معلومات تاريخية ومنطق سليم في معالجة ومناقشة المسألة. يقول أبو أشرف: من المستحيل أن تكون الفلافل اسرائيلية.. فالاسرائليون يأكلونها، وربما يحبونها، فهي وجبة شهية وأصبحت معروفة في بلدان كثيرة من العالم، ولكنها ليست بأي حال اسرائيلية. ويتساءل أبو أشرف، قائلاً: إن أي امرأة في بلاد الشام، في المدن والقرى، تعرف كيف تصنع الفلافل وكيف تقدمها، فهل تستطيع النساء الإسرائيليات صناعتها؟!..ويضيف: ليست المسألة مسألة فلافل، فالمسألة من حيث المبدأ قد تثير الضحك والسخرية. المسألة أنهم يريدون أن يسرقوا منا كل شيء، وتذكرني هذه القصة بما حدث منذ عدة سنوات.. حين عمدت خطوط الطيران الإسرائيلية (العال) إلى خطة تقتضي بأن تلبس المضيفات أثواباً مطرزة بنقوش وتشكيلات فلسطينية، لتقديمها للعالم على أنها نقوش وتشكيلات من التراث الإسرائيلي.وواقع الحال ليس كذلك، فالتطريز بخصائصه المعروفة وفي عموم بلاد الشام.. كان أحد الفنون اليدوية التي تتقنها المرأة العربية منذ عقود طويلة من الزمن. فالنساء في هذه المنطقة كن يمارسن التطريز بفطرة فنية أصيلة وذائقة ملفتة للنظر.. لدرجة أن التطاريز الشعبية حازت على إعجاب الكثير من الفنانين التشكيليين، وبعضهم استفاد منها في أعماله الفنية. إن المرأة العربية التي كانت تطرز ثيابها بالحرير والخيوط الملونة.. هي نفسها التي كانت، وما تزال، تصنع وتعدّ وجبة الفلافل، فهل تعرف الإسرائيليات تطريز الثياب؟ المسألة ليست مسألة أكل وشرب، بل مسألة ثقافة وطريقة حياة وتجربة شعب جماعية!!..ويستطرد أبو أشرف بالقول: ثم إذا كانت الفلافل اسرائيلية، لماذا لم تنتشر في العالم، طالما أن اليهود موجودون في مناطق كثيرة في أوروبا وأميركا. وحقيقة الأمر أن الذين نشروا الفلافل وقدموها للعالم هم لبنانيون وسوريون وفلسطينيون.في حديث أبو أشرف الكثير من المنطقية، فهو نفسه.. وعلى الرغم من كونه درس الهندسة المدنية في الجامعات الأميركية، ومارس العمل الهندسي طوال سنوات عديدة إلا أنه عدل عن الهندسة وذهب إلى البيزنس وافتتح عدة مطاعم في وقت من الأوقات. وكان الرجل قد قام بخطط عجيبة لنشر الفلافل وتعريف الناس عليها، فقد كان يوزع أقراص الفلافل ساخنة ومجاناً على الناس.. حتى تعرف الأميركيون عليها وأحبوها، فضلاً عن أنه أول من أوجد سندويشة «الفلابرغر» وهو امتياز مسجل له في غرفة تجارة محافظة وين.الخبر إياه عن الحرب بين لبنان وإسرائيل حول الفلافل أثار أبو أشرف إلى أقصى درجة فقرر أن يهجر المطاعم، وأن يتفرغ لإنتاج الفلافل فقط، وتسويقها وتوزيعها وتعريف الناس عليها بالشكل اللائق والمعلومة الأكثر أهمية «أنها أكلة عربية». والحقيقة أن أبو أشرف يملك منذ بعض الوقت معملاً لتصنيع الفلافل وتغليفها بما يتفق مع الشروط الصحية والتقنية، وبقياسات متعددة ومواصفات تناسب الغرض المطلوب منها.وحسب أبو أشرف، فإن الفلافل هي أكلة مصرية بالأصل ومنذ أيام الفراعنة، وكانت تُعرف لدى المصريين بالطُعمية وما تزال، وكانت الأكلة الأكثر شعبية عند عموم الشعب المصري في مقابل أكلة الملوخية (الملوكية) التي كانت حكراً على مطابخ وموائد الفراعنة، ملوك مصر. وواقع الحال.. أن الشاميين تعرفوا على الفلافل منذ آلاف السنين وأحبوها وأجادوا صناعتها وأضافوا إليها بما يتناسب مع ذوقهم، وليس هذا بالغريب عليهم، وغيروا اسمها من الطعمية إلى الفلافل.. وحتى الآن بينما يسميها سكان القاهرة بالطعمية، فإن أهل الاسكندرية يدعونها بالفلافل، كالشاميين..ويتابع أبو أشرف: إن الحرب على الفلافل ليست جديدة، فمنذ الثمانينات كانت هناك محاولات كثيرة من قبل اليهود للادعاء أن الفلافل اسرائيلية، وقد حاولوا بكل جهدهم أن يفتتحوا مطاعم لتقديم الفلافل، لكنهم فشلوا. في نيويورك مثلاً، يعتبر مأمون (سوري الجنسية) من أشهر منتجي الفلافل، ومحله في منهاتن، شارع ماكدوغال، معروف ومشهور ويقصده الكثيرون بمن فيهم اليهود. وكذلك الدكتور فاروق الإبراهيم (سوري أيضاً) الذي افتتح سلسلة مطاعم (كافييه داماس) بعد اعتزاله التدريس في جامعة كولومبيا لمادة العلاقات الدولية.لقد فشل اليهود في إقناع الزبائن الأميركيين بأن الفلافل اسرائيلية في ولايات كثيرة، فاليهود أنفسهم يقصدون المحلات العربية اللبنانية والفلسطينية والسورية، وكذلك يفعل الأميركيون. والحق يقال أنهم نجحوا في بعض الولايات مثل كاليفورنيا، لاسيما فرانسيسكو ولوس أنجلوس، والسبب ليس خبرتهم وذوقهم في إنتاج الفلافل.. إذ أن معظم عمال تلك المطاعم هم من العرب، ومن جنسيات فلسطينية ولبنانية وسورية..ينهي أبو حديثه بتذكيرنا بالخبر الذي نشرته «صدى الوطن»، الذي مفاده كيف أن الفلسطينيين أثناء الحصار في غزة قد عمدوا إلى استخدام زيت قلي الفلافل كوقود للسيارات. يسأل أبو أشرف بحرقة، هذه المرة: بشرفك.. هل تخطر هذه الفكرة على بال الإسرائيليين؟!..
Leave a Reply