مضى على وجودي في بلاد الصقيع والحر والأحلام المؤجلة ثمانية عشر عاماً بالتمام والكمال وتشاء الظروف أن أقضي هذه السنوات في هذه المدينة الكندية الحدودبة (وندسور) الذي وجدت فيها جالية عربية كبيرة العدد تترواح بين الثلاثين والأربعين ألف نسمة، في مدينة كل سكانها 220 ألف نسمة، تجد منهم الصيني والبرتغالي والإيطالي والأوروبي عامة، وبشر من بلاد الله الواسعة حيث لا توجد جنسية في العالم بأسره إلا ويوجد رعايا منها في كندا التي عرفت عالمياً بهذا التميّز على صعيد وجود مختلف الإثنيات والأديان والشعوب، ما أعطى لكندا كما ذكرت آنفاً هذه الخصوصية لهذا الكم الهائل من حضور الشعوب والأديان والمعتقدات المختلفة على أرض واحدة تبلغ مساحتها 27 مليون كيلو متر مربع، وتحتل المرتبة الثانية في العالم من حيث المساحة بعد روسيا، مما يعطي لسكانها الأصليين من الهنود الحمر مثلاً حق القول إن بلادهم كندا تضم كل ذلك التنوع.في كل مرة أدخل إلى المحلات العربية الكثيرة المنتشرة في هذه المدينة أبحث عن قسم الجرائد والمجلات العربية التي ترسل من ولايات ومدن كندية ، ومدن أميركية أحياناً، جرائد من مونتريال وتورنتو وهاملتون ولندن أونتاريو وديربورن الأميركية، أحاول ومتى سمحت لي الفرصة أن أقرأ تلك المطبوعات المتنوعة، الفنية والدينية والسياسية، ودائماً أخرج بنتيجة واحدة مفادها أن مشاكل الجاليات العربية في كل المدن والتجمعات في كندا والغرب عموماً، ربما هي واحدة موحدة وكأنها نسخة طبق الأصل.أتابع عن كثب ما تعانيه كل جالية عربية وفي أية مدينة، فأجد نفس المشاكل التي تتخبط بها كل جالية على حدة.وعلى سبيل المثال، لا الحصر، يصار إلى تأسيس جمعية أو مركز أو نادٍ، ويعمد المؤسسون إلى انتخاب رئيس ونائب له وأمين صندوق وباقي الأعضاء.. حسب ما تنص عليه قوانين البلاد في إطار عمل مؤسساتي، وهو يسمى بالعربية بمأسسة المجتمع.المهم يتم انتخاب فلان للرئاسة وغيره لنيابة الرئيس وبقية الأشخاص، وبعد سنة أو ثلاث سنوات أو خمس عشرة سنة، تجد أن الرئيس باقٍ في منصبه، وكذلك بقية الأعضاء على الطريقة العربية التقليدية المملة ببقاء الشخص في منصبه، وعندما يموت يأتي ابنه وهكذا دواليك!..ما أدعو الله إليه على الدوام، هو أن ينظر إلى الإنسان كإنسان، وأن يحافظ على إنسانية الإنسان في كل الظروف والمعطيات، وأن يتولى زمام الأمور الشخص المناسب في المكان المناسب، ولم أقل الرجل، لأني أعتبر أن للمرأة أيضاً دوراً مساوياً سواء في الوطن العربي أو في دول الاغتراب وفي كل زمان ومكان.أهم أمر قد يقدم عليه أي إنسان أن يضع الضمير كميزان لأي عمل قد يقدم عليه وأن يحاسب نفسه يومياً ويسأل: هل أقدمت على ظلم أحد؟!..ينظر المرء إلى هذا العالم بأسره فيرى الظلم والحقد والعنف هم المسيطرون على هذا العالم المجنون، ولا يحتاج المرء للكثير من الجهد ليرى ماذا يحصل في أماكن عديدة من العالم، فالقتل والظلم هما سيدا الموقف في معظم الكرة الأرضية. إنها فعلاً أمور تؤلمني!..
وندسور-كندا
Leave a Reply