بيريز يمدح الملك عبد الله: رسالتك هي الصحيحة والواعدة
نيويورك – رغم ضخامة الحدث من حيث الشكل لم يكن مؤتمر حوار الأديان أو ما سمي مؤتمر «ثقافة السلام» الذي أقيم في نيويورك الأسبوع الماضي سوى حفلة علاقات عامة تمهد الطريق أمام السعودية نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل، فقد جلس ملكها عبد الله بن عبد العزيز في قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة يستمع الى خطاب للرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز، بعدما شاركه مأدبة عشاء أقامها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في منزله، الذي شهد تلك السابقة في تاريخ السياسة الخارجية السعودية.
وكما كان متوقعاً، استغل بيريز المؤتمر الذي افتتح في الجمعية العامة للأمم المتحدة، من أجل توجيه رسالة مباشرة الى الملك السعودي الذي ترأس وفد بلاده، مطالباً بإحياء المبادرة العربية للسلام، وكذلك التطبيع الكامل للعلاقات، والأهم القيام بجهد مشترك من أجل مكافحة ما أسماه «الإرهاب».
وكان الملك عبد الله الذي بادر بالدعوة لانعقاد المؤتمر من أجل تشجيع الحوار بين الأديان والثقافات، أول المتحدثين من رؤساء الدول في الجلسة الافتتاحية. ولم يتناول في خطابه الجوانب السياسية، بل اكتفى بالتأكيد على رسالة المؤتمر والقول إن «الأديان التي أراد بها الله عز وجل إسعاد البشر لا ينبغي أن يتم تحويلها إلى أسباب شقائهم».
ورأى الملك السعودي أن الخلاف بين أتباع الأديان «قاد إلى التعصب وحروب مدمرة سالت فيها دماء كثيرة لم يكن لها مبرر.. وقد آن الأوان لأن نتعلم من دروس الماضي القاسية وأن نعتمد على الأخلاق والمثل العليا التي نؤمن بها جميعا». كما شدد على أن «الإرهاب والإجرام عدوّا كل دين وحضارة، وما كانا ليظهرا لولا غياب مبدأ التسامح».
بعد ذلك، وبخلاف السلوك السعودي التقليدي، بقي الملك في مقعده واستمع بالكامل لكلمة الرئيس بيريز التي ترجمها لها في أذنه سفير بلاده لدى واشنطن عادل الجبير. وقد أفرط الرئيس الإسرائيلي في الثناء على مبادرة الملك السعودي التي تحوّلت إلى مبادرة عربية. بل إنه ترك النص الأصلي المكتوب وخلع نظارته ووجه كلامه مباشرة إلى الملك عبد الله قائلا «يا جلالة ملك السعودية العربية، لقد كنت أستمع إلى خطابك. وأتمنى أن يصبح صوتك هو الصوت السائد في المنطقة بأكملها وبين كل شعوبها. فرسالتك هي الرسالة الصحيحة والواعدة».
وكرر بيريز كلماته المعهودة حول الأمل في السلام وتجاوز الخلافات وبناء مستقبل مشترك للعرب واليهود والمسيحيين، متجاهلاً بالطبع ممارسات إسرائيل اليومية على الأرض الفلسطينية المحتلة وجرائمها بحق الفلسطينيين وحصارها لقطاع غزة. وقد شدد على هذه المعاني ذاتها في مؤتمر صحافي عقده في وقت لاحق مع وزيرة خارجيته تسيبي ليفني.
وقال بيريز إن خطاب الملك السعودي مثّل بداية مناسبة للحوار، ولكنه أكد على ضرورة استمرار جهوده من خلال «معركة مشتركة من أجل محاربة التطرف». وعند سؤاله عمّا إذا كان مستعداً لتقسيم القدس المحتلة بنفس روح التسامح والمحبة التي دعا لها في خطابه المطول، تجاهل بيريز بالطبع السؤال، وقال إن الوقت ما زال مبكراً لمناقشة «هذه القضية المعقدة»
وخلافا لبيريز لم يشر الملك عبد الله مباشرة للمبادرة السعودية في كلمته امام الجمعية العامة.
ومنصب بيريز رمزي إلى حد كبير وهو لا يملك سلطة تذكر. لكن تسيبي ليفني وزيرة خارجية اسرائيل وكبيرة المفاوضين في المحادثات مع الفلسطينيين حذت حذو بيريز في الاشادة بالسعوديين.
وقالت ليفني في المؤتمر الصحفي مع بيريز «المبادرة السعودية نفسها شيء بعث برسالة جيدة للغاية». واستدركت بقولها انه من سوء الحظ ان الاقتراح العربي المستند الى المبادرة السعودية ليس جيدا وخاصة في مسألة اللاجئين. وقالت ليفني التي قد تصبح رئيسة لوزراء اسرائيل بعد الانتخابات العامة الاسرائيلية في شباط (فبراير) ان السلام بين العرب واسرائيل يجب الاتفاق عليه في محادثات ثنائية بين اسرائيل والفلسطينيين وجيرانها العرب.
وكان الإعلاميون الذين يغطّون أعمال المؤتمر، راقبوا عن كثب العشاء الذي استضافه الأمين العام للأمم المتحدة في الليلة السابقة لافتتاح المؤتمر، حيث جمعت قاعة واحدة للمرة الأولى بين الملك السعودي وبيريز. وكان واضحا ايضا أن الترتيبات البروتوكولية قد أُعدّت بحرص شديد حتى لا يجري أي لقاء أو مصافحة بين الطرفين. فبيريز وصل باكراً ووقف بصحبة المندوب الأميركي زلماي خليل زاد، بينما استقبل بان كي مون الملك السعودي فور دخوله واصطحبه مباشرة إلى الطاولة المخصصة له، التي جلس عليها أيضا الرئيس ميشال سليمان وأمير الكويت ورئيس وزراء قطر وشيخ الأزهر وممثل الفاتيكان. وكان قد سُمح للصحافيين بالمكوث لمدة دقائق فقط مع توافد المشاركين إلى قاعة العشاء وجلوسهم إلى طاولاتهم، ثم طُلب منهم المغادرة بعد ذلك.
وتحدث في الجلسة الافتتاحية ايضا الرئيس ميشال سليمان الذي أشاد بمبادرة الملك السعودي للدعوة للاجتماع، قائلا إن ما يزيد من أهميتها »حراجة الأوضاع التي تعرفها العلاقات بين الأمم وداخل العديد منها»، وان هذا الاهتمام تعاظم «نتيجة القلق من الظواهر الموسومة بالعنف الطائفي والاثني والإرهاب والتخويف والإكـــراه وتشويه الصورة والسمعة والاعتداء على الكرامات».
وقال الرئيس سليمان إن مناقشة اختلاف الأديان والعقائد «ليس ترفاً بل قضية حيوية تعني الجميع، وملحة لا تحتمل الانتظار أو التردد. ولأجل ذلك، لا بد من الاستعانة بالحوار الحق لإرساء علاقات بين أهل الأديان والثقافات المتنوعة». وتساءل عن كيفية تنمية الحوار في المنطقة العربية «حيث يستمر الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والعربية، ناهيك عن الممارسات، وحيث تنتهك بصورة منهجية حقوق الشعب الفلسطينية الوطنية والإنسانية، ومنها حق عودة اللاجئين إلى أرضهم وديارهم والسعي لفرض توطينهم خلافاً لقرارات الأمم المتحدة». وأضاف «القدس مدينة السلام ولقاء المؤمنين بأديان التوحيد السماوية لا تحقق دعوتها التاريخية ما لم يرفع الظلم عن أبنائها وعن شعب فلسطين».
وتناول الرئيس سليمان النموذج اللبناني «الذي يقوم على الحوار والوفاق والعيش المشترك» وكيف أنه يطمح إلى أن يتحول إلى «مركز دولي لإدارة حوار الحضارات والثقافات». وأضاف أن لبنان يستحق من المجتمع الدولي كل دعم وتأييد، وإن كان هذا الدعم لن يتعزز من دون «إنجاز سلام عادل وشامل في الشرق الأوسط».
والى جانب خطابات الملك عبد الله وبيريز والرئيس سليمان، تحدث في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر رؤساء الفلبين وأمير الكويت والملك الأردني عبد الله الثاني ورئيس أفغانستان ورئيس وزراء قطر ورئيس وزراء المغرب وممثل للفاتيكان، كما ألقى بوش خطاب بلاده، بينما مثلت وزيرة الخارجية الأميركية كوندليسا رايس بلادها في الجلسة الافتتاحية.
وفي كلمته أمام المؤتمر دافع بوش عن حق أي شخص في تغيير دينه، وقال إن حماية الحرية الدينية كانت الدافع وراء الحروب التي خاضتها بلاده في كوسوفو وأفغانستان والعراق وأنها وفرت حماية للمسلمين هناك.
وإذ شكر بوش الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز على مبادرته لعقد هذا المؤتمر، أعلن أن واشنطن تعمل من أجل وضع الحرية الدينية في صلب سياستها الخارجية.
وفي هذا السياق قال «أنشأنا لجنة لمراقبة الحريات الدينية حول العالم، ونشجّع الدول على فهم أن الحرية الدينية هي أساس المجتمعات الصحية، ونحن لا نخشى الوقوف مع المنشقين والمؤمنين، ولو لم يلق ذلك ترحيباً».
واعتبر بوش أن السبيل الأفضل لصون الحريات الدينية هو السعي لإقامة حكم ديمقراطي، وأن «الدولة الديمقراطية هي تلك التي تفسح المجال أمام الناس أيا كانت خلفياتهم الدينية وأيا كان إيمانهم».
وقال إنه «ربما نؤمن بعقائد وديانات مختلفة في أماكن مختلفة إلا أن إيماننا يقودنا إلى قيم مشتركة»، مشيرا إلى أن الإيمان غير حياته في الماضي وثبته أمام التحديات التي واجهها في الرئاسة وسيبقى كذلك في المستقبل.
كما اعتبر أن نشر الديمقراطية يمثل الطريق الأقصر لتحقيق السلام، مشيرا إلى أن من وصفهم بالأحرار وحدهم هم القادرون على الدفاع عن معتقداتهم الدينية في وجه الساعين إلى جرهم نحو الشر، موضحا أن بوسع هؤلاء الحيلولة دون وقوع أولادهم في فخ من أسماهم المتطرفين عبر إعطائهم بديلا مفعما بالأمل.
ولم تختلف مضامين الخطابات عما هو متوقع من حيث التشديد على أهمية الحوار بين الأديان، وكذلك الدعوة إلى متابعة النتائج التي ستصدر عن المؤتمر من خلال لجنة دائمة يكون مقرّها البحرين. ولكن الخلاف ما زال قائما ومحتدما وفقا للمصادر الدبلوماسية، حول الوثيقة الختامية المتوقع صدورها من المؤتمر، خاصة بعدما طالبت الدول العربية والإسلامية بتضمين الإعلان الختامي فقرة تدعو لإدانة «الاستهزاء بما يعتبره أصحاب الأديان مقدساً». ورفض الأوروبيون تضمين مثل هذا التعبير باعتباره تقييداً لحرية التعبير ومحاولة لفرض قيم معينة على المجتمع الدولي بدلاً من السعي للحوار.
Leave a Reply