الركود ينتظر الاعلان «الرسمي»
شدوا الاحزمة!هذا ما ينبؤنا به «الخميس الاسود» الذي شهدته البورصة الاميركية وسائر البورصات العالمية، بعد «جمعة حزينة» و«اثنين دام».وقد لا يفلت يوم من بقية ايام الاسبوع من اكتساب لقب مرّ مع توالي الازمة المالية فصولاً يوماً بعد يوم، وبما ينذر بـ«مذبحة مالية» مروعة تلوح في الافق رغم كل المحاولات المبذولة للسيطرة على غضب الاسواق واعادتها الى جادة الصواب المالي والاقتصادي. هنا عرض سريع لما حصل يوم «الخميس الأسود»:مؤشر اس اند بي 500 خسر مع اقفال اليوم المالي الخميس الماضي 6,7 بالمئة واقفل على ادنى مستوى له منذ العام 1997.مؤشر داوجونز الصناعي خسر 445 نقطة او ما نسبته 5,6 بالمئة ليقفل على ادنى مستوى له منذ اذار العام 2003.مؤشر ناسداك خسر 5,1 بالمئة واقفل ايضاً على ادنى مستوى له منذ العام 2003.مجلس الشيوخ اجل التصويت على صفقة انقاذ شركات السيارات الكبرى الثلاث البالغة قيمتها 25 مليار دولار لعدم توافر الدعم اللازم لها.المشرعون الديموقراطيون اسقط في ايديهم وهم يستمعون الى زملائهم الجمهوريين المعارضين للصفقة وهم يزينون لهم محاسن افلاس الشركات واعادة بنائها تمهيدا لانبعاثها من جديد!.اسهم شركتي جنرال موتورز وفورد. وصلت الى ادنى مستويات عرفتها منذ الركود الكبير (عام 1929).الرعب المالي حدا بالذراع المالية لشركة «جنرال موتورز»، «جي أم أي سي»، الى التحول الى شركة مصرفية قابضة في رهان يائس للحصول على حصة ولو زهيدة من مبلغ ال700 مليار دولار الذي خصصه الكونغرس لانقاذ المؤسسات المالية..الامير السعودي الملياردير الوليد بن طلال استجاب لنداء استغاثة صادر من مجموعة «سيتي غوب» المالية فرفع حصته فيها من 4 الى 5 بالمئة لعل وعسى يفلح المصل السعودي في ترطيب الجوف اليابس للشركة الاميركية ويشعرها بقليل من الانتعاش يجعلها تعيد النظر بقرار صرف 53 الف موظف لديها.عدد الاميركيين العاطلين عن العمل حقق قفزة كبيرة في فضاء الازمة مرتفعاً الأسبوع الماضي الى 542,000 وهو الرقم الاعلى في 16 سنة، اما عدد الذين يتعاطون تعويضات بطالة فقارب أعلى مستوى له منذ 62 سنة.الاسواق العالمية انحدرت بدورها: الاسهم الاسيوية شهدت نكسات متتالية مع فقدان موشر نيكاي الياباني 6,9 بالمئة من معدل قيمته. ومثلها الاسواق الاوروبية، مع فقدان مؤشر اف.تي. اس.سي اللندني مئة نقطة ومؤشر دي.اي.اكس الالماني 3,1 بالمئة.النفط الخام الاميركي الخفيف واصل رحلة انحداره ملامساً عتبة الخمسين دولار للبرميل في سوق التبادل النيويوركي صاعداً من هوة ما تحت الخمسين دولار بقليل في التبادل الالكتروني التي اقام فيها لساعات قليلة…. ولائحة التداعيات تطول، لكن لسان الحكومات المعنية لا يزال عاجزاً عن تسمية ما يجري بركود يؤكد الخبراء اننا صرنا في ضيافته منذ فترة واقامتنا فيه قد تطول، والمتفائلون يضربون موعداً للمغادرة بعد ما لا يقل عن سنة واحدة، فيما يرى آخرون ان الاقامة قد تتعدى السنتين او الثلاث في افضل تقدير وان الداخل في الركود ليس كما الخارج منه، واننا امام انهيار اقتصادي ومالي لم يشهد العالم مثيلاً له منذ الحرب الكونية الثانية.ثمة حتى سيل من التعليقات يستعيد اجواء الركود الكبير الذي شهدته اميركا والعالم مطلع ثلاثينات القرن الماضي، لكن لحسن حظنا حتى الآن، ليس كتوقعات بل كتحذيرات لصناع السياسة في عالم اليوم.لكن السؤال يبقى: اذا لم يتكرر ركود ثلاثينات القرن الماضي، فهل نحن بصدد استعادة أجواء سبعيناتة وثمانيناتة ام ان الامر اسوأ مما نتصور؟يرى خبراء ان مسار اقتصاديات العالم الآن، مقارنة مع بعض حالات الركود العميق تترك الباب مفتوحاً امام الاسوأ او الافضل. ومبعث درجة الحيرة الكبيرة هذه المرة هو الدور المركزي الذي لعبه تردي سوق العقارات الذي اصاب الجهات الدائنة والمدينة على حد سواء. وهذا يجعل من قياس درجة عمق الركود او توقيت التعافي منه امراً عصياً على التوقع.العديد من خبراء الاقتصاد اليوم يدعون الى اعتماد منشطات حكومية مختلفة عما عهدناه. فجهود انقاذ النظام المالي، بما فيها خطة ال 700 مليار دولار صممت على عجل لتحاشي تكرار سيناريو العام 1932 الذي اصاب النظام المصرفي بالتآكل. المحفزات الجديدة برأي الخبراء، يجب ان يكون لها هدف مختلف: استعادة ثقة المستهلك واعادته الى جادة الانفاق، وهذه مهمة ليس باليسيرة على الاطلاق في عالم مالي واقتصادي سريع الايقاع وغامض الآفاق.لم يعد السؤال اليوم هل: نحن في ركود. السؤال، ما هو مدى وعمق هذا الركود؟ والاجابة عنه تبقى غير متوفرة اقله في المدى المنظور.اما اطلاق الاسم على المسمى فلم يعد ذا شأن طالما ان المولود اطلق صرخته الاولى، وهو لا يكف عن الصراخ، كل صباح في بورصات العالم ومؤسساته ومصانعه.إنه الركود الذي لا يُطالب بردّه، بل يُطلب اللطف فيه!abaydoun1@gmail.com
Leave a Reply