إلى أسعد أبو خليل:
يمكن اعتبار حالة الكاتب أسعد أبو خليل حالة غاضبة من الطراز الثقيل، فالنزعة الغضبية عنده، توازي، وتكاد تتطابق، مع سلوكه الثقافي، فـ«العربي الغاضب» كما يحب أن يسمي نفسه، وكذلك يفعل مريدوه، غاضب دائماً، إلى الدرجة التي يمكن معها وصفه، وعلى الطريقة الشعبية، بأنه من النوع الذي «يقاتل ذباب وجهه»!..أظن أنه ليس من المفيد تذكير أبو خليل بمواصفات النفس الغَضبية التي اشتغل عليها الفلاسفة العرب (وعلى النفس عموماً)، أمثال الفارابي وأبو حيان التوحيدي، في ذلك الزمن الناصع (!)، ذلك أن تبادل أي فكرة معه، يقود إلى المماحكة، والمعاضلة، وهذا طبيعي بالنسبة لرجل غاضب دائماً مثله.. لدرجة أن أية فكرة عابرة، في مقابلة تلفزيونية، تدفعه إلى نزع الفتيل، أو زرع الألغام، أو إطلاق المفرقعات والألعاب النارية، فهو يطالب -مثلا- الشاعرة جمانة حداد، بجملة نظريات فلسفية، وعلى الهواء مباشرة، لتوضيح بعض المفاهيم، مثل: النسوية، فيتساءل: «هل هي تتحدث عن النسوية الليبرالية أم النسوية الوجودية أم ما بعد الحديثة أم النسوية الماركسية أم العلم نفسية أم الانفصالية أم الاشتراكية أم الجذرية؟».وما من شك أن مثل هكذا تساؤل يدخل في باب الظرافة، مهما أراد له صاحبه أن يدخل في باب الغضب، أو باب الثقافة، أو باب الحارة. ومن باب الظرافة فقط، أتساءل: ماذا كان أسعد أبو خليل ليفعل لو عرف أن الشاعر محمد الماغوط أجاب في أحد مقابلاته الصحفية عن سؤال يتصل بواقع الثقافة في مصر، أجاب الماغوط: «ليس في مصر ثقافة.. هناك سعاد حسني». ثم ماذا كان ليفعل لو علم أن سندريللا السينما المصرية، أخذت جواب الماغوط على محمل الجد، لدرجة أنها كتبت رسالة شكر وامتنان للشاعر الكبير. كيف نستقبل طلقاً نارياً، للماغوط نفسه، حين يقول : «إن أغنية كيفك إنت، لفيروز وزياد، هي أهم من شعر البحتري كله»، وأية ترتيبات (أو تفجيرات، فالبعض غاضبون) ستترتب على المشهد الشعري العربي القديم والحديث والسينما العربية، بناء على هاتين الحادثتين. الأكثر جدوى، هو أن نعرض عن تسقط عثرات الماغوط، وأن نحدق ملياً في بعض أقواله: «محاصر أنا بين تيار العولمة، وبين تيار الأصولية، فكيف أوفق بين الإثنين، هل أصلي على الانترنت؟!..».كان ادوارد سعيد لا يكف عن الصراخ: كفوا عن إرسال السياسيين إلى هنا (إلى أميركا) وابعثوا بالمثقفين، فهم وحدهم القادرون على إحداث الفرق. لقد مضى ادوارد سعيد، وهو يعرف أن كثيرين من المثقفين (الذين هنا) غير قادرين على إحداث أي فرق. ومن باب المبالغة والغضب هذه المرة، إذ أن الغضب ليس حكراً على أسعد أبو خليل، يمكن القول: لقد مضى صاحب «الاستشراق» من دون أن يعرف ربما، أو يعرف الكثيرون، أن المقالة التي كتبها عنالراقصة تحية كاريوكا توازي كتاب الاستشراق نفسه. فمهما كانت أهمية كتاب الاستشراق في غرب ينتج الثقافة، فمساندة الرقص في شرق يمتهن الفن والثقافة هي ضرورة أيضاً، خاصة بعدما تحول الكثير من المثقفين العرب إلى شيوخ وملالي وكتبة وكهنة وفريسيين.والحق أن أسعد أبو خليل قد لا يكون واحداً من هؤلاء، لكنني لا أستطيع دفع الشعور (كلما قرأت له مقالة) بأن الرجل ساحر. ساحر ولكن ينقصه.. الأرنب الأبيض، بمعنى تنقصه الأداة. وأحياناً لا أستطيع دفع الشعور (في بعض المقالات) بأن الأرنب في القبعة، ولكن أبو خليل يفشل في إخراجه، لأنه لا يملك التمائم، أو الكلمات السحرية.من الأهمية بمكان، امتلاك تلك الحاسة التي تدرك أن المثقف العربي بحاجة إلى الحماية في هذا الزمن الرخو، بعدما تعرضت الثقافة إلى التدمير الممنهج. ومن الضرورة إعادة الإعتبار إلى الحرية الشخصية، فضلاً عن حرية التعبير.. فهذا ما يقود إلى تفاعلات حقيقية، أو تصادمات منتجة في الوعي، الأمر الذي قد يقصي ثقافات النفاق والجلبة، ويعلي من شأن المنصة.. التي يعتليها الآن العسس والحجّاب والعيارون والجلاوزة..المثقف لا يقود المحاكمة، بل العسكري من يفعل ذلك. وإذا كانت مصانعنا الوطنية العسكرجية تنتج العسكريين، بالجملة والمفرق، في كل المجالات، في الثقافة والفن والأدب والإعلام والبيت والشارع.. ألخ، فإن الامتحان الحقيقي هو عدم الوقوع في غواية البزة العسكرية، والذهاب إلى إنتاج سلطة من طراز آخر: سلطة المعرفة..لقد أطاحت الثورة الفرنسية برأس لافوازييه، لكن ذلك كان عاراً عليها أيضاً..أسعد أبو خليل.. فقط، انظر وراءك بغضب، وليس في جميع الاتجاهات!..
Leave a Reply