أمين الجميل يحيي خطاب التقسيم ويحرض على المقاومة ليكسب انتخابياًتنبأ وليد جنبلاط قبل أربع سنوات لنفسه ما سيكون عليه وضعه السياسي، وبعد رهانه على المشروع الأميركي في المنطقة، وانخراطه فيه والذي توقع له ان يفشل، وهذا ما حصل، لا سيما مع استمرار النظام السوري، وعودة العلاقات الاميريكية معه، فأعلن صراحة انه «سيكون زبالاً في نيويروك»، واختار هذه المهنة، كي لا يعود يرضخ وحسب رأيه «للوصاية السورية» وبشكل واضح للمخابرات السورية.وهذه النبوءة بدأ رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي يشعر بأنها قد تتحقق، وهو أشار صراحة من بكركي، الى ان خسارة قوى «14 شباط» للانتخابات النيابية، تعني أن اللواء رستم غزالي أو غيره من ضباط المخابرات السورية، ليسوا بحاجة للعودة الى لبنان، فهم سيحكمونه من مكاتبهم في دمشق وريفها، كما قال جنبلاط الذي يبدو أنه تلقى الرسالة الأميركية الأخيرة، أن واشنطن تخلت عنه وعن حلفائه، وهو كان أدرك ذلك قبل سنتين، عندما زار الولايات المتحدة الأميركية، والتقى فيها كبار المسؤولين، من نائب الرئيس ديك تشيني الى وزيرة الخارجية كونداليزا رايس، التي أبلغته أن سياسة إدارتها تجاه سوريا، ليست إسقاط النظام فيها بل تغيير سلوكه، وعاد جنبلاط في تشرين الثاني من العام 2006، ليقول لقوى المعارضة على طاولة التشاور في مجلس النواب، إن «مشروعكم ربح وفشل مشروعنا»، أي المشروع الأميركي.وبعد عامين يعود رئيس «اللقاء الديموقراطي» من زيارته الأميركية، ليعلن أن الإدارة الجديدة وبعد فوز الديموقراطي باراك أوباما بالرئاسة الاميركية، تتجه إلى فك اشتباك مع سوريا، وفتح قنوات حوار معها، وهذا ما كان متوقعاً بعدما سيطر الحزب الديموقراطي على مجلسي الشيوخ والنواب الأميركيين، وجاءت رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي العام الماضي، وأعلنت أن الحل في لبنان والمنطقة يمر عبر سوريا، وأهمية كلامها أنه قيل من قريطم، وعلى مسمع من رئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري وبعد لقائها به، حيث بدأ التوجس ينتاب قوى 14 شباط من تحول دولي باتجاه سوريا، بدأ مع مغادرة الرئيس الفرنسي جاك شيراك قصر الاليزيه ودخول الرئيس نيكولا ساركوزي اليه، وزيارته الى سوريا، وقبله زيارة بيلوسي اليها، وهذا ما دفع جنبلاط الى القول عن تطبيع دولي مع القيادة السورية، إضافة الى التطبيع اللبناني، حيث عادت زيارات المسؤولين اللبنانيين الى دمشق، من الرئيس ميشال سليمان والوزراء زياد بارود وطارق متري وتمام سلام وقبلهم وزير الخارجية فوزي صلوخ الذي وقّع اتفاقية التبادل الدبلوماسي بين البلدين مع نظيره السوري، وسيزورها وزير الدفاع الياس المر، كما أن مكاتب المسؤولين السوريين من سياسيين وأمنيين بدأت تعج بالقيادات اللبنانية ليس فقط من 8 آذار، بل من 14 آذار، وهذه إشارة تقلق الزعيم الجنبلاط وحلفاء له، بأن سوريا عادت تلعب دوراً أساسياً في لبنان، واستعادت نفوذها فيه، وأن الحل والربط في لبنان يعود لها، فهي كان لها الكلمة الفصل في انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية مرشحا توافقيا، وقد أقر قياديون من الأكثرية النيابية عندما وافقوا على انتخاب سليمان بأنه صديق سوريا وخيارها لرئاسة الجمهورية، كما أسهمت في تسمية قائد الجيش العماد جان قهوجي بالتنسيق مع الرئيس سليمان، ووقفت على آراء حلفائها الذين استطاعت معهم فرض تشكيل حكومة وحدة وطنية فيها الثلث الضامن للمعارضة.هذه التطورات يقرأها جنبلاط جيداً، لا سيما بعد انتفاضة 7 أيار الماضي للمعارضة، التي تصدت للحكومة غير الشرعية وقراراتها، وتحديداً بشأن شبكة اتصالات المقاومة، وأجبرتها على التراجع عنها وإلغائها، وفسح هذا التطور لتحرك المعارضة على الارض عسكرياً، أن تستثمره سياسياً وتنفذ شروطها من انتخاب الرئيس التوافقي الى تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، وهو ما دفع بقوى 14 شباط الى خفض سقف خطابها السياسي، لا سيما جنبلاط والحريري اللذين انفتحا على الحوار والمصالحة مع «حزب الله»، لتبريد «الساحة الإسلامية»، إذا صح القول، وإزالة التوتر من الشارع، وتطويق الفتنة المذهبية، على عكس ما هو جار على «الساحة المسيحية»، إذ إن الضغط على العماد ميشال عون وتياره السياسي «الوطني الحر»، مستمر ولن يتوقف كلما اقترب موعد الانتخابات، لإن الصراع هو على «الصوت المسيحي»، وعدم تمكين عون من أن يفوز بالدوائر المسيحية مع حلفائه كما حصل في الدورة السابقة في العام 2005، إذ يتوقع أن يزداد حجم الربح مع قانون القضاء، في دوائر سيطر عليها فريق 14 شباط، كزغرتا، والكورة، والبترون وبعبدا، وعاليه والدائرة الأولى في بيروت وصولاً الى البقاع الغربي-راشيا، إذ تتوقع المعارضة أن تحصل على 68 أو 70 مقعداً نيابياً، ما يعطيها الأغلبية النيابية، تمكنها من ترؤس الحكومة وتكون ممثلة فيها بالأكثرية.وفوز المعارضة في الانتخابات، هو ما يقلق جنبلاط الذي ذهب الى بكركي والتقى البطريرك الماروني نصر الله صفير، وتشاور معه بنتائج زيارته الى أميركا، وأبلغه بالتحول الحاصل داخل الإدارة الجديدة تجاه سوريا، وكيف يمكن مواجهته على المستوى الداخلي في الانتخابات التي يخشى أن تخسرها قوى «السيادة والاستقلال» وتمثّل خطراً على وجودها كما يؤكد جنبلاط الذي تحدث مع البطريرك الماروني، عن ضرورة شحن المسيحيين ضد عون، وأن خسارته المقاعد المسيحية، هو الحل الوحيد، كي تفوز قوى 14 شباط بالأغلبية النيابية، وان الكنيسة المارونية تلعب دوراً رئيسياً في هذا المجال، وهي التي ساهمت في انتخابات 2005 في توجيه الرأي العام المسيحي باتجاه لوائح «التيار الوطني الحر»، بعدما أعلن صفير رفضه لإجراء الانتخابات على أساس قانون غازي كنعان الذي صدر عام 2005.ولذلك تأخذ الانتخابات النيابية دوراً مفصلياً، لأن من نتائجها ستتكوّن السلطة، ومستقبل لبنان السياسي، وان قوى 14 شباط قررت أن تخوض المعركة الانتخابية موحدة لأنها بالنسبة لها معركة «حياة أو موت» كما وصفت معركتها ضد المعارضة التي كانت تطالب بالثلث الضامن داخل الحكومة.واتفقت الموالاة على أن تركز معركتها على «التيار الوطني الحر»، وتحطيم صورته مسيحيا، وأن تخاض ضده بشعار علاقته مع «حزب الله» المرتبط بإيران وولاية الفقيه، والتحذير من خطر سلاحه، وامتلاكه قرار الحرب من خارج الدولة التي يقيم دولته داخلها، وقد بدأ الرئيس أمين الجميل أول تجربة في هذه المعركة، في الخطاب الذي ألقاه في ذكرى اغتيال نجله بيار وتأسيس حزب الكتائب، فتحدث بلغة حادة، وهو الذي يقدم نفسه معتدلاً، فظهر على حقيقته وكشف عما يفكر به، فشنّ هجوماً على المقاومة وسلاحها، وأعاد طرح «الفدرالية» ناسفاً اتفاق الطائف، وقد لاقى كلامه البعيد عن أجواء المصالحة، وافتتاح الحوار برعاية رئيس الجمهورية، حملة ردود ذكّرت الجميل بتاريخه المليء بالحروب، وفي عهده الذي أدخل اللبنانيين بالفقر، حيث هبط سعر صرف الليرة، بسبب الحروب التي خاضها ضد بيروت والضاحية الجنوبية والجبل، إضافة الى الصفقات التي اشتهر بها عهده مع «طائرات البوما»، وسرقات روجيه تمرز من بنك انترا.لقد عاد جنبلاط خائباً من زيارته الى الولايات المتحدة، وذهب اليها ليقول لتشيني ورايس شكراً اميركا.
Leave a Reply