درس الفريق حسن العمري في الكلية العسكرية في بغداد وكان زميلاً لعدد من الرفاق أبناء الوطن الواحد (اليمن) كما كان رفيقاً وفياً لعدد من هؤلاء الذين تخرج معهم من الكلية المذكورة، ثم عادوا إلى بلدهم الأصلي. وكانت هذه البلاد خاضعة لحكم أئمة آل حميد الدين، وفي طليعتهم الإمام يحيى.وحينما عاد حسن العمري إلى بلاده بعد التخرج من الكلية العسكرية برتبة ملازم ثان.. عاد معه أكثر من رفيق وكان في مقدمة هؤلاء الرفاق الضابط عبدالله السلال. عاد كل من هؤلاء الذين تخرجوا من كلية عسكرية واحدة، وهم جميعاً يحملون رتبهم العسكرية فوق أكتافهم والسعادة تغمر النفوس لأكثر من سبب واضح.لقد التقى هذا العدد من المتخرجين كضباط مرة ثانية في صنعاء بعد عودتهم إليها.. والكل يحلم بأن يحقق ما ينشده ويتنماه لوطنه من تطور وتقدم واستقرار وتحقيق الأمن والنظام، وأن يحقق لوطنه ولنفسه ما كان يحلم به من أحلام وأفكار وهو على مقاعد الدراسة العسكرية. أفكار تخدم الشعب والوطن، في وقت كانت فيه اليمن تعيش حياة متواضعة ليس في ثناياها سوى أثر بسيط من مظاهر ومعالم الرقي والتطور.ولقد كان أبرز هؤلاء الضباط الذين تخرجوا من الكلية العسكرية في بغداد الضابط الذي أصبح فيما بعد فريقاً ورئيساً للوزراء وقائداً عاماً أعلى للجيش والقوات المسلحة، عنيت به حسن العمري.من هو الضابط حسن العمري؟هو من مواليد الحداء محافظة ذمار. عاش في بداية حياته يتيماً، فتبناه الإمام أحمد، كما تبنى غيره من اليتامى. درس المرحلة الابتدائية والمتوسطة والثانوية حتى انخرط بعدها بالقوات المسلحة قبل أن يلتحق بالكلية العسكرية في بغداد.تخصص حسن العمري دارساً كل ما يتعلق بسلاح الإشارة ثم تخرج بعدها من الكلية أي بعد سنتين، برتبة ملازم وبسلاح الإشارة. وكانت دراسته يومئذ في الكلية قد وطدت أواصر المودة والصداقة بينه وبين زميله عبدالله السلال. ظل العمري والسلال كل يحافظ على صداقة زميله ورفيقه في الدراسة والسلاح، والعمل فيما بعد جنباً إلى جنب كل في إطار اختصاصه وخبراته العسكرية.انقلاب العمري والسلال ضد الإمام أحمد ونظامه..وفي سبتمبر عام 1962 انقلب السلال والعمري على الإمام أحمد ونظامه، وكان معهما أيضاً الملازم الثاني علي عبد المغني. وحينما تم الاتفاق على تحقيق الانقلاب على الإمام ونظامه كانت مهمة العمري يومئذ أن يقطع جميع خطوط الاتصالات السلكية واللاسلكية عن الامام والأمراء وعن قصورهم حتى أصبحت صنعاء وجميع أسباب الاتصالات السلكية واللاسلكية مقطوعة وصامتة فلم يعد هناك أي تواصل هاتفي وانعدم الاتصال انعداماً تاماً بين الإمام والأمراء والقصور والوزراء ورؤساء العشائر من جهة وبين كل الأجهزة العسكرية والأمنية على حد سواء..لم تنحصر القوى العسكرية التي قامت بانقلاب عسكري عام 2691 وأطاحت بنظام آل حميد الدين، لم تنحصر هذه القوة الانقلابية على هذا العدد الذي ذكرناه سابقاً. بل بهذا العدد القليل من الضباط الشرفاء الاوائل الذين اجتمعوا وتدارسوا وخططوا ورسموا الخطوط العريضة لتوجيه ضربتهم العسكرية لاقتلاع النظام الملكي الإمامي من جذوره، بل كان هناك العديد من الضباط الشرفاء الذين أسهموا اسهاماً مشرفاً.. لإنجاح الانقلاب على النظام وأهله، وذلك دون إراقة نقطة دم واحدة.ولما كان المجال لايتسع لذكر أسماء جميع هؤلاء الضباط الأحرار الشرفاء، لذلك اكتفينا بذكر أسماء كل من الفريق حسن العمري والملازم الثاني علي عبدالمغني وعبدالله السلال.هنا وفي هذه الأثناء، وعند ساعة الصفر وقع الانقلاب العسكري في صنعاء ولا حاجة للدخول في تفاصيله المتشعبة، و استولت القوى العسكرية والثورية على مقاليد الحكم والسلطان الأمر الذي دفع بالبدر ولي عهد اليمن يومئذ أن يهرب من القصر متخفياً بثياب امرأة، بعد أن أيقن وتأكد له نجاح الانقلاب العسكري وبعد أن تم الاستيلاء على جميع مراكز القوى والقرار. لقد فر البدر هارباً من صنعاء حتى وصل الحجة.هنا أيضاً، تحركت القوى الرجعية.. القوى المعارضة لقيام انقلاب عسكري في اليمن. تحركت هذه القوى لمساندة المعارضة للثورة وللانقلاب، ولتقدم الدعم لهذه القوى التي تحركت ضد الانقلاب العسكري وأهدافه ومشاريعه وضد الذين قاموا به للخلاص من نظام آل حميد الدين.ولقد كان في طليعة تلك القوى المعادية للانقلاب العسكري وضباطه، والمؤيدة لأعدائه في اليمن كل من بريطانيا بحكم وجودها في الجنوب اليمني المحتل يومئذ وأميركا والأردن والسعودية، الأمر الذي أدى إلى نشوب حرب أهلية استمرت أكثر من تسع سنوات سقط فيها أكثر من مئتي ألف قتيل.ماذا كان دور العمري يومئذ؟وقد كان للفريق حسن العمري دوراً هاماً وبارزاً إذ لم تمضِ فترة قصيرة حتى كانت مصر العروبة، مصر جمال عبدالناصر، مصر التي في قلوبنا، مصر التي هي قبلة الأحرار في عالمنا العربي، حتى كانت مصر هذه قد هبت هبة الليث لنجدة اليمن ثورة وجيشاً وشعباً ونظاماً، مقدمة الدعم العسكري واللوجستي والإعلامي، خاصة بعد أن تم اختيار المشير عبدالله السلال لرئاسة الجمهورية بحكم أنه كان يحمل أعلى رتبة عسكرية من جميع الضباط، كما كان قائداً للحرس الملكي التابع لولي العهد البدر.ويدور الزمن دورته السريعة، وتتعرض مصر لنكسة أو أكثر.. الأمر الذي أجبر القيادة السياسية في مصر على أن تسحب جيشها من اليمن. وكانت القوات المصرية المتواجدة في اليمن لا يقل تعدادها عن السبعين ألفاً من الجند تؤازرهم الطائرات والأسلحة الثقيلة إلى جانب الفرق العديدة من القوات المسلحة التي قامت بتثبيت أقدام الثورة، و حماية الجمهورية ونظامها كما قامت وبمختلف الوسائل العسكرية بحماية هذا النظام الجمهوري الجديد وحماية أهله وترسيخ دعائم الثورة والذود عنها بكل عناد وتصميم وقوة..ماذا حصل بعد انسحاب القوات المصرية من اليمن؟بعد أن تم الانسحاب التام والكلي للقوات المصرية من اليمن أطبقت يومئذ القوات الملكية على صنعاء وقامت تلك القوات بفرض الحصار عليها الذي دام أكثر من 73 يوماً فقط.. وصلت يوماً إلى صنعاء قادماً إليها من جيبوتي، وعلى متن طائرة يمنية كان يقودها الكابتن طيار محمد القباطي رحمه الله برحمته الواسعة.. وحينما هبطت الطائرة في مطار صنعاء، ونزلت مع عدد قليل من الركاب المغادرين مثلي، توجهت إلى ناحية باب الخروج من حرم المطار الذي كان لا يزال أرضاً ترابية وغير مرصوصة بالزفت، وحينما وصلت إلى ناحية الخروج واجهت شاباً يجلس على كرسي ولما سألته عن شباك الجوازات، قال لي:هات جوازك، فقدمته له، فوقع على إحدى صفحاته بتوقيعه الكريم ثم قال لي تفضّل، فتفضلت.. مستقبلاً سيارة أجرة من المطار إلى وزارة الإعلام التي أحاطتني برعاية كريمة، ثم تم نقلي إلى قصر البدر سابقاً، الذي بات فيما بعد حتى قبل وصولي إليه، فندقاً يحل فيه ضيوف وزارة الإعلام.وخلال تطبيق الحصار الشديد على وحول صنعاء اجتمع ضباط القيادة كلها، وفي أثناء هذا الاجتماع كان للضباط الكبار والصغار أيضاً رأيا أعلنوه صراحة قائلين: نحن لا يمكننا أن ندافع عن صنعاء وهي تتعرض لسيل من قذائف الهاون فقام هؤلاء وسلموا سلاحهم -وهم الضباط الكبار- إلى الضغار وهم من رتبة نقيب وما تحت. وكان العمري ساعتئذ حاضراً هذا الاجتماع وكان برتبة فريق وقد رفض هذا المشروع الانهزامي قائلاً ومخاطباً الحشد من الضباط وبصوت عال:سوف أدافع عن صنعاء وعن شعبنا وعن ثورتنا بدمي ولحمي.. تريدون الهروب.. هذا شأنكم هنا، كان لحظتئذ كبار الضباط قد هربوا بالفعل الى مصر وسوريا والسودان والحبشة مغادرين ساحة القتال بل ساحة الشرف، ساحة الوغى صنعاء تاركين الفريق العمري صامداً وحده في صنعاء وليس معه من القوات العسكرية والقوات المسلحة والرجال سوى خمسة آلاف جندي وضابط بينما كانت القوات الملكية التي تحاصر صنعاء لا يقل عددها عن الأربعين ألفاً من الرجال الذين يحملون مختلف أنواع الأسلحة الخفيفة والثقيلة معاً..وقد كان في صفوف هذه القوات قوات من المرتزقة مدربة تدريباً جيداً من كل من بريطانيا وبلجيكا وفرنسا وكانت الأسلحة الثقيلة والصواريخ وقواعد إطلاقها وغيرها من الأسلحة الثقيلة، كان كل ذلك متوافرأ لهذه القوات المرتزقة، التي جاءت لتقاتل وتقتل أبناء اليمن في عقر ديارهم..
شجاعة الفريق حسن العمريصنعاء تتعرض لقصف شديد عبر مدافع الهاون، وكانت قذائف الهاون تنهال على مختلف أحياء صنعاء وثكناتها العسكرية بلا استثناء.. ولم يستثنى من هذا القصف المتواصل سوى السفارات التي خلت من السفراء وغيرهم من الموظفين الأجانب والعرب..في هذه الظروف الحرجة، والظلام يخيم على العاصمة ليل نهار، وفي وقت كان فيه السفراء العرب والأجانب يغادرون مكاتبهم في سفاراتهم ويهربون خارج منطقة صنعاء إلى الحقول البعيدة، وإلى النواحي التي لم تكن تصل إليها تلك القذائف اللعينة.في هذا الوقت العصيب رأيت الفريق حسن العمري يخرج بنفسه، يرافقه بعض المسؤولين كوزير الداخلية الصديق عبدالله بركات، والذي تم تعيينه بعد هدوء العواصف على اليمن برمتها، سفيراً لليمن في السودان، والذي كنت ألتقي به في الليل والنهار ونحن نطوف مع الفريق العمري على العديد من المواقع القتالية.كان الفريق العمري يخرج ليجول على معظم أحياء صنعاء، حاملاً بيده (بندقية تشيكي أبو طلقة واحدة) هكذا كانوا يسمونها في اليمن..وقد سألت الفريق، وكنت قد انضممت إليه في جميع تجولاته في معظم أحياء صنعاء، وحين سألت العمري لحظتئذ قائلاً له: لماذا تحمل هذه القطعة من السلاح وأنت القائد العام للقوات المسلحة ورئيس الدولة. فقال: لكي لا يراني ضعيف النفس فيقتلني من أجل السلاح الآلي الذي قد يراه بين يدي.
Leave a Reply