كما بات متوقعاً، حصل المسلسل الأردني «الاجتياح» على جائزة «إيمي» الدولية المخصصة للمسلسلات والبرامج التلفزيونية، بعد منافسات حامية امتدت قرابة الستة أشهر، وعبر ثلاث جولات تحكيم شارك بها أكثرمن 600 حكم من 50 دولة.وكما بات معلوماً للقارئ العربي، فإن جميع المحطات الفضائية وقنوات التلفزة العربية كانت قد أحجمت عن عرض هذا المسلسل على شاشاتها، وانفردت القناة اللبنانية للإرسال (إل. بي. سي) بعرضه، في سياق يصلح لإطلاق الكثير من التساؤلات حول واقع الإعلام العربي، وحول الذهنيات التي ما تزال تتحكم بالعمليات الثقافية والفنية والإعلامية.. في عالمنا العربي!..الأكيد في هذا السياق، أن حصول مسلسل عربي على جائزة من هذا الطراز، هو دليل على تطور الدراما العربية، ومؤشر بالغ الأهمية على نضج الرؤى والأساليب الفنية والتقنية التي تحكم هذا النوع من الفنون، لكن الأهم.. هو الجرأة «الإنتاجية» التي يملكها بعض المنتجين العرب، وفي مقدمتهم المنتج الأردني عدنان عواملة، الذين يملكون الفهم الملائم والحساسية الفنية لإنتاج أعمال هي فنية بالدرجة الأولى، وليست تجارية خالصة كما يحلو للبعض أن يفكر، فالأجدر بالعمل الفني أن يكون تحفة لا سلعة فقط..وما من شك، أن الدراما، كالسينما، هي صناعة بالدرجة الأولى، بمعنى أن تداخل واشتباك العوامل الفنية بالعوامل التجارية هو أمر حاصل وشائك، والمغامرة الفنية في هذا الخصوص لا تعني أكثر من ترجيح قيمة الرسالة الفنية على المردود الربحي.وتبقى النقطة الأكثر سخونة في هذا الموضوع، هي مصدر التساؤل: لماذا يُقاطع مسلسل الإجتياح في تلفزيوناتنا العربية، ويُحتفى به في الغرب؟! الغرب الذي هو جلادنا ونقيضنا (ويكاد يكون عدونا) في الكثير من الخطابات الثقافية والسياسية والدينية في عالمنا العربي. ومصدر الإحراج -هذه المرة- هو الجائزة التي حصدها مسلسل الاجتياح الذي لا يمكن وصفه -كما في مناسبات من هذا النوع- بأنه يغازل الغرب، ويقارب قيمه ومفاهيمه الثقافية والحضارية، فقصة المسلسل تدور حول أحداث اقتحام مخيم جنين، والمقاومة الفلسطينية الباسلة التي تصدت له رغم الإمكانيات القليلة..لقد اعتدنا على هكذا مفارقات، فالغرب (جلادنا) هو الذي منح نجيب محفوظ جائزة نوبل في الآداب، في الوقت الذي كانت فيه الخناجر الوطنية تمزقه شر تمزيق، الأمر الذي دفع بالشاعر السوري محمد الماغوط إلى التعليق بلا مبالاة على محاولة قتل الروائي المصري، بالقول: «ما من موهبة تمر بدون عقاب!»..والأمثلة كثيرة. لقد كان «صبري مدلل»، شيخ مطربي حلب، على إمتداد عقود طويلة مجرد واحد من مطربي الإذاعة السورية، رغم أن الناس كانوا يتوقفون في الشارع لسماع صوته وهو يرفع الأذان في المساجد، ولكنه لم ينطلق إلى العالمية، إلا في اللحظة التي التقى بها مع الباحث الموسيقي الفرنسي «كريستيان بوخيه» الذي أذهله صوت الفنان الحلبي، فعمد إلى تسجيل أسطوانة لفرقته، بعنوان (مؤذنو حلب)، ثم دعاه إلى إحياء حفلة في باريس، ثم كانت الانطلاقة إلى أهم مسارح العالم.أيضاً، استطاعت لوحات الفنان الشعبي أبو صبحي التيناوي أن تصل إلى متحف اللوفر بباريس، بما تملكه من أصالة فنية وإنسانية، وما تقوم عليه من حساسية وشفافية، فضلاً عن العفوية والتلقائية الطفولية..من دون أن يلقى التكريم المناسب في وطنه، وبين ناسه..نعم.. الغرب الذي هو جلادنا وعدونا ونقيضنا الحضاري، هو أكثر إنحيازاً للحقيقة منا، وأكثر تقديراً لها، وبحثاً عنها!!..والغرب، هذا، لا يخجل من تقشير تفاحتنا، وتقديمها لنا، ومن غير المهم على الإطلاق في هذه الحال الحديث عن آداب المائدة!!..
Leave a Reply