قد يبدو خاطئاً ذلك الاعتقاد.. أن المقهى (أو الحانة) هو مكان لتزجية الوقت وتبديده، ولعل الصورة الراسخة في أذهان الكثيرين أن المقهى ليس أكثر من مكان لتناول الشاي والقهوة وتدخين الأركيلة ولعب طاولة الزهر وتبادل النمائم، لكن الصحيح أيضاً.. أن المقاهي والحانات هي حالات مدينية بامتياز، فجميع مدن العالم عرفت المقاهي والحانات، وهي بالإضافة إلى كونها أماكن للاستمتاع بالوقت والتخفف من أعباء وضغوط الحياة، إلا أنها تعكس في كثير من الأحيان شكل الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية..ثمة حالتان تعرفت عليهما مؤخراً، تعكسان ذهنية رجل الأعمال العربي وطريقته في إدارة أعماله وترويجها، وهي ذهنية أقل ما يقال فيها أنها منفتحة ومتوثبة ومغامرة، وأنها تفهم طبيعة المكان والمجال الذي تتحرك فيه، وهذا إن دل على شيء فهو يدل على قدرة رجل الأعمال العربي على فهم الواقع والثقافة الأميركيين.الحالة الأولى يمثلها صاحب بار أفينو، السيد راي، الواقع على تقاطع شارعي ميشيغن أفينو وشايفر (ديربورن) الذي أبدى إستعداده لإعطاء الفرصة لمغني الراب اللبناني «بيغ أي» لإقامة حفلات ومناقشات مفتوحة، أيام الآحاد، منذ بداية العام الجديد..يشارك مغني الراب اللبناني أصدقاءه القادمين من خلفيات ثقافية مختلفة، أميركية ويابانية وأفريقية-أميركية، وعربية، لإقامة برامج تستضيف في كل مرة، أحد مغنين الهيب هوب، للتعرف على أعماله، ومناقشاته من خلال فقرة: المايكرفون المفتوح..أما الحالة الثانية، فيمثلها صاحب زبار ومطعم «بي أكس» الذي عمل منذ إمتلاكه للمكان الجديد على إطلاق برنامج فني متنوع،على مدار أيام الأسبوع، يتضمن أعمالاً فنية من الجاز، ومعزوفات موسيقية على البيانو وغيرها..وبالمناسبة، فإن هذه الأنماط من التفكير ليست غريبة عن ثقافاتنا وبيئاتنا، مع الأخذ بعين الإعتبار إختلاف التجربة الحضارية، وتباين التقاليد والأعراف التي تحكم نشاط البشر في الأماكن العامة. ويمكن القول بدون تعسف إن المقهى في المدينة العربية يماثل البار في المدينة الغربية، فالناس يقصدون كلا المكانين للدوافع ذاتها، للإلتقاء، أو للتسلية، أو لتبديد الوقت.. ألخ!غير أن الأهم، كيف يمكن إستغلال أمكنة كهذه، وتحويلها إلى فضاءات ومناخات مقبولة وإيجابية، ولو في الحدود الدنيا، ولو عبر الآثار الجانبية التي يمكن أن تثيرها البرامج الموسيقية، أو المناقشات المفتوحة..في الشرق، إستطاع أصحاب المقاهي أن يجدوا مثل هذه الحالات الموازية، من خلال «الحكواتية»، كما هو الحال في بعض المدن العربية مثل دمشق وبيروت. وكما هو معروف أيضاً، فقد إستطاع زالحكواتيس أن يترك آثاراً كبيرة لدى أجيال عديدة من البشر عندنا، وإمتدت هذه التأثيرات إلى العديدمن الفنانين العرب الذين إستثمروها في فنون أخرى، كالمسرح، والدراما، والراوية.. وغيرها!
Leave a Reply