لكنه لم يتحرك.. بل بقي في مكانه حتى قام سلاح المظلات بحفر الخنادق وعمقوها وذلك كان لحساباتهم العسكرية الخاصة.. لكن النتائج لم تكن لصالحهم أبداً.. بل على العكس، كان الأمر لغير مصلحتهم.. إذ استطاعت قوى الجمهورية أن تدخل المعركة ضد الانقلابيين وتسجل انتصاراً رائعاً عليهم
في هذه الحلقة من سلسلة «صفحات من تاريخ أيام الثورة» سنتطرق الى بعض الخفايا من تلك الحقبة مثل الخيانة.. والرشاوى.. والتعامل مع أعداء الثورة والتآمر، ضد الثورة اليمنية وأهدافها.. وأيضا عن تفجير الألغام في تجمع من مشايخ خولان الذين لعبوا على الحبال سعياً وراء المال.. واستمرار القصف بلا هوادة.. في طليعة الأخطاء المميتة التي يرتكبها بعض الأنظمة العربية وغيرها، أن يقدم أي نظام على التدخل السافر وأن يسعى بجهد كبير من أجل خلق الفتنة الدموية المؤدية حكماً إلى خلق كل أنواع الصدامات القاتلة بين أبناء الوطن الواحد. كل ذلك في سبيل خلخلة قواعد النظام التي يرتكز إليها الوطن، من أجل أن تعم الفوضى فيه، ويبدأ الوطن بكامله بالاهتزاز المؤدي إلى سقوط النظام، وتمزيق الصف الوطني الواحد، وذلك كله يتم لحساب أعداء الوطن وأعداء الحرية والاستقراراستمرار القصف على صنعاء..أقول هذا وأنا أتأمل فيما قيل لي وأنا في صنعاء التي كانت تتعرض إلى قصف لا هوادة فيه، من قبل الملكيين وأشياعهم. إنه قصف مدمر طال أجزاء عديدة من هذه العاصمة الصامدة بوجه قوى البغي والعدوان، إلى جانب صمود شعبها الواعي الصبور.كيف يمكن لنا أن أن نغفل ما أقدم عليه نظام الرئيس قحطان الشعبي رئيس جمهورية عدن؟ فذلك بالطبع أمر عسير ومستحيل.. لأن هذا النظام كان يومئذ وليداً ولا يقوى على السير نتيجة افتقاره كنظام إلى مقومات تساعده على النمو وتمكنه من الوقوف بوجه الهزات والأعاصير التي تهب على الأنظمة بين الحين والآخر، تارة من الداخل ومرات عديدة من الخارج..غير أن هذا النظام الذي كان بحاجة ماسة إلى جميع أنواع المقويات حتى يشتد بها عصبه ويقوى على مواجهة الأزمات المتعددة الأشكال والأنواع، رأينا هذا النظام ينسى كل ما كان يعانيه من متاعب صعبة الحل، لانعدام القدرات المالية وفقدان التخطيط المدروس والتشريع المقونن.. وذلك لتحقيق الخطوات والمشروعات التي كانت جمهورية عدن الفتية يومئذ تفتقر إليها كل الافتقار..وبالرغم من ذلك رأينا هذا النظام الذي كان يرأسه الرئيس قحطان الشعبي-رحمه الله- ينسى كل ما تعانيه دولة عدن ويتفرغ هو وكل من رأى رأيه، لهدم كل ما استطاعت ثورة اليمن من تحقيقه وانجازه بدءاً من تغيير النظام الإمامي من نظام قديم لا يتوافق مع سنة الكون التي تفرض على الدنيا كافة وعلى شعوب الأرض كلها التطور الدائم والمستمر.. انتهاء بارتباط الثورة اليمنية بالعديد من دول العالم بأمتن العلاقات الدبلوماسية والثقافية وغير ذلك من الأمور.ولكي يحقق نظام قحطان الشعبي في عدن أهدافه التخريبية في اليمن التي انتصرت في معاركها على الرجعية العربية، وأولها نظام آل حميد الدين، وإعلان الجمهورية العربية اليمنية، والحصول على الاعترافات العالمية والدولية اعترافاً مكنها من دخول المنتديات الدولية والأممية وإثبات وجودها، وأن تقف بجانب الدول الكبرى والصغرى وأن تتفاعل مع المجتمعات الإنسانية على حد سواء.لقد رأينا نظام الشعبي من أجل أن يفرض الخراب على الجمهورية العربية اليمنية وعلى شعبها المناضل، وثورتها ومكاسبها الوطنية واستقلاليتها وتحررها من قيود الذل والهوان كي تسير بين الأمم والشعوب كشعب يرفع رأسه إلى فوق مبتهجاً وسعيداً بانتقاله من زمن قديم إلى زمن جديد، لذلك رأينا ذلك النظام ومن أجل تحقيق ما يريده من تخريب مدمر رأيناه يقدم على محاولة انقلاب ضد الثورة في اليمن ويرصد لها الميزانية المالية، وذلك لشراء رضى القبائل ومشايخها، فأوفد من أجل تحقيق مخططاته لتخريب الوضع في ربوع الجمهورية العربية اليمنية، أرسل وفداً كان في طليعته بعض القياديين البارزين أمثال عبدالفتاح اسماعيل، وفيصل الشعبي، وعلي هادي شفيع وصالح مصلح المجذوب وسعيد الخامري وعلي عنتر وغيرهم..لقد تم وصول هؤلاء القادة وهم أبرز أعضاء الحزب الاشتراكي في عدن، وصلوا يحملون نصاً صريحاً لمخططاتهم وكماً هائلاً من المال لشراء الذمم والعقول وليبذلوا كل جهد ممكن من أجل أن تنقلب القبائل التي باركت الثورة الشجاعة وآمنت بصدق ونقاء رسالتها ورأت كيف أن اليمن باتت متحررة من القيود والأغلال ولذلك رأينا أؤلئك الذين وصلوا من عدن وقد توزعوا على عدن من المعسكرات والقبائل ومشايخها وبدأوا فور وصولهم بتوزيع الأموال التي حملوها متناسين ما قاله الله تعالى فيهم وبأمثالهم حيث قال: {وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل، والله لا يحب الفساد} سورة البقرة-آية 502.مهمة تسلل.. وخلاف مزعوم ومختلقوالغريب في الأمر أن هؤلاء الذين قبلوا بمهمة التسلل إلى معسكرات الشرفاء الذين احتضنوا الثورة وحملوا راياتها، وآمنوا بها وعملوا من أجل المحافظة عليها وعلى مكاسبها وأهدافها..هؤلاء الذين قبلوا بهذه المهمة القذرة والتزموا بتنفيذ مخططاتها التي حملوها معهم من عدن وجاؤوا بها إلى معسكرات الشرفاء. هؤلاء كان أول ما فعلوه أن ادعوا كذباً وزوراً وخداعاً أنهم اختلفوا مع كبيرهم الرئيس قحطان الشعبي، الذي أمر بطردهم وخلعهم من مناصبهم القيادية وقد اتهمهم كبيرهم -ظلماً وكذباً وخداعاً- بارتكابهم الأخطاء التي تمت معاقبتهم عليها عقاباً شديداً!كل هذا، وكل ما تم تنفيذه وادعائه بأنه حقيقة، وكل ما قيل عن الخطايا التي ارتكبوها وعوقبوا عليها كان ذلك خداعاً، ولم يكن له أية صلة بالحقيقة إطلاقاً.. بل كان كذباً وتزويراً، وهم، أو من بقي منهم على قيد الحياة، يعلم جيدأً أن ذلك كله كان تلفيقاً مكشوفاً وتزويراً فاضحاً.هؤلاء القياديون لم يكن لهم من هم سوى التسلل والوصول إلى معسكرات قوات الجمهوريين، وكان كل ما تم تخطيطه وتهيئته للتنفيذ، كان بالتعاون مع فيصل الشعبي ابن شقيق قحطان الشعبي الذي كان رئيساً للوزراء في حكومة الجنوب.فلول انهزامية..لقد تم القضاء على هذه المحاولة الانقلابية، بسبب انكشاف الأمر لدى قوات الجمهورية وقيادتها، فتم انتصار قوات الجمهورية على هذه الفلول الانهزامية الرجعية، وكان الانتصار الكبير لقوات الثورة، بفضل عدة عوامل وأسباب أهمها:أولاً كان قصر السلاح والذخيرة في قبضة وسيطرة حسن العمري. وهذا القصر -قصر السلاح- ويدعى قصر غمدان وكانت القوة العسكرية الموكل إليها حراسة وحماية والدفاع عن هذا القصر. كانت هذه القوات العسكرية محايدة حياداً مشرفاً حفظاً لحقن الدماء، وحرصاً على عدم سقوط العديد من الضحايا، ومن أجل ماذا يمكن أن تتساقط الضحايا يا ترى؟ هل من أجل أن ينتصر زيد على عمرو.. فلم تكن هذه القوات التي حمت قصر السلاح. لم تكن هذه القوة العسكرية تنتمي إلى أي لواء من ألوية القوات العسكرية وتوضيحاً لذلك أقول:أولا، إن الوحدات العسكرية التي حاولت القيام بانقلاب عسكري كانت هي كل القوات المسلحة التابعة لقوات العمري، ومنها قوات الصاعقة، والمظلات والمدفعية والصواريخ والمشاة بكل فروعها، كل هذه القوى حاولت القيام بانقلاب ضد الفريق حسن العمري وقواته.سؤال يطرح نفسه: لماذا انقلبت كل تلك القوى العسكرية على الفريق العمري وحكومته؟ الجواب: لقد لعب المال دوراً هاماً ورئيسسياً.. وكفى.المال يلعب دوره..وبذلك لم يبق مع الفريق العمري سوى قوات المدرعات كما ذكرنا.. إلى جانب لواء العاصفة والمشاة. وقد كان مخطط القوى العسكرية المعادية للواء حسن العمري وقواته، أي القوى الانقلابية، كان مخططهم القضاء أولاً على الفريق حسن العمري، وقذفه وجماعته بالصواريخ وكذلك كان الفريق العمري شخصياً هدفاً رئيسياً ومحتماً تصفيته دونما أي تردد، غير أن شيئاً من ذلك لم يحدث.ولو لم يكن الفريق العمري رجلاً عسكرياً شهماً وشجاعاً ووطنياً، ولو أنه راودته فكرة الهروب من ساحة المعركة، بل ساحة من صنعاء لكانت هذه العاصمة قد سقطت بأيدي الملكيين ووقعت هذه العاصمة في قبضة الانقلابيين الذين تسللوا مع ما يحملونه من مال وفير.أما النقطة الثانية فكانت أن سلاح المظلات قد أمر بأن يتحرك من معسكره إلى سفح جبل «نعَم» ليقوم باقتحام قصر السلاح وذلك للمحافظة على استمرار عملية الإمداد اللوجستية وبقاءها متواصلة.ولمصلحة من؟ سيكون هذا بالطبع لحساب الملكيين!..
وكان قائد تلك المجموعة والذي يعمل لحساب الانقلابيين أعداء العمري ورفاقه وقواته قائد السرية جار الله عمر الذي رئس قيادة سرية كلية الشرطة العسكرية.هنا ما كان من قائد سرية الكلية العسكرية جار الله عمر إلا أن قام بإلقاء القبض على مدير كلية الشرطة وجميع الضباط الذين يؤيدون الفريق حسن العمري.في هذه الظروف التي أفلتت الأمور من أيدي الذين كانوا يمسكون بها، لذا رأينا أنه بدأت تتحرك القوى المتصارعة على الحكم ومن أجل السيطرة على مقاليد الأمور، لذلك أصبحنا نرى أن كل مجموعة عسكرية تتصرف على هواها وعلى مزاجها الخاص. مجموعة عسكرية من هنا تداهم هذا المقر وتعتقل أعداءها، ومجموعة عسكرية أخرى تقتحم مركزاً أو كلية أو مدرسة، أو ثكنة معارضة لها ولأهدافها، كنا نرى الأضداد وهم من فئة العسكر. الكل يقتحم والكل يداهم، والكل يعتقل كل من يرى فيه خصماً وعدواً..وللحديث تتمة في حلقة قادمة..
Leave a Reply