كنا نحسب أن عرض المسلسلات التلفزيونية التركية على شاشاتنا موضة وتنتهي، فإذا بها ظاهرة تتجدد في وجداننا يوماً بعد يوم، يبدو ليس لها نهاية في الأفق. والثابت حتى اللحظة من خلال بضعة مسلسلات تركية عرضت على شاشة (إم بي سي) الفضائية، أنها متقنة الصنع من الناحيتين الفنية والتجارية، بحيث ذاع صيتها وأحبها الجمهور، خصوصاً وأنها مدبلجة بدقة ولهجة بيضاء سورية محببة يفهمها القاصي والداني في أرجاء الوطن العربي، والجميل أنها لم تترجم بشكل حرفي، ما أكسبها مصداقية لدى المشاهدين، ودليل ذلك الأمثال الشامية العامية التي أدخلت في السيناريو، لتبدو هذه المسلسلات لمن لا يعرف كأنها أنتجت في بلاد الشام. يضاف إلى ذلك ميزة الشبه في السحنة بين السوريين والأتراك، وميزة التضاريس الجغرافية بين هذين البلدين المتجاورين، وهما على أي حال يجمعهما تاريخ مشترك وعموم الأقطار العربية، حيث أن العالم العربي كان تحت سلطة العثمانيين خمسائة عام، وهذا ما جعل ثقافة العرب والأتراك واحدة ودينهما واحداً.أما لماذا يفضل الجمهور العربي مشاهدة هذه المسلسلات على نظيراتها العربيات، فذلك هو مربط الفرس، فلو أن شركات الإنتاج الفنية في مصر وسوريا ولبنان والأردن ودول الخليج، وفرت مسلسلات جيدة الصنع ومتقنة فنياً، لما لجأت بعض المحطات الفضائية للإستيراد من تركيا ومن المكسيك والفلبين وكوريا الجنوبية، ناهيك عن أفلام روائية غربية وأفلام وثائقية مترجمة عن الإنكليزية أو الفرنسية تعرضها قنوات مثل «الجزيرة» و«العربية»، الكثير منها يتحدث عن قضايا وإشكاليات في فلسطين والعراق والمغرب ومصر، قضايانا المحلية يتحدث عنها الآخرون ونحن نشتري منهم ونترجم عنهم، وليس لنا حول ولا قوة.انظر كم هي عدد القصص الروائية والوثائقية التي يمكن سردها ضمن إنتاجات تلفزيونية، في العالم العربي.البديل عندنا هو مسلسلات مصرية تعرض في رمضان أبطالها نجوم آفلة، وأخرى سورية أفضل حالاً لكنها لا تغطي ساعات البث على مدار الساعة، فيما كل الإنتاج الأردني من النوع البدوي والذي من شدة التكرار فيه، أصبح المشاهد لا يفرق بين هذا المسلسل وذاك، فجميعها تحمل الطابع ذاته والشخوص أنفسهم والخطوط الدرامية عينها.ثم إن لبنان هذا البلد العربي المتفوق في الأدب والشعر والموسيقى والثقافة، لا يعلم أحد لماذا هو متأخر في الإنتاج السينمائي والتلفزيوني، كما أن إنتاج دول الخليج العربي باستثناء المسلسل السعودي الإجتماعي ”طاش ما طاش” في معظمه رديء لا يرتقي لمستوى المشاهدة، وذلك هو السبب وراء ازدهار المسلسلات التركية وانتشارها.دعوة للحكومات العربية والقطاع الخاص إلى إيلاء مزيد من الاهتمام والاستثمار في قطاع الإنتاج الفني المتطور والمزدهر، لما لهذا القطاع من دور متصاعد ليس في جانب التسلية والترفيه وحسب، وإنما في تعزيز هويتنا الثقافية وحضارتنا وتواصلنا كشعوب يجمعنا أكثر مما يفرقنا
Leave a Reply