بالمعنى الاستراتيجي العميق لدى القيادة الإيرانية العليا فإن القضاء على المقاومة الفلسطينية المتمثلة بحركة حماس هو من الأمور الممنوعة. لأن في ذلك تصفية للقضية الفلسطينية وإغلاق لملف الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي. بنفس العمق الاستراتيجي لدى كل من الإدارة الأميركية وإسرائيل ومصر والسعودية فإن القضاء على حركة حماس من الأمور الضرورية لطي ملف الدولة الفلسطينية الفعلية، في مقدمة لإيجاد الصيغة التي ترعى التجمعات البشرية في قطاع غزة والضفة الغربية، وهي صيغة الدولة الإسمية الفلسطينية.تقدم الأنظمة العربية هذه الدولة إلى شعوبها على أنها الإنجاز التاريخي الكبير الذي خرجت به نتيجة «نضالاتها» السياسية على مدى عقود، كما تبرهن هذه الأنظمة لشعوبها صوابية قرارها بترك البندقية وتصفية حركات المقاومة وانتهاج المسار السلمي التفاوضي لاستعادة الحقوق الفلسطينية.طبعاً، تبتهج وقتها الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج بهذا الإنجاز العظيم، وينبري مثقفو الأمة وإعلاميوها لقراءة آيات التمجيد والتخليد على الملأ محبة لقادة الدول الأبرار، وعلى رأسهم البطل المغوار والطيار الأغر فخامة الرئيس وفخامة الزعيم حسني مبارك حفظه الله وحفظ سلالته الكريمة الحاكمة، ومكنها من القبض على السلطة بعد أن يقبض الباري (تالله) روح الزعيم الخالد.ماذا بعد ذلك؟ بعد أن يعم السلام والوئام بين العرب وإسرائيل وتزال الحدود النفسية بين الملك عبدالله بن عبد العزيز وشيمون بيريز وبين سعود الفيصل وتسيبني ليفني وبين شيخ الأزهر طنطاوي وكبير خامات اليهود في إسرائيل.إلى أين تتوجه جحافل الجيوش العربية هذه المرة، بعد أن استطاعت «تركيع» إسرائيل وإنزالها مرغمة عند الرغبة العربية العارمة بالسلام والتطبيع.منذ ثلاثة عقود تقريباً، شن صدام حسين حرباً ضروساً على إيران ووقف وقتها كل العرب إلى جانبه باستثناء سوريا. ودفع الحكام العرب، خاصة الخليجيون منهم، الغالي والنفيس في سبيل إسقاط نظام الخميني وضرب الثورة في مهدها، وأججوا واستحضروا كل أنواع المذهبية والطائفية من كتب التزمت الديني تحت حجة منع تصدير الثورة إلى خارج حدودها، لأن في ذلك تهديد للكراسي والعروش.كانت القضية الفلسطينية تعاني آنذاك من الطعنة التي وجهها لها نظام أنور السادات من خلال إتفاقية كامب ديفيد التي ما لبثت أن ردت عليها إسرائيل باجتياح لبنان عام 1982 من غير أن يساورها الشك بأن مصر بوارد اتخاذ إجراءات قد تؤثر على الإتفاقية وعلى مسار السلام بين مصر وإسرائيل.
واليوم وبعد مرور عشرين عاماً من الزمن على انتهاء الحرب الإيرانية- العراقية، وبعد فشل الإدارات الأميركية المتعاقبة باحتواء إيران والحؤول دون تطبيق برنامجها النووي، يعاود العرب الكرة من جديد، يجتمعون على تصفية القضية الفلسطينية، ويتوحدون تحت راية العداء لإيران ولكل من تسول له نفسه مقاومة إسرائيل، أو ممانعتها سياسياً. لأن ما يخطط له في المستقبل يستوجب على إسرائيل والأنظمة العربية استئصال حركات المقاومة في فلسطين ولبنان لإنهاء ملف الصراع مع إسرائيل، لأن الأخيرة يراد لها أن تكون الذراع الاستراتيجية للعرب في صراعهم مع عدوهم المستحدث: إيران الفارسية!..من هنا تنطلق القيادة الإيرانية حين تضع حركة حماس ضمن الأمن القومي الإيراني وتعتبرها خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه والقضاء على الحركة، لأن ذلك يضعها مع العرب وجهاً لوجه، ويسحب كل البيادق الإيرانية من خطوط المواجهة المتقدمة مع إسرائيل، العدو الفعلي الذي ترى فيه إيران الخطر الأكبر عليها وعلى مشروعها في المنطقة.ومن هنا، نفهم كلام حسن نصر الله «العصبي» و«المتوتر» تجاه النظام المصري الذي يعمل عن عمد وعن سابق إصرار وتصور على ذبح الشعب الفلسطيني في قطاع غزة عبر محاصرته وخنقه، وإذا كان هناك من لوم يوجه لقائد المقاومة في لبنان، هو أنه لم يدع صراحة إلى قلب نظام حسني مبارك في مصر، ولو أن هذه الدعوة لن تلقَ آذاناً صاغية في بلد «المحروسة» بعد أن «نامت نواطيرها عن ثعالبها» كما قال المتنبي. ليتذكر الشعب المصري فجأة بأنه أمة فرعونية تعود جذورها التاريخية والحضارية إلى سبعة آلاف عام، وأن لمصر خصوصيتها القومية وهي تأبى على نفسها أن يوجه لها النقد من إنسان يضع فلسطين عنواناً على جبينه وفوق عمامته، لأنه يرى أبناء غزة يذبحون بدم عربي بارد.مع كل الاحترام لمن نزلوا إلى الشوارع وتظاهروا في مصر، أين هي تلك الملايين التي نزلت إلى الشارع عندما مات عبدالحليم حافظ؟ أين هي أم الدنيا وبلد الثمانين مليوناً، ألا تستحق غزة وأطفالها الذين قتلوا إلتفاتة من «محبي الفن» في مصر المحروسة؟!..أم ينتظرون حدثاً أكبر عندما يموت الفنان عمرو دياب – لا سمح الله – كي نرَ عظمة هذه الملايين في تعبيرها عن حزنها وألمها من هول الفاجعة؟!..
Leave a Reply