عندما قرأت الخبر لم تصدق عيناي ما أقرأ. «إختطف»، كل هذه الأسماء ليس غريبة عني هذا أبي ذاك عمي تلك قريتي وذلك عدوي الذي لطالما إعتدى وأرهب وقتل ودمر.ألف سؤالٍ وسؤال أخذ يدور في رأسي تُرى ماذا فعلا ؟ ما جريمتهما؟ ما خطأهما ؟ ما مصيرهما؟ أيعقل أنهما حاولا دخول الأراضي الفلسطينية المجاورة لنا؟ أيعقل أنهما ككل ذي ضمير في هذا العالم لم يعودا يحتملان ما يحدث في غزة وحاولا أن يساندا أهلها على طريقتهما؟ولكن مهلاً: الوصول إلى غزة من هناك أمر جنوني وأبي وعمي أبعد ما يكونا عن الجنون. إذن ماذا حصل؟ أكملت قراءة الخبر في ذهولٍ وحيرة «عندما كانا يعملان» إذن هذا ما إقترفته يداهما. كالعادة ذلك العدو هو المعتدي..مرت ساعات ذلك اليوم ثقيلة لتطمئن قلوبنا في نهاية المطاف لقد أُفرج عنهما في الفجر ولكن هل انتهت القصة هنا، بالطبع كلا لقد ابتدأت الآن. ها هما يرقدان في المستشفى نتيجة الإعتداء والضرب الذي تعرضا له ولكنهم لم يكتفوا بالضرب والشتائم والتحقيق بل الأعظم أنهم أفلتوا كلابهم عليهما بكل وحشية وهمجية وما جرمهما؟ لقد كان الجنود الإسرائيليون في كمين متقدم داخل الأراضي اللبنانية وقد رآهما الرجلان فكان لا بد من اقتيادهما إلى داخل الأراضي المحتلة.يا إلهي أليس هذا هو الجيش الذي لا يقهر، هذا الجيش المجهز والمحصن بأحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا العسكرية الإميركية والغربية؟ أيعقل أن مجموعة من الجنود والكلاب المدرعين والمجهزين والمدربين لأصعب المهمات وآخرها كان التسلل إلى داخل الخط الأزرق لتنفيذ مآرب خاصة داخل الأراضي اللبنانية خافوا لا بل ارتعبوا من فلاحين أعزلين كبيرين. سبحان الله…أصبحت أؤمن أننا نعيش أسوء الأزمان زمن لا منطق فيه ولا عقل، زمن تسود فيه شريعة الغاب، زمن يختطف الإنسان من أرضه وتتُرك الكلاب البوليسية لتنهش بجسمه ويوضع في سيارة مصفحة معصب العينين يُضرب ويهان ويحقق معه كل ذلك من قبل من؟ من قبل «ناقضي العهود، قتلة الأنبياء والأولياء، الخونة، محرفي الكتب، البخلاء والحاسدين والخونة والكذابين والمفسدين في الأرض» حسب وصف القرآن الكريم لهم.
لم أنس بعد أنهم هم الذين دمروا بلدي منذ أكثر من سنتين لم أنس أيضاً أنهم قتلوا أطفالاً ونساءً وشيوخاً وشباباً بعمر الورود لم أنس أنهم سرقوا الكثير من الأحلام والأماني والضحكات ولم أنس أيضاً أنهم دمروا بيتاً قضيت فيه أجمل سنوات عمري مع إخوتي وأخواتي وأمي وأبي لم أنس أنهم سرقوا ذكرياتي وكتبي ودفاتري ونجاحاتي وخيباتي وأفراحي وهمومي وصوري وشهاداتي… كلها تركتها خلفي في ذاك البيت لأعود إليها يوماً ولكني عدت ولم أجد منها شيئاً.ولكن الحمد لله سنبقى نخيفكم ونرعبكم ونردعكم وننتصر عليكم كما انتصرنا في أيار 2000 وكما حررنا كل الأسرى وسيبقى لبنان والجنوب قلعةً في وجهكم وشوكةً في عينكم وسيبقى الجنوبيون مهما كان عمرهم صغيراً كان أو كبيراً صامدين في أرضهم مقاومين على طريقتهم. وعلى حد قول الشاعر عمر الفرا: جنوبيون يعرفهم تراب الأرض، ملح الأرض، عطر منابع الريحان.. جنوبيون يعرفهم سناء البرق، غيث المزَن، لون شقائق النعمان.. نجوم الليل تعرفهم وشمس الصبح تعرفهم..وبوح الماء للغدران.. لهم علم ومعرفة بمن سادوا..ومن بادوا..وموسيقا بحور الشعر وكيف يحرر الإنسان.. جنوبيون كان الله يعرفهم، وكان الله قائدهم وآمرهم، لذا كانوا بكل تواضعٍ.. كانوا رجال الله يوم الفتح في لبنان..فتحية إليكم أيها الجنوبيون، تحية إليك عمي المنزرع في أرضه الذي أبى في أصعب وأحلك الظروف أن يترك بلدته وأهلها وأكبر التحيات إليك أبي الذي علمتنا قولاً وفعلاً أن الكرامة والشرف ليس كلاماً بل فعل وموقف وإليك أمي التي كنت دائماً وأبداً إلى جانب الجميع. تحية لكم جميعاً وبوركت أيديكم.
Leave a Reply