لبنان اجتاز قطوعات حضور القمم العربية وزجّه بلعبة المحاورهل تغيّر رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان وانقلب على مواقفه، وأصبح يميل الى قوى «14 آذار»، كما وصفه بعض السياسيين والإعلاميين، وهو الذي كانت تصنّفه هذه القوى، بأنه مرشح المعارضة وسوريا لرئاسة الجمهورية؟هذا الكلام جاء، بعد أن قيل أن الرئيس سليمان كان يحاذر حضور قمة عربية غير مكتملة النصاب ولا تطبق ميثاق الجامعة العربية، وقد زاد من حيرته أن دولاً عربية عدة أعلنت مقاطعتها للقمة الطارئة بشأن غزة التي دعا إليها أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني بالتنسيق مع الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد بصفته رئيساً للقمة الحالية، وأبرزها السعودية ومصر والأردن، مما أوقعه بإرباك، زاد عليه أن أطرافاً داخليين في لبنان دخلوا على خط التجاذب، فدعته المعارضة الى حضور القمة، فيما طالبته الموالاة بالتغيّب عنها، وانتقل الصراع الى الإعلام عبر المواقف السياسية، ثمّ الى الشارع حيث أطلقت في إحدى التظاهرات أمام السفارة الأميركية في عوكر المنددة بالعدوان الاسرائيلي، هتافات ضد سليمان، وأخرى مؤيدة للرئيس السابق إميل لحود، فوصلت الرسالة الى القصر الجمهوري، وسأل مستشارو الرئيس من ينظّم التظاهرة، فجاء الجواب أن «حزب الله» يشارك فيها، ففهم رئيس الجمهورية ما هو مطلوب منه، بعد أن كان الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله، ومع بداية العدوان الاسرائيلي على غزة ناشده أن يطلب عقد قمة عربية طارئة، وأوفد إليه معاونه السياسي حسين خليل مع مساعد الرئيس نبيه بري النائب علي حسن خليل، من أجل تشجيعه على أن يكون لبنان هو الداعم لانعقاد قمة عربية، التي لم يتأخر الرئيس سليمان في مناشدة الزعماء العرب عقد القمة، ووافق مجلس الوزراء عليها، لكن الإنقسام العربي حول القمة، عكس نفسه على الداخل اللبناني، ولم يعد من السهل اتخاذ قرار بحضور قمة في الدوحة بمن حضر، وأخرى في الكويت مخصصة للإقتصاد، وأن يبحث على هامشها موضوع غزة، وكان مرّ على العدوان نحو ثلاثة أسابيع.في ظل هذه الأجواء العربية المنقسمة حول فلسطين، عاد التشنج الى لبنان، وظهر الإنقسام من جديد، وكاد أن يفجر الوضع الحكومي، ورأى الرئيس نفسه وهو المنتخب كمرشح توافقي أمام صراع محورين، وكيف سيوفق بينهما عربياً ولبنانياً، وقرر أن يحضر قمة الدوحة التي انعقدت بمن حضر، وتحولت الى تشاورية بعد تطيير النصاب القانوني لها، بالضغط الذي مارسته مصر والسعودية على بعض الدول، وأغرى رؤوسائها بالمال، كما حصل مع قمة دمشق العادية، حيث قاطعها أيضاً كل من الرئيس حسني مبارك والعاهل السعودي الملك عبد الله، واصطف معهما بعض الدول، لكن نصابها القانوني تأمن، وقد امتنع لبنان عن الحضور، بسبب الفراغ في رئاسة الجمهورية بعد انقضاء ولاية الرئيس لحود، وعدم انتخاب رئيس آخر، بسبب الظروف السياسية، وعدم تلبية الرئيس فؤاد السنيورة الدعوة، بعد أن اصبحت حكومته مجتمعة تمارس صلاحيات رئيس الجمهورية، لأنه انحاز الى «دول عرب الاعتدال» والتحق بركاب النظامين المصري والسعودي، وتجاوب مع قرار أميركي بتعطيل القمة العربية في سوريا، التي لم تنجح واشنطن في عزلتها سياسياً عربياً ودولياً.حاول السنيورة وفريقه السياسي، ممارسة الضغط على الرئيس سليمان لعدم الذهاب الى الدوحة، وقد تسربت معلومات أنه كاد أن يلبّي رغبة رئيس الحكومة وقوى «14 آذار»، ووصلت الأخبار الى المتظاهرين أمام السفارة الأميركية من المنظمات الطلابية والشبابية للمعارضة، فأثار غضبهم، وهتف بعضهم ضد الرئيس سليمان للحظات للتعبير عن سخطه، وقد فاجأهم موقفه، وهم الذين ينظرون إليه أنه مع المقاومة، ولا يمكن أن يكون في محور معاد لها، فخاب أملهم، وكان رد فعلهم محصوراً في الزمان والمكان، حيث تم لجم بعض الشباب والطلاب من قبل منظمي التظاهرة، التي تمّ استغلال ما جرى من قبل قوى «14 آذار» إعلامياً وتكبير الموضوع سياسياً، لكن الرئيس سليمان وبعد إجراء اتصالات لبنانية داخلية وأخرى عربية، قرر الذهاب الى الدوحة، وإجراء اتصالات مع من سيحضر من الرؤساء والملوك والأمراء وممثلي الدول، ولأن ثمة مصلحة للبنان بذلك، كونه معني بالمسألة الفلسطينية، بوجود نحو 400 ألف فلسطيني على أرضه، وأن كسر المقاومة في غزة، يمهد الطريق الى توطينهم في لبنان، وهو ما كشف عنه السفير الأميركي السابق في الأمم المتحدة جون بولتون، إضافة الى تقارير أميركية وإسرائيلية، ومشروع من الاتحاد الأوروبي حمله الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي يدعو الى اعطاء تعويضات للفلسطينيين اللاجئين، للتخلي عن حق العودة.حضر الرئيس سليمان قمة الدوحة، وكانت له كلمة دعا فيها الى التوافق العربي، وحاول أن يبعد لبنان عن لعبة المحاور، مع تأكيده على الثوابت الوطنية اللبنانية في دعم المقاومة وحق العودة للفلسطينيين والتضامن العربي، وقد نجح بذلك، وخفف من إمكانية حصول انقسام لبناني داخلي، فلجمه بحضوره، كما أوقف حملة من أراد استغلال موقف طارئ وعابر صدر عن متظاهرين، وسعى فريق «14 آذار» أن يجذب رئيس الجمهورية إليه، واحتسابه على خانته، ورفعوا من وتيرة تأييدهم لتكون له كتلة نيابية وسطية في الانتخابات، من أجل تحجيم العماد ميشال عون نيابياً، وتحريض الشارع المسيحي عليه، إلاّ أن هذه الخطة لم تنجح، فالرئيس سليمان لم يتراجع عن خياراته الاستراتيجية، وقد تفهّم الرئيس نبيه بري موقفه، وأشاد به، واستنكرالتهجم عليه، وكذلك فعل نائب الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم، الذي أكّد أن الموقف من رئيس الجمهورية لم يتغيّر، ولا أحد يمكنه أن «يزرع التناقض بيننا»، في إشارة الى أن لا تراجع عن تأييد الحزب وحتى المعارضة مجتمعة للرئيس سليمان والوقوف معه، وهو بالتأكيد لن يحيد عن مواقفه الاستراتيجية.لقد مرّ قطوع القمم التي عقدت، واستطاع لبنان أن يخرج منها بأقل الخسائر الممكنة على وضعه الداخلي، حتى عندما أيّد الرئيس سليمان المبادرة العربية للسلام، التي نعاها الرئيس بشار الأسد في قمة قطر، فإن موقفه منها كان للاحتفاظ ببند حق العودة للفلسطينيين وليس تناقضاً مع الموقف السوري الذي رأى أن المبادرة ماتت منذ أن أطلقت في العام 2002 من قمة بيروت، لأن اسرائيل رفضتها، وقد أكّد العاهل السعودي صاحب المبادرة، أنه لن يبقيها على الطاولة، وهذا ما فتح باب لمصالحة سورية-سعودية، بعد أن أعلن الملك عبد الله بن عبد العزيز طي صفحة الماضي بعد الذي حصل في غزة، التي غيّر صمود المقاومة فيها المعادلات، وأضطر «عرب الاعتدال» الى إجراء تحول الى حد ما في مواقفهم والتقرب من قوى الممانعة والمقاومة التي تمثلهم سوريا في تحالفها مع المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق، حيث سيفتتح اللقاء السوري-السعودي صفحة جديدة من خلال الحوار بينهما، باتجاه وضع استراتيجية عربية تأخذ في الاعتبار، أنه في ظل مبادرة عملية السلام التي لم تتحقق خاضت اسرائيل حروباً عدوانية على اللبنانيين والفلسطينيين ولم توفر سوريا، وأقامت المستوطنات والجدار العازل، ولم تعط الفلسطينيين حقوقهم، ولم تقبل بعودتهم أو القدس عاصمة لدولتهم، وفرضت الحصار والتجويع عليهم.إن المصالحة السورية-السعودية، والتي كانت مطلباً من الرئيس نبيه بري وبعض اللبنانيين، للمساعدة في حل الأزمات في لبنان، سيكون لها تأثير إيجابي على الوضع الداخلي اللبناني لجهة الاستقرار، واعتراف السعودية بدور سوريا في المنطقة، وفعاليتها في لبنان عبر حلفائها، وأنه لا يمكن أن يحكم «تيار المستقبل» مع حلفائه دون الشركاء الآخرين في الوطن، وهذا هو الشعار الذي رفعته المعارضة في أثناء اعتصامها وحصلت على مطالبها.
Leave a Reply