الإمام الصدر اقترحه لتأمين صمود الأهالي ولم يكن هدفه سياسياًمجلس الجنوب عوّض غياب الدولة عن منطقة كانت هدفاً لإسرائيل واعتداءاتها
توجه السهام إلى مجلس الجنوب منذ سنوات، كما إلى صندوق المهجرين، ومعهما مجلس الإنماء والإعمار وأخيراً الهيئة العليا للإغاثة، وتوضع هذه المؤسسات في خانة هدر الأموال، وتحولها إلى مصالح سياسية وفئوية، واقتطاعها من قبل زعماء طوائف وأحزاب بحيث باتت كل مؤسسة تخص هذا الزعيم السياسي أو الطرف الحزبي، ويتم التعاطي معها تحت هذه الصيغ والعناوين، وهي أساساً لم تنشا لذلك، بل لظروف فرضتها الإعتداءات الإسرائيلية، أو الحروب الأهلية.فمجلس الجنوب أنشىء، ليغطي الفراغ الذي أحدثه غياب الدولة عن منطقة كانت تتعرض للقصف الإسرائيلي بشكل دائم، وعدم وجود مقومات للصمود، من ملاجىء إلى مراكز صحية لمعالجة المصابين في الحالات الطارئة، إلى تقديم المساعدات الفورية للمتضررين من إصابة منازلهم أو تهديمها، والنازحين عنها.وهذا المجلس طالب بانشائه الإمام السيد موسى الصدر، الذي دعا إلى حمل السلاح دفاعاً عن الجنوب وإلى إنشاء «حرس وطني» يقوم بهذه المهمة، إلى جانب الجيش اللبناني، فوصف السلاح بانه «زينة الرجال» للتعبئة في اقتنائه لمقاومة الإحتلال الإسرائيلي، بعد أن شعر بأن الدولة مقصرة في هذا المجال، وان الجيش غير قادر بسلاحه المتواضع ان يواجه قوات الإحتلال الإسرائيلي، فطالب الدولة أن تقوم بواجباتها بالدفاع عن الجنوب، وتأمين الصمود إلى أهله، وكان اقتراحه بقيام مجلس يتولى مباشرة، وخارج «الروتين الإداري» والبيروقراطية التي تتحكم بأجهزة الادارة الرسمية بدفع الاموال مباشرة إلى الشهداء والجرحى والذين دمرت أو أصيبت وتضررت منازلهم ومتاجرهم واملاكهم.فمن فرض انشاء مجلس الجنوب هو العدوان الإسرائيلي واحتلاله، وبالتالي ليس هو صندوقاً سياسياً أو انتخابياً، كما يقول رئيسه الدكتور قبلان قبلان الذي يؤكد أن الصندوق يقوم بأعمال انمائية في الجنوب، تخلت عنها الدولة، إضافة إلى دوره في معالجة الجرحى ودفع التعويضات للشهداء ولأصحاب المنازل المدمرة والمتضررة، وهو بهذا المعنى ليس تابعاً لطائفة أو تنظيم سياسي وحزبي، وهو قام قبل تأسيس حركة «أمل» و«حزب الله»، في مطلع السبعينات من القرن الماضي، وان المدارس التي أنشأها، ومحطات ومولدات الكهرباء التي اقامها، والآبار الإرتوازية التي حضرها، والطرقات التي شقها، كلها بنى تحتية هي لأهل الجنوب، ولكنها للدولة اللبنانية، وأن ما دفع هو موجود في المدارس والآبار والطرقات.ففي غياب الإنماء المتوازن غطى مجلس الجنوب الجزء الأساسي منه، وان الرئيس نبيه بري لم يكن يمانع أن تقوم مجالس في كل المحافظات لإنماء المناطق، ولقد كان لمدينة بيروت مجلس اسمه «مجلس تنفيذ المشاريع الكبرى لمدينة بيروت» وقد الغي مؤخراً، وهو أنشىء قبل مجلس الجنوب، والمعلوم أن المناطق النائية والريفية هي التي بحاجة إلى إنماء وليست العاصمة التي تأخذ الحصة الأكبر من المشاريع، وهذا ما كان في صلب الدعوات لإصلاح النظام السياسي وتحقيق العدالة والمساواة بين جميع اللبنانيين، وهو مطلبهم، وأن مجلس الجنوب عندما أنشىء كان الهدف منه مواجهة اضرار العدوان الإسرائيلي، وساهمت ادارته في السنوات الأخيرة بعد تحرير الجنوب وقبله، في أن يتحول عمله ايضاً الى الإنماء المتوازن لمساعدة الأهالي على البقاء في ارضهم، بتامين المدرسة والمستشفى والمياه والكهرباء والطرقات.وكثر الحديث عن أن الصناديق تحولت الى سياسية، وهي مزاريب للهدر، وان الأموال التي تدفع لها، لم تعد تذهب إلى المتضررين، بعد أن تحرر الجنوب في العام 2000، ومثله جرى الحديث عن صندوق المهجرين، حيث اعترف النائب وليد جنبلاط انه استخدمه في السياسة، وحصل فيه هدر، وقد اكدت التقارير، ان عودة المهجرين كانت قليلة جداً قياساً على ما صرف من اموال وهي بحدود المليار و700 مليون دولار، كما ان الهيئة العليا للاغاثة التي تقع من ضمن اجهزة وزارة الشؤون الاجتماعية، ونقلت بشكل غير قانوني الى رئاسة الحكومة، وتم تعيين امين عام لها، وتقوم بصرف الاموال بأمر من رئيس الحكومة، حيث كشفت المعلومات ان اموالها الموجودة للحالات الطارئة، مثل الفيضانات والهزات والاضرار الطبيعية، وغير ذلك، قد تحولت الى توزيع للمال السياسي، وزادت عشية الانتخابات النيابية، وانها تدفع لتيارات سياسية وحزبية، وتوزع على مناطق تابعة لنفوذ سياسي او طائفي ومذهبي للموالاة وقوى «14 آذار»، بحيث تساوت المجالس والهئيات والصناديق، في الاستخدام السياسي.واذا كان الرئيس السنيورة ينطلق من نظرية ايقاف الهدر وهذا مطلب اللبنانيين، فهو بدأ من مجلس الجنوب الذي حرمه من الموازنة منذ العام 2006 وحتى الموازنة الحالية، حيث كان يصرف له موازنة تشغيلية للادارة والايجارات بمبلغ 6 مليار ليرة، وتم تغييب ارقام الموازنة الاساسية وهي 60 مليار ليرة، تدفع الى الشهداء والجرحى والمعاقين والضمان الاجتماعي وايجارات وانجاز مشاريع انمائية.وقد رفض السنيورة ادراج مبلغ الستين مليار في الموازنة، واعلن انه اذا احتاج مجلس الجنوب الى مال لمشروع معين يدرس ويعطى سلفة خزينة، لان الاتجاه هو لاقفال هذا المجلس مع صندوق المهجرين، وانه تم رصد مبلغ لاقفال ملف عودة المهجرين، فرد الرئيس بري بانه لا يمانع من حصول ذلك، اذا كان السنيورة يعتبره انجازا اصلاحيا، فليكن الحل شاملا، باقفال مجلس الانماء والاعمار، الذي نشأ في العام 1977، لمعالجة نتائج الحرب الاهلية التي اندلعت في العام 1975-1976 وسميت بحرب السنتين، وكان اقتراح انشاءه من حكومة الرئيس سليم الحص، في عهد الرئيس الياس سركيس، ليختزل «الروتين الاداري» ويقوم بمهمات سريعة لاعادة بناء واعمار ما هدمته الحرب، وكانت مهامه محصورة في هذا الاطار لكن اعماله تطورت وحل محل وزارات ويقوم بمشاريعها، وسمي بـ«حكومة الظل» وطالبت قوى سياسية بإلغائه، والعودة الى وزارة التصميم التي الغيت بعد قيامه، وهو ما عاد الرئيس بري للمطالبة به، بحيث تقوم وزارة التخطيط بوضع الدراسات والمشاريع فتنفذها الوزارات.لكن اقتراح بري جوبه برفض السنيورة فتدخل رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان لحل هذا الاشكال الذي عطل اقرار الموازنة المتوقفة منذ اربع سنوات، ويتم الصرف على قاعدة الاثني عشرية.فهل ينجح الرئيس سليمان في تأمين الحل- التسوية، الذي لا يرضى الرئيس بري اقل من اقرار مبلغ الستين مليار، او الغاء كل الصناديق والمجالس والهيئات، في حين ان الرئيس السنيورة لا يريد ان يمول مجلس الجنوب، ويطمح الى الغائه مع صندوق المهجرين والكرة في ملعبه.
Leave a Reply