كان الزعماء العرب في زمن العتمة يتغنون بأمجادهم، وتاريخهم وبطولاتهم وإنتصاراتهم وحضارتهم وقيادتهم لجزء من هذا العالم، وكان من فرط التباهي والتغني أن صدقوا أنفسهم أنهم رواد العالم، وأرغموا شعوبهم على تصديقهم، ومشت هذه الكذبة حتى أنطبق المثل القائل «اكذب ثم اكذب ثم كذب حتى يصدقك الناس»، ولما انكشفت العتمة وبان النهار تكشفت العورات وبان العجز والذل والهوان ولم يعد للأمجاد أي أثر، والحمد لله أن بعض المصائب التي تنزل على الأقوام، إما أن تقضي عليهم أو تعيدهم الى رشدهم، فأحياناً يكون الضرر نافعاً، فرب ضارة نافعة، إلا الزعماء العرب فإن المصائب لا تجمعهم والكوارث لا توحدهم، فكلما نزلت علينا نحن العرب نازلة مزقتنا وفرقتنا وشتتنا وزادتنا رعباً وخوفاً، وصار قادة دولنا يخافون من بعضهم البعض، ويحسبون كل صيحة عليهم. أما عدوهم الحقيقي الذي أدخل الرعب في قلوبهم، وأصبح أسطورة في نظرهم، رغم ما ثبت لهم بأنه أهون من بيت العنكبوت فقد هُزم أكثر من مرة على يد فئة قليلة مؤمنة بالأمس في جنوب لبنان واليوم في غزة، إنما المصيبة أن الأمة العربية ابتليت بقيادات أقل ما يقال فيها أنها ميتة بسبب ما أصابها من الهوان -فمن يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام- قادتنا تجردوا من الحياء، والغيرة، حتى الغضب على الكرامة والشرف ذهب من ضمائرهم بلا رجعة، حتى بات أي زعيم عربي على إستعداد أن يصافح العدو القاتل ويداه تقطر من دم أطفال غزة ونسائها وشيوخها، بينما العالم كله شاهد الرجل الغيور صاحب الشهامة والرجولة والكرامة لشعبه ولأمته، السيد رجب طيب اردوغان وهو يغادر المؤتمر الإقتصادي العالمي منسحباً ومحتجاً على حديث ممثل الكيان الصهيوني بيريز، والذي رد الإعتبار للملايين الغاضبة من شعبه التركي ومن شعوب العالم الحر.ولكن المفارقة المهمة والتي أبكت الشعوب العربية، هي حالة الإنسجام بين القيادة التركية وشعبها في موقفها من الكيان الغاصب بينما شاهدنا ماذا عملت الإنظمة العربية مع مواطنيها، وكيف نكلوا بهم ومنعوهم من الكلام والتعاطف مع ضحايا غزة. ألا يحق للمواطن العربي أن يبكي ويندب حظه التعيس عندما يشاهد الشعب التركي يأتي الى المطار بمئات الألوف في منتصف الليل والطقس ممطر وبارد لاستقبال زعيمه بعد أن رفع رأسه عالياً أمام الغطرسة الغربية وتحيزها للكيان الصهيوني التي كانت تريد أن تمرغ أنوف العرب في مؤتمر دافوس، لولا عناية الله وموقف أردوغان البطولي؟لكن لم تكتمل الفرحة بكلمة الحق التي قالها رجل المواقف السيد رجب طيب اردوغان فقد عكر صفوها ممثل الجامعة العربية عمرو موسى الذي كان متفرجا ونسي نفسه وصفق مع من صفق لبيريز أثناء كلمته، بل كان مستمعاً جيداً لبيريز وهو يفتري على الضحايا، والسيد عمرو موسى لم يحرك ساكناً. إن هذا العار ليس على عمرو موسى وحده بل كان على من مثلهم. ولم يكن السيد اردوغان وحده الذي كشف عار وخزي العرب، فقبله القائد الفذ شافيز رئيس جمهورية فنزويلا الذي دفعته الغيرة الإنسانية وهزت ضميره الحي وأقدم على ذلك الموقف المشرف بطرد البعثة الدبلوماسية الإسرائيلية من كراكاس وتبعها رئيس بوليفيا تضامناً مع القضايا العربية العادلة التي ضاعت بسبب تآمر أهلها من العرب.
Leave a Reply