إجتماع ابو ظبي ودلالاته:يؤشر الاجتماع الذي شارك فيه وزراء خارجية تسع دول عربية من محور «الاعتدال العربي» في امارة ابو ظبي الاسبوع الماضي، الى بداية تبلور مرحلة جديدة من الصراع في منطقة الشرق الاوسط شهدت السنوات الخمس الماضية على مقدماتها وان ابقتها حبيسة بعض الارادات «الحكيمة» في لجمها وتأجيل اندلاعها تحت شعارات «الاخوة الاسلامية».اجتماع ابو ظبي لم يخفِ البند الابرز، بل الاوحد على اجندته وهو التصدي «لتدخل اطراف غير عرب في شؤوننا».بدت الحرب التي شنتها اسرائيل على قطاع غزة بمفاعيلها الامنية والسياسية والانسانية بمثابة المفصل الذي افترقت عنده نهائياً او بصورة شبه نهائية خيارات عربية للدول التي تمثلت في اجتماع ابو ظبي، ومنها اليمن التي شهدت شوارع عاصمتها ومدنها اضخم التظاهرات واشدها قوة وصخباً استنكاراً للمذبحة الاسرائيلية في غزة، (وهذه من المفارقات المتصلة بحركة «الشارع العربي» ومدى تأثيرها على قرارات وتوجهات انظمتها، وهو موضوع جدير بالتحليل خارج هذا السياق) ولدول وحركات اخرى مصنفة في «محور الممانعة» وعلى رأسها سوريا وقطر و«حركة حماس» و«حزب الله».فقد ثبتت حرب غزة حالة الانقسام العربي الحاد التي برزت بعد حرب تموز عام 2006، واذا كان المعتدلون العرب» قد ألمحوا الى مسؤولية «حزب الله» عن تلك الحرب وأبدوا «عتبهم» الناعم عليه، وابتلع «حزب الله» ما اعتبره ظلماً من بعض العرب بحقه كحركة مقاومة فإن ما تشهده الساحة العربية بعد حرب غزة قد بدأ يظهر «المحظور» ويخرج الى العلن «مكنونات النفوس» على ضفتي الانقسام، بما يؤكد اننا بتنا امام مرحلة طابعها الوضوح في القاء التهم والتبعات وتحديد المسؤوليات، عما آل اليه الوضع العربي.فالحملات الاعلامية العدائية المتبادلة بين قيادة «حزب الله» اللبناني واركان النظام المصري، وما تضمنتها من اتهامات صريحة بالكذب ساقها الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله ضد هذا النظام، وما قابلها من ردود من ادواته ورموزه طالت امين عام «حزب الله» بنعوت غير مسبوقة في تعاطي النظام المصري مع منتقديه، تقدم انطباعاً قد لا يخطئ ان الطرفين اللذين يمثلان محورين اقليميين متصارعين، قد اتخذا بالفعل قرار المواجهة، كل من الموقع الذي ينتمي اليه ويعتبره الخط الاصوب في اطار الصراع الجديد الجاري في المنطقة بين ارادات دولية واقليمية كانت حرب تموز محطته الاولى وحرب غزة محطته الثانية.لم يسبق لمحور «الاعتدال العربي» ان اشار بمثل الصراحة التي اشار بها الى ايران في اجتماع ابو ظبي، وان ظل مغفلاً تسميتها لاسباب تتصل بدبلوماسية صياغة الكلام التي تحمل من الغضب على «التدخل الايراني في الشؤون العربية» اكثر مما تحمل من العتب على هذا التدخل.ثمة تقارير اعلامية سربت في الآونة الاخيرة عن «قرار حازم» اتخذته دول «الاعتدال العربي» بالانتقال الى مرحلة المواجهة المباشرة مع ايران، ليس على الصعيد العسكري، بل على الصعد الاعلامية والتعبوية لـ«فضح النهج الايراني» والشروع بحملة اعلامية «تثقيفية» مضادة لتحصين المجتمعات العربية مما دعته التقارير (احدها نشر قبل اسبوع في صحيفة الحياة) «الغزو الثقافي» الايراني الذي يتمثل بعلاقات مع منظمات ومؤسسات عربية وتصرف لاجله ايران اموالاً طائلة.وينظر محللون ومراقبون للمواقف الصادرة عن المملكة العربية السعودية في الايام والاسابيع الاخيرة، خصوصاً في الفترة التي اعقبت حرب غزة باعتبارها استعادة لمحطات تاريخية اندفعت فيها الدولة العربية الاغنى لخوض مواجهات مباشرة ضد خصوم عرب واقليميين مثلما حصل مع مصر الناصرية ابان حرب اليمن في ستينات القرن الماضي، قبل ان تعود المياه الى مجاريها بعد هزيمة حزيران 1967 وعودة المملكة الى دعم مصر في حرب تشرين التحريرية وقيام ملكها آنذاك فيصل بقطع امدادات النفط عن الغرب في موقف كلفه حياته لاحقاً.ويتطابق الموقف المصري في نظرته الى التدخل الايراني في الشؤون العربية مع نظيره السعودي، ولم يخف اجتماع ابو ظبي الذي قادته السعودية دعمه الكامل للمبادرة المصرية لاجل احلال التهدئة مع اسرائيل والعمل على اعادة اللحمة الى الاطراف الفلسطينية في اطار ما تؤكد عليه السعودية ومصر ومعهما دول عربية اخرى من شرعية السلطة الفلسطينية ممثلة برئيسها محمود عباس واشتراط اشرافها، الى جانب حركة «حماس» على حركة معبر رفح بين غزة ومصر، وعلى شؤون اعادة الاعمار في القطاع بعد حرب التدمير الاسرائيلية الاخيرة.فالموقف المصري اصيب خلال العدوان الاسرائيلي على غزة بالارباك وفشلت الدبلوماسية المصرية مع وزير الخارجية احمد ابو الغيط في تقديم تبرير مقنع للشارعين المصري والعربي بشأن استمرار اغلاق معبر رفح الامر الذي ادى الى بروز صورة سلبية جداً عن النظام الذي يعاني اصلاً من مشاكل بنيوية و«توريثية» ضاغطة، فجاء اجتماع ابو ظبي للتخفيف عن هذا النظام من وطأة «عذاب الضمير» ولرفده بجرعة دعم معنوي وسياسي يحتاجها في جهوده المضنية لانقاذ دوره الاقليمي ا لمتداعي امام الاندفاعة الايرانية القوية، والتي ازدادت قوتها بعد انتهاء حرب غزة، وكانت آخر تجلياتها استضافة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل في طهران وإسماعه ان «امامكم معارك جديدة» لخوضها، ورد مشعل بالتعهد بتحرير كامل الارض الفلسطينية.والحال ان المشهد بكلّيته ينبئ بتصاعد المواجهات وزيادة انكشافها بين «محور الاعتدال العربي» الآخذ بالتحول الى محور «مقاومة النفوذ الايراني» وايران التي ترى ان حرب غزة، شأنها شأن حرب تموز 2006، لم تحقق لاسرائيل اياً من اهدافها، وتضع نتائج هاتين الحربين على طاولة التفاوض المقبل مع الادارة الاميركية الجديدة، على خارطة النفوذ في المنطقة.ثمة من يقول ان «المعتدلين العرب» اتخذوا قراراً بالتطرف في مواجهة النفوذ الايراني المتنامي الذي يرون فيه تهديداً لانظمتهم وان الوقت لن يطول قبل ان يعلنوا ان ايران «دولة عدوة» لها مطامع في ثروات العرب وبلدانهم وتعمل على الفرقة بين الشعوب وانظمتها والسكوت عنها قد بلغ مرحلة الخطر الذي لا بد من مواجهته، وان اجتماع ابو ظبي جاء استباقاً للقمة العربية الدورية في الدوحة الشهر المقبل لاجل محاولة تنسيق موقف عربي اشمل، يضم دولاً جديدة الى هذه المواجهة. وثمة من يعتقد أيضاً بأن مبادرة التقارب التي اطلقها الملك السعودي في قمة الكويت الاخيرة و«احتضانه» للرئيس السوري بشار الاسد كانت ترمز الى هذا الجهد الحثيث والجدي الذي يرى بأن اخراج سوريا من «الحضن الايراني» سيكون المدماك الصلب للتصدي «لمن يتدخلون في شوؤننا من غير العرب».اما ايران الاسلامية التي تحتفل هذا الشهر بالذكرى الثلاثين لثورتها فتبدو «صامدة» في وجه الضغوط الدولية والاقليمية، والتي كان احدثها تحذير الدول الاوروبية الست طهران من برلين، من إساءة تفسير اليد الاميركية الممدودة لها من باراك اوباما على انها ضعف تجاه قبضتها غير «المرتخية»حتى الآن، والتي لم تتح لوفد رياضي اميركي المشاركة في بطولة تقام فيها لاسباب هي، على الارجح، سياسية وليست «تقنية» تتعلق باجراءات منح تأشيرات تأخر التقدم للحصول عليها.وصفت ادارة الرئيس الجمهوري الاسبق رونالد ريغان بأنها اكثر الادارات الجمهورية «واقعية». ثمة ميل لدى معظم المراقبين لاسقاط هذه «الواقعية» على الادارة الديموقراطية للرئيس باراك اوباما.فهل تؤدي الواقعية الاوبامية الى احتواء ازمة كبرى جديدة في الشرق الاوسط يكون طرفاها عربي – ايراني، ام تلجأ الى «خلق جبهة عربية» بمواجهة ايران اذا شعرت بعدم جدوى سياسة اليد الممدودة واصرت ايران، على ما هو ظاهر حتى الان، على المضي فيما يعتبره الغرب تهديداً لأمن مصالحهم ولأمن صنيعتهم في المنطقة، اسرائيل؟ثمة خشية حقيقية ان تكون منطقة الشرق الاوسط مقبلة على «لغة جديدة» بدأت تجد تعبيراتها من بيروت الى القاهرة الى ابو ظبي وصولاً الى طهران.الله يستر!.
Leave a Reply