غريبة تلك التسمية التي اطلقتها على نفسها دول مثل مصر والسعودية والاردن ونصف دول مثل دويلة محمود عباس في الضفة الغربية وجمهورية فؤاد السنيورة المستقلة في محيط السراي وشارع قريطم وبعض الازقة والزواريب التي احكمت السيطرة عليها «فهود» المستقبل.غريبة تلك التسمية وبعيدة عن العقل والمنطق كبعدها عن ما تدعيه من اعتدال واتزان ورزانة ورصانة. (اطل علينا ميشال المر هذه الايام بنغمة الاعتدال المسيحي).محور اعتدال لأجل من، وبوجه من؟ لاجل فلسطين وبوجه اسرائيل؟ أليس هذا ما يقدم به نفسه هذا المحور؟ والأصح محور اعتدال بوجه فلسطين لأجل إسرائيل. ماذا يعني الاعتدال وفق قاموس اولئك؟ الاعتدال في المطالبة بالحقوق العربية، يعني ان يطالب الفلسطينيون بنصف ارضهم، ونزع نصف المستوطنات «اعتدالاً»، ويعني ايضاً مطالبة سوريا بنصف ارضها المحتلة في الجولان (كي تحصل على الربع). ام هو اعتدال يساوي بين الظالم والمظلوم وبين الجلاد والضحية؟ ويا ليته ساوى بين اسرائيل والمقاومة في غزة وفي لبنان. يا ليته خرس النظام السعودي في الحرب الاسرائيلية على المقاومة في لبنان في تموز 2006، (ليس لاجل شيء سوى احترام قاعدة الاعتدال والمساواة) ووفر على نفسه مغامراته السياسية التي تمخضت جبلاً في حرب تموز 2006 وولدت فأراً في قمة الكويت الاقتصادية الاخيرة. والاعتدال عند فؤاد السنيورة وزمرة 14 آذار هو التشدد في مراقبة تهريب السلاح للمقاومة اللبنانية، وهو والتراخي امام الخروقات الاسرائيلية المستمرة للسيادة اللبنانية في الجو والبر والبحر، والتسامح والتساهل اذا ما قامت اسرائيل بخطف او قتل احد المزارعين الجنوبيين. هو نفس الاعتدال الذي اتبعه فؤاد السنيورة عندما تعاون مع قائد الجيش انذاك العماد المغوار ميشال سليمان واوقف شاحنة الاسلحة للمقاومة في اوج حرب تموز. محق فؤاد السنيورة لانه يعتقد ان دموعه سوف تأتي على جحافل الجيش الاسرائيلي ولا حاجة وقتها للسلاح اذا اغنى عنه البكاء! وهو نفس الاعتدال على قاعدة «يا جبل ما يهزك ريح» الذي مارسه فؤاد السنيورة وفريق 14 اذار عندما احتشد نصف الشعب امام السراي مطالباً بحكومة وحدة وطنية، ولكن للاسف فإن الجبل قد هزه ريح ايار.اما مهزلة السياسة اللبنانية فهي ان يصبح سمير جعجع من منظري محور الاعتدال العربي، وهو ما انفك يمارس هذه الاعتدالية في علاقاته مع التيارات السلفية والجهادية والقاعدية وفي ثنائه عليها وعلى دورها. يغضب سمير عندما يذكره احد بـ«غزوة الاشرفية» في 5 شباط 2006 وينبري دفاعاً عن المقدسات الاسلامية التي اهينت في الدانمارك، (تجليات العيش المشترك) وعن المتظاهرين المسالمين الذين اخترقهم هسام هسام وقادهم عنوة وفي غفلة منهم الى الاحياء المسيحية التي عاثوا فيها تكسيراً وتخريباً. كذلك هو نفس الاعتدال عند فيلسوف «14 آذار» فارس سعيد الذي مارسه في الضجة المفتعلة التي اثارها على خلفية حادثة كنيسة لاسا في جبيل.وهو نفس الاعتدال عند بطريرك «14 اذار» السياسي الذي ما فتىء يحذر «ثوار الأرز» من خسارة الانتخابات النيابية، وهو الذي اعترف بعد طول مراوغة بأنه ضد اعمال المقاومة في لبنان ويفضل ان يحل الخلاف «العرضي» بين لبنان واسرائيل بالكلمة الحسنة والموعظة الطيبة، اما سوريا فهو يرفض رفضاً قاطعاً زيارتها او حتى زيارة من يفترض انهم من رعيته، ودائماً من اجل العدل والاعتدال.اما عن امين «17 ايار» فتلك حكاية طويلة مع الاعتدال منذ عام 1982 وحتى اللحظة،حيث دارت الايام ولف القدر وحط به مرة ثانية في موقعه الطبيعي الذي جعله يشمئز من ذكر حديث الجثث والاشلاء (كلام السيد حسن عن اشلاء الجنود الاسرائيليين قبل عملية التبادل الاخيرة).والاعتدال عند عبدالله الاردني هو تبرع بوحدة دم موبوء، كان محظوظ من استشهد قبل ان يدخل هذا الدم في عروقه ويلوث انسانيته.اما عبدالله السعودي فالاعتدال عنده في حرب غزة هو غيره في حرب تموز لبنان. صمت ثم صمت ثم صمت حتى ينقطع النفس ويجف الدم الفلسطيني المهدور، ويرتوي الثلاثي الصهيوني من العقر والنحر والذبح… وكسر الصمت غالي وثمين، فنجان قهوة نخب المصالحة او نخب المناطحة العربية التي شرعت اطفال ونساء غزة على رياح المعتدي المتربص، ليس ذلك فحسب، بل ايضاً بألف مليون دولار مقدمة الى محمود عباس ومحمد دحلان من اجل اعادة اعمار غزة وفق الشروط الاسرائيلية، حيث على ما يبدو سيتم استبدال الحديد بمادة البلاستيك والباطون المسلح بألواح الخشب السريعة الاحتراق.في مصر يتمثل الاعتدال في الاحترام الابدي اللامتناهي للاتفاقات الموقعة مع اسرائيل، فاحتراماً منها لما اتفقت عليه مع اسرائيل لمراقبة معبر رفح وجعله تحت السلطة الاسرائيلية المحتلة، كما نص اتفاق تنظيم المعابر عام 2005 فإن مصر حسني مبارك المعتدلة تركت الشعب الفلسطيني في غزة عرضة للموت جوعاً وقتلاً تحت الحصار المتعمد الذي فرضته على غزة منذ اكثر من عام. فقط من اجل العدل والاعتدال. لنفس الغاية، تخلى محمود عباس عن خيار المقاومة في عز الحرب على المقاومة في غزة، تخلى عن شعبه وآسى شعب اسرائيل جراء بضعة صواريخ سقطت في مستعمرات الشمال المحاذي للجنوب اللبناني، يا للانسانية، لا بل يا للاعتدال!.والاكثر غرابة هي تلك الشعوب العربية النائمة والمنضوية تحت رايات انظمتها، ليس صحيحاً القول بأن حسني مبارك يحكم كل شعبه بالحديد والنار، وليس صحيحاً بأن الشعب السعودي هو مغلوب على امره، وليس صحيحاً بأن محمود عباس لا يملك حيثية في الضفة ولا يمثل فتح. وليس صحيحاً بأن شعب الاردن كله يعارض حكم عبدالله الثاني، ليس صحيحاً في كل الدول العربية ما يشاع من ان الشعوب هناك مغلوب على امرها، فجزء كبير من هذه الشعوب اصبحت رافعة للانظمة التي تحكمها، بل وتقدس رجالها وتقدم لها فروض الطاعة صبح مساء، بعد ان استطاعت هذه الانظمة ان تروض شعوبها تحت شعارات من قبيل التنمية الاقتصادية والرفاه الاجتماعي ومستقبل الابناء وحب الحياة ونبذ التخلف، وذلك يقتضي ان ننفتح على الغرب المتطور وان نفتح له اسواقنا الاقتصادية والثقافية، ونسير في ركب التطبيع مع اسرائيل وننحني امامها ونطأطئ لها رقابنا، او نكون معتدلين، لا فرق.اما عن اكتساح اليمين المتطرف للانتخابات في اسرائيل، فذلك درس يجب ان تتعلمه تلك الشعوب الخاملة على امتداد العالم العربي، وهو انه كلما انحنيتي امام اسرائيل كلما زاد استعلاؤها، وكلما اعتدلتي وتملقتي كلما ازدادت اسرائيل تطرفاً واحتقاراً لكِ ولعروبتِك.
Leave a Reply