يشعر المتتبع للعلاقة بين الدول العربية ومحيطها من الدول الإسلامية غير الناطقة بالعربية، بأن العلاقة ليست مبنية على أساس مصالح مشتركة أو إحترام متبادل بأسس قانونية يحكمها القانون الدولي ثم يتعداها إلى المثل العليا التي أقرها الإسلام، كالتعاون فيما بينها، وحسن الجوار، ليصل ألى التحالف ثم إلى الإتحاد، وأصبح هذا الشعور حلماً بعيد المنال ، بل هيمن اليأس والقنوط من تلك الإماني بعد أن مرّت شعوبها بتجارب مرّة فاشلة فيما بين الإنظمة العربية، وما تجربة «الجمهورية العربية المتحدة» بعيدة عنا، يوم كانت محاولة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر لتشكيل إتحاد عربي بين مصر وسوريا والعراق، سرعان ما أجهض المشروع في مهده، ثم جاءت محاولة الإتحاد بين العراق وسوريا عام 1979 أما محاولات إقامة المشاريع المشتركة، فما على المتتبع إلا قراءة تاريخ المؤتمر الإسلامي، والجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي، والمجلس المغاربي.. ألخ، ومعرفة ما أنجز من هذه المشاريع؟ما هي الإسباب؟ ومن وراء هذا الفشل الذريع؟لعل من يؤمن بالسنن الإلهية يجيب ببساطة إن الخلل واضح، لأن القوم ابتعدوا عن روح الإسلام وتمسكوا بقشوره، والحال إنهم مسلمون آمنوا بالله سبحانه، وقد أخبرهم في كتابه الكريم {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (آل عمران 301)، وأية أخرى إن سبب هذا الضياع وهذا التمزق هو البعد أن طاعة الله سبحانه. يقول تعالى {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (ألأنفال 64)، أما من يؤمن بالسنن الكونية الإلهية فعنده معادلات أخرى أهمها:أولاً: العلم ويقابله الجهل، وهنا لابد من الإعتراف بمستوى الجهل الذي تعاني منه أمتنا بمصالحها العليا. ثانياً الوعي: ويقابله التخلف، وقد انخدع الناس في عالمنا العربي بتطور البناء وكثرة الأبراج وهي من هندسة الغير، ونحن لا نملك أن نصنع سلاحاً خفيفاً نحمي به مقدساتنا وكرامتنا التي تسحق كل يوم. ثالثاً الضعف الذي اصاب الأمة في الصميم، وهو الوباء الأعظم وذلك بسبب النزاع الذي لم ينته ولن ينتهي على أتفه الأمور؛ مرة نزاع على الحدود وأخرى على الزعامة وثالثة على المذهب، ولعل الأرواح التي أزهقت في العراق لم يكن سببها الكرسي وإنما على الهوية. ثم يأتي بعد ذلك من يحاول أن يخفي هذه المصائب والكوارث ويغطي تلك العيوب والمخازي بإتهام الآخرين، فينتهي من عدو ويصطنع آخر، بالأمس كان الإتحاد السوفياتي المتهم بالإلحاد يتآمر على العرب، أما إسرائيل فهي في نظر هؤلاء سبب تأخر الأمة وتخلفها وهي التي تؤجج الصراع بين الأخوة العرب، وهي التي أمرت صدام دخول الكويت، وهي التي أشعلت فتيل الحرب بين قطر والبحرين، وهكذا دواليك! أما العدو الصديق فهو أميركا التي كان دورها حماية الإنظمة من السقوط، فإذا بها تقلب الطاولة فتطيح بدولتين وكانت في طريقها للدولة الثالثة، كل أولئك هم من يدبروا المؤامرات لإجهاض مشروع الأمة التليد.إيران تستهدف السيادة العربيةلا زال المسكونون والمهووسون بمرض المؤامرة على هذه الأمة يتخبطون في تحديد من هو عدوهم الذي يتربص بهم، فكل العالم أصبح عدو هذه الأمة ولم يبق لها صديق، وهؤلاء المرضى مثلهم كمثل بني اسرائيل الذين وصفهم القرآن بقوله: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُون}. إن هؤلاء أدمنوا على حبك المؤامرات وإيهام الناس بأعداء وهميين، وإبعادهم عن عدوهم الحقيقي وهو العجز والفشل عن مجاراة العالم في التطور وصناعة المستقبل الزاهر لشعوبها، إن هذه التحاليل المجحفة التي تقول: «قرون من «عدم الثقة» بين العرب والإيرانيين وعقود من محاولات الزعزعة» … « إيران تستهدف السيادة العربية بعد حصادها «المُر» في غزة ولبنان» (الحياة – 2009/1/28). أي مرّ هذا الذي حصدته إيران في غزة وجنوب لبنان، أظن كاتب التحليل يقصد المرّ الذي سقته المقاومة المؤمنة للعدو الإسرائيلي ثم سريان هذا، المرّ إلى الذين كانوا يراهنون على هزيمة المقاومة في الحالتين، اللبنانية والفلسطينية. أما القول بتفاقم المخاطر للنفوذ الإيراني في البلاد العربية وتدخلها غير الحميد في شؤون أقلياته، فهذه السيمفونية انتهت في الثمانينيات وثبت بطلانها، كما أن التهويش بالتغلغل الذي أضحى مهدداً حقيقياً للأمن الإقليمي والعربي، هذا كلام اسرائيل وكلام إدارة بوش الذي كان يلوح به طول سنين حكمه، وعجزت اسرائيل ومن ورائها أميركا أن تقنع العالم بهذه الإكاذيب، ولا فرق بينها وبين فرية «أسلحة الدمار الشامل» التي هلك بسببها دكتاتور العراق، فلم يبق إلا هؤلاء الذين يكتبون عن مصادر ديبلوماسية غربية، حتى تكون أصدق قولاً للتحليل الذي يريدون، بل أكثر من ذلك التهديد بإجراءات «وقائية» عربية تتسم بالقوة، عن أي قوة يتحدثون، عن القوة التي هزمت اسرائيل طوال ستين عاماً أم القوة التي أخرجت صدام من الكويت أم القوة التي منعت سقوط طالبان.يكاد المريب يقول خذونيإن المشكلة الجوهرية التي لا مناص من الحديث عنها مهما حاولنا إخفائها بالإعتماد على التحاليل الغربية والقول عما تراها صحيفة «نيويورك تايمز» التي نقل الراغبون تحليلها نيابة عنهم بأن أخطر عقبة تصطدم بها مساعي إيران التوسعية في نشر الثقافة الإيرانية تتمثل في صعوبة «تسويقها» لدى مسلمي الاقطار العربية الذين تنتمي غالبيتهم إلى المذهب السني، ثم يقول كاتب التحليل في إشارة مفضوحة «فإن الضيق العربي من تمدد النفوذ الإيراني في البلدان العربية لا يعزى إلى تحفظات مذهبية أو طائفية»، إذاً فما تفسير هؤلاء الى تحذير الملك عبدالله الثاني من خطر «الهلال الشيعي»، وما هو تفسيرهم لاتهام الرئيس حسني مبارك من أن ولاء كل الشيعة في العالم هو لإيران لا لأوطانهم، وما قولهم في طلب النجدة والإستغاثة لرئيس مكتب الإتحاد الإسلامي العالمي فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي، والتحذير من الغزو الشيعي للمجتمعات السنية؟ بعد كل هذا، يقول التحليل الذي نشر في صحيفة «الحياة» إن القلق والخوف ليس مذهبيا.
Leave a Reply