الخطة تنزل الى الميدان بعد انتصارها بمعركة تشريعية ضارية.. وحرب التشكيك مستمرةواشنطن
– بدأ الرئيس الأميركي باراك اوباما الاثنين الماضي أسبوعا جديدا يركز فيه
على الاقتصاد مدعوما بانتصار تشريعي من الدرجة الأولى بعد تصويت الكونغرس
على خطة ضخمة للإنعاش الاقتصادي تعتبر أغلى قرار تشريعي في تاريخ أميركا.وهذه
الخطة التي وقعت بعد اربعة أسابيع من تسلم الرئيس مهامه في البيت الابيض
مما يحمل اهمية رمزية، والبالغة قيمتها 787 مليار دولار، ليست سوى بداية
كما كرر اوباما ومستشاروه مرارا.واعلن روبرت غيبس المتحدث باسم الرئيس
الاميركي الاحد على شبكة «سي ان ان» «ان الولايات ستتلقى اموال خطة
الانعاش في وقت سريع نسبيا» من اجل «تفادي صرف عناصر شرطة واطفاء او
مدرسين من الخدمة». والاربعاء الماضي تحدث اوباما في فينيكس (اريزونا،
جنوب غرب) عن مشاريعه لمواجهة الازمة العقارية.ومنذ
الجمعة الماضي، نبه اوباما الى ان خطة الانعاش «مرحلة حاسمة. لكن مهما
كانت اهميتها فانها ليست سوى بداية لعملية ستكون طويلة وصعبة من اجل اعادة
اقتصادنا الى الوقوف على قدميه».وكان وزير الخزانة تيموثي غايتنر اعلن
قبل ايام انشاء هيئة لرؤوس اموال مشتركة خاصة وعامة مجهزة بـ500 مليار
دولار في مرحلة اولى لشراء الاصول المشكوك فيها في المصارف.والخميس، توجه اوباما الى كندا في اول زيارة له الى الخارج تمحورت حول الاقتصاد.وفي
هذا السياق، يعتبر بقاء شركات صناعة السيارات الثلاث الكبرى في ديترويت
«جنرال موتورز» و«فورد» و«كرايسلر» امرا حيويا لكندا
التي تملك مصانع كبرى في اونتاريو. وفي موازاة هذه التنقلات وحتى ان كان
الكونغرس الاميركي في عطلة، فسيكون لا بد لاوباما اخيرا ان يستوعب المعركة
السياسية التي خاضها في الاسابيع الاخيرة في واشنطن.ففي الواقع، وضع
الجمهوريون كل طاقاتهم لمعارضة خطته لانعاش الاقتصاد في مجلس الشيوخ وفي
مجلس النواب، في ما يشكل رفضا لرغبته في الحكم فوق الاحزاب. واكد غيبس
«انه سيستمر في مد يده وسيبقى متفائلا لجهة ان الجمهوريين سيبدأون في
التقاطها».وقال جون ماكين منافس اوباما الذي لم يحالفه الحظ في السباق
الى البيت الابيض، الاحد عبر شبكة «سي ان ان» «سنبدأ من الصفر وسنجلس معا
حول طاولة واحدة»، مشيرا الى «اسوأ التحديات التي تواجهها الولايات
المتحدة».
أوباما انتزاع موافقة الكونغرس على خطته لحفز الاقتصاد المثيرة للجدل، لكن
لم يطو بعد السجال الذي رافقها بين من يعتقد بأنها طوق النجاة الوحيد
لأكبر اقتصاد في العالم ومن يراها تبديدا لأموال دافعي الضرائب بدون طائل.
الخطة -التي تكلف 787 مليار دولار من أموال الخزينة المثقلة بديون
بالتريليونات- هي «الإجراء اللازم لمنع تحول الأزمة الاقتصادية إلى كارثة»
وفقا لأوباما، أو ربما لمنع تحول الركود المتعمق إلى «كساد عظيم» آخر.
ومهما يكن فإن الخطة التي ستنفذ خلال ثلاث سنوات تمثل أكبر إجراء من نوعه
في التاريخ الأميركي من حيث حجم الإنفاق ونطاقه، وهي تقوم على برنامج كبير
للإنفاق العام لتوفير ملايين الوظائف، وآخر أصغر للإعفاءات الضريبية
لتشجيع الأفراد والمؤسسات على زيادة الاستهلاك والاستثمارات.
الخلاف في الإنفاق العام كنظرية، فغالبية الجمهوريين طالبوا بحزمة حفز عبر
خفض الضرائب حصرا، بل إن الزعيم الجديد للحزب -مايكل ستيل- ذهب في تسفيه
فكرة الإنفاق الحكومي إلى حد القول «ليس في تاريخ البشرية حكومة وفرت فرصة
عمل واحدة».وحتى الوظائف التي توفرها تعاقدات الحكومة مع القطاع
الخاص، فهي في نظر ستيل أعمال وقتية تنتهي بانتهاء العقد، بينما القطاع
الخاص هو الذي يوفر فرص تشغيلية على المدى الطويل وبصورة دائمة.جمهوريون
آخرون عارضوا برامج الإنفاق استنادا إلى أن كلفة الوظيفة الواحدة التي قد
تنشأ عن الخطة تبلغ 275 ألف دولار طيلة السنوات الثلاث. وبنهاية هذه
السنوات يكون الفرق بين ما ينتجه الاقتصاد وما يستهلكه الأميركيون ثلاثة
تريليونات دولار عجزا في الميزانية وفقا لمكتب الميزانية ذاتها. رأي
ستيل هذا -رغم حدته- ليس وجهة نظر حزبية، فعلماء وخبراء اقتصاد آخرون
عارضوا منطق الخطة وشككوا في قدرتها على تحقيق هدفها: توفير 3,5 ملايين
وظيفة أو منع ضياعها خلال سنواتها الثلاث.فأستاذ الاقتصاد المعروف في
جامعة هارفارد روبرت بارو يرى أن «الخطة قد تكون الأسوأ منذ الكساد
العظيم». واستبعد أن «تعمل برامج الإنفاق كما هو مخطط لها»، وقال إن الخفض
الضريبي هو الكفيل بإنهاء الركود. وفي كتاب حديث له بعنوان «الاقتصاد
الكلي» يقول بارو إنه في مقابل كل دولار من الإنفاق الحكومي، لا ينمو
الناتج المحلي بأكثر من ثمانين سنتا فقط. وبالتالي فإن العائد أقل من
الكلفة. ومما يعزز رأي المنادين بالخفض الضريبي أداة لإنعاش الاقتصاد
حقيقة أن النشاط الاقتصادي الأميركي يعتمد في 70 بالمئة منه على الاستهلاك
المحلي، فزيادة الادخار يعني تراجع الإنفاق وانكماش الاقتصاد.شاهد من التاريخوإذا
ما استحضرت تجارب تاريخية مماثلة، كخطة نيوديل إبان الكساد الكبير، يتبين
أنها لم تكن السبب في إنهاء الكساد، حسب كريستينا رومر التي تعمل ضمن فريق
أوباما الاقتصادي. وتضيف كريستينا أن التحسن الاقتصادي كان نتيجة توسع
نقدي ناجم عن تدفق النقد والذهب إلى الولايات المتحدة.المعلق
الاقتصادي فيرونيك دو روغي يستحضر تجربة حديثة للتشكيك في فاعلية خطة
أوباما، ويقول إن دافعي الضرائب لا يزالون يتذكرون خطة بوش لعام 2001 المعروفة باسم «قانون الخفض الضريبي» وخطته لعام 2008 المسماه «قانون
الحفز الاقتصادي». وكلا الخطتين فشلت في اعتقاده. الشك في جدوى الإنفاق
كمحرك للنمو يقابله يقين في قدرة الخفض الضريبي على إحداث استدارة في دورة
الاقتصاد، حسب منتقدي سياسات الإنفاق العام. ويعتقدون أن الأفراد
والمؤسسات أكثر سرعة وحكمة في اتخاذ القرارات المتعلقة بإنفاق واستغلال
الأموال التي توفرها لهم هذه التخفيضات.ويضيفون أن التجربة تظهر أن
ترك المؤسسات التجارية والأفراد لتحديد خياراتهم الإنفاقية اعتمادا على
الحقائق والأرقام الاقتصادية أثبت أنه الأسلوب الأمثل لتعزيز الطلب
وبالتالي إعادة الحياة إلى الاقتصاد.كيف ينفق المستهلك؟لكن في
مقابل هذه الشكوك، يرى المؤمنون بفاعلية الإنفاق العام كحافز اقتصادي أن
الأفراد والشركات لا تتصرف بأموال التخفيضات الضريبية على النحو المأمول
لتحريك الاقتصاد ودفع عجلة النمو للدوران.ففي استطلاعين حديثين نشرهما
موقع «ماركت ووتش»، أظهرت النتائج أن نحو 80 بالمئة من المشاركين قالوا
إنهم سيستخدمون تلك الأموال في تسديد ديونهم وادخار ما يتبقى منها. أما
الباقون فقالوا إنهم سينفقون هذه الأموال، وهو ما يعني أن 20 بالمئة فقط
من أي إنفاق حكومي يحقق غايته. وبين هذين الرأيين فريق ثالث يعتقد أن
نظرية الحفز الاقتصادي سواء عبر الإنفاق أو الخفض الضريبي تعاني مشكلات
خطيرة. أخطرها -حسب دو روغي- هي من أين تؤمن الحكومة أموال الحفز؟ من
الاقتصاد ذاته: إما بالاستدانة أو زيادة الضرائب. وبالتالي تتحول خطط
الحفز عبئا على الاقتصاد.بقي أن نعرف مقياس الحكم على فشل خطة أوباما
أو نجاحها. وثمة اختبار سياسي للحكم عليها سيحين منتصف العام المقبل حينما
يواجه الديمقراطيون المصوتين في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس.
Leave a Reply