احتجاجات فـي المنطقة الشرقية تنديدا بمواجهات المسجد النبوي
الاحتقان الطائفي يتزايد بين شيعة وسنة السعودية
الرياض – بعد أسبوع فقط من الإعلان عن تغييرات مؤسسية جذرية في المملكة، شهدت السعودية في الأيام الأخيرة توترات طائفية شديدة وصلت الى حد استعمال العنف، ويبدو ان تظاهر مئات من السعوديين الشيعة في مدينة العوامية القريبة من القطيف (شرق) الأربعاء الماضي لن يكون آخر الفصول على هذا المستوى، فالتظاهرة التي جاءت غداة تظاهرات ومواجهات شهدتها ساحة المسجد النبوي في المدينة المنورة خلال الأيام الماضية وخصوصا الاثنين الماضي تفتح الباب امام احتمالات واسعة.
ورغم ان المراقبين يرون انه لا يمكن فصل الاشتباكات التي شهدتها المدينة المنورة أخيراً، عن التوترات السياسية بين إيران وبعض الدول العربية، ولا سيما أن الصبغة الطائفية تعتري تلك الصدامات، إلا أن آخرين يرون ان الاحتجاجات الشيعية هي تحصيل حاصل بسبب القمع والتمييز الديني الذين يلاقونه في المملكة السعودية.
وقبل انتقال الاحتقان والتظاهرات الى المنطقة الشرقية (ذات الكثافة الشيعية) والتي تدخلت قوات مكافحة الشغب لقمعها وتفريقها كانت الشرارة الأولى في ساحة المسجد النبوي في المدينة المنورة.
فقد قال المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية السعودية اللواء منصور التركي ان تسعة اشخاص القي القبض عليهم الاثنين الماضي عقب شجار مع مصلين آخرين في ساحة المسجد النبوي، واشار الى انه يجري التحقيق معهم لمعرفة دوافعهم، نافيا وقوع ضحايا.
ووفقا لمواقع شيعية وبيان لجمعية “حقوق الانسان اولا” فان الاحداث اندلعت في الاساس الجمعة قبل الماضي بسبب قيام احد اعضاء هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر (الشرطة الدينية) بتصوير مجموعة من النساء الشيعيات خلال زيارتهن لمقبرة البقيع المجاورة للمسجد النبوي والتي فيها رفات معظم الصحابة.
الا ان صحف محلية اشارت الى ان الاحداث اندلعت عقب تدخل رجال الهيئة لمنع الزوار الشيعة من القيام بممارسات تعد مخالفة في السعودية، مثل التبرك بقبور بعض الصحابة.
وبحسب الصحف، هاجم الزوار في وقت لاحق مركز الهيئة القريب من الحرم النبوي وحاصروه.
ونقلت الصحف عن امير منطقة المدينة الامير عبدالعزيز بن ماجد آل سعود الثلاثاء قوله “ان المتسببين في احداث البقيع احيلوا للمحاكمة وسيعاملون بمقتضى الانظمة”، مشيرا الى ان “من يأتي الى المسجد النبوي لتأدية مناسكه وفق السنة فهو مخدوم في كل شيء، ومن يفعل ما يتعارض مع السنة ويدخل في متاهات ولا يلتزم بالنظام فلن يسمح له وسيطبق بحقه النظام”.
من جهته، افاد تلفزيون العالم الايراني الناطق بالعربية ان سعوديين شيعيين من منطقة القطيف قتلا في مواجهات الاثنين الماضي، وذلك نقلا عن شهود عيان.
وذكر التلفزيون ان مجموعة من الشيعة كانوا يحيون ذكرى استشهاد الامام الثاني، الامام الحسن، المدفون في مقبرة البقيع عندما جرت مواجهات بينهم وبين هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وجاءت المظاهرات العوامية الثلاثاء الماضي لتظهر غضب المواطنين الشيعة لأنه حسب قول المشرفين على التظاهرة ان “فئة ضئيلة من الناس من اي مذهب اسلامي هي من تقبل تصوير النساء من دون اذن مسبق بذلك”.
وعبرت منظمة “حقوق الانسان اولا” في بيانها الذي نشر الثلاثاء الماضي عن “استنكارها الشديد للتهجم على الشيعة زوارا ومقيمين في المدينة المنورة”، وحذرت “الحكومة السعودية من عواقب كارثية إذا لم تسارع لردع مثل هذه الإعتداءات على جزء من شعبها”، ودعت الى “تحقيق نزيه يقدم بمقتضاه المتسببون في هذه الاحداث للمحاكمة”.
ونظمت التظاهرتان في المنطقة الشرقية الثلاثاء الماضي احتجاجا على “ممارسات الشرطة الدينية، وقوات الامن بحق الزوار الشيعة في المسجد النبوي في المدينة المنورة” مساء الاثنين الماضي، وفق مواقع شيعية على الانترنت، والتي اشارت ايضا الى ان قوات الامن فتحت النار على المتظاهرين.
والجدير بالذكر، ان الشيعة يشكلون مابين ١٠ بالمئة و٢٠ بالمئة من سكان السعودية الأصليون الذين يقدر عددهم بأكثر من ١٧ مليون نسمة، يتركّزون جلهم في المنطقة الشرقية، وهي منطقة غنية بالنفط ومتاخمة لدولة الكويت وجنوب العراق. ويجتاح الآلاف من أتباع الطائفة الشيعية كل سنة المنطقة الجنوبية للمدينة بهدف قضاء عطلة الشتاء المدرسية.
في المقابل، انتقد عالم الدين السعودي، الشيخ حسن الصفّار، تغاضي السلطات إزاء ممارسات هيئة الأمر بالمعروف بحق الشيعة، مطالباً الملك عبد الله بوضع حد لتلك الممارسات. وطالب الشيخ الصفّار، في بيان نشره على موقعه الإلكتروني، الملك عبد الله “بوضع حد لممارسات التشدد والإهانة التي يواجهها الزائرون الشيعة لمقبرة البقيع في المدينة من جهات تابعة لمؤسسة دينية رسمية، وكان آخرها التعرض لحشد من نساء من القطيف والأحساء بالإهانة والهتك مساء الجمعة الماضي”.
وطالب الشيخ الصفّار بإطلاق المواطنين الموقوفين، ومحاسبة الجهات التي سبّبت ما حدث، وأبدى قلقه من تلفيق التهم لأولئك الموقوفين وتبرئة المعتدين.
والمعروف انه يهيمن على الحكومة السعودية أتباع طائفة السنّة التي تستلهم من عقيدة الوهابية الأصولية، المتميّزة بالتشدد الكبير.
وجاء هذا التوتر الطائفي بعد التغييرات الجذرية التي قررها الملك عبد الله في ١٣ شباط (فبراير) الماضي والتي اتسمت على الخصوص بإعادة تشكيل “هيئة كبار العلماء” وهي أعلى سلطة دينية في البلاد. وتوسّعت الهيئة لأول مرة لتشمل ثلاثة من مذاهب الإسلام السني الأخرى (المالكي، الحنفي والشافعي)، بينما كانت عضويتها في السابق تقتصر بكاملها على أتباع المذهب الحنبلي المعروف بالتشدد… وتبقى الطائفة الشيعية من غير تمثيل فيها.
Leave a Reply