الفلسطينيون لم يحمكوا أنفسهم عبر التاريخ، فهم كانوا جزءاً من إمبراطوريات متعاقبة الرومانية والإسلامية والعثمانية والبريطانية، وصولاً إلى حكم مصري لقطاع غزة، وأردني للضفة الغربية، فاحتلال إسرائيلي مقيت، تبعه انشطار لكيانين هزيلين متحاربين تحت الاحتلال لا يعترف أحدهما بالآخر، ولا يرقى أي منهما لمرتبة دولة.
جاء ذكر “دولة فلسطين” لأول مرة في المطبخ السياسي الأميركي، على لسان الرئيس السابق جورج دبليو بوش أبان ولايته الثانية، من باب مثل فلسطيني يقول “هيك مزبطة بلزمها هيك ختم”، وكأن حال الرئيس الأميركي يقول إن أزمة مستعصية ومعقدة كأزمة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، لا ينفع معها سوى إطلاق بالون في الهواء، من شأنه تشتيت أنظار الفلسطينيين ورؤاهم، وهكذا كان، فـ”الانقلاب” الذي حصل في غزة أو هكذا يوصف كان سببه ذلك البالون. هل نحن مع دولة فلسطينية أم ضدها؟
وياليتهم قبل أن طرحوا هذا السؤال، واختلفوا حوله، طرحوا سؤالاً آخر أكثر إلحاحاً: هل أبقت إسرائيل كياناً قابلاً للحياة يصلح أن تقوم عليه الدولة؟ لكانوا وفروا على أنفسهم عناء الاحتراب والتفكك وتعريض الأبرياء في غزة إلى عدوان إسرائيلي همجي، راح ضحيته ١٣٠٠ شهيداً وآلاف الجرحى ودمار هائل للحجر والشجر.
كان على المعنيين بالشأن السياسي الفلسطيني بدل أن يعلقوا أنظار شعبهم بدولة وعد بها بوش، أن يطالبوا بتجميد بناء المستوطنات في الضفة الغربية والتي جعلت منها صفحة كالغربال، مع ما يرافقها من مصادرة أراضي وتهديم بيوت للفسطينيين خاصة في الضواحي القريبة من القدس، وطرق التفافية خاصة بالمستوطنين ممنوع على العرب السير عليها أو الاقتراب منها، حتى بالنسبة لأصحاب أراض زراعية ممنوع عليهم فلاحة أراضيهم وقطف زيتونهم إذا ما كانت محاذية للمستوطنات وإذا ما حاولوا الاعتراض تلقوا رصاصات المستوطنين، أو الهجوم عليهم وتوقيفهم أو حبسهم من جانب قوات الاحتلال المنتشرة ضمن أكثر من ٥٠٠ نقطة تفتيش على الطرق الفلسطينية فيما بين المدن والقرى والأحياء، كلها موجودة لحماية المستوطنين والمستوطنات.
كان على الساسة الفلسطينيين أن يطالبوا بوقف الجدار العازل على طول حدود الضفة الغربية، والذي جعل منها سجناً كبيراً، قضم جزءاً من أراضي الفلاحين وشتت شمل العائلات وأرهق الناس في أسفارهم وتنقلاتهم، وكان عليهم الطلب بوقف عمليات تهويد مدينة القدس والضغط على الأهالي فيها من العرب لإجبارهم على الخروج منها، وتحويلها قلعة يهودية لتستحق في نظرهم أن تكون عاصمة إسرائيل الموحدة الأبدية، كان عليهم البحث في تفاصيل كثيرة معيشية واستراتيجية قبل أن يفكروا في قيام دولة يختلفون عليها ويتحاربون.
حتى لو فكروا وحتى لو استجابت اسرائيل لمطالبهم بتجميد المستوطنات ووقف بناء الجدار العازل والامتناع عن مواصلة تهويد المدينة المقدسة، وتيسير الأحوال المعيشية للناس، لما أمكن قيام دولة، فأي دولة هذه تحترم نفسها ويحترمها الآخرون ليس بمقدورها السيطرة على سكانها (الفلسطينيين والمستوطنين)، ولا تحمي حدودها ولا تفرض أمناً ولا تنفذ قانوناً على الجميع، وتنتظر فتات الإسرائيليين والأونرا والدول المانحة.
ثم إن إسرائيل بعد هذا الانشطار في الصف الفلسطيني تدعي أنها لا تجد أحداً تفاوضه، فهي تعتبر المقاومة الإسلامية في غزة حركة إرهابية، والسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية شريكاً غير موثوق بشراكته. وعليه ضاع حلم الدولة الفلسطينية في هذا الزمن الراهن، مثلما ضاع حلم الإسرائيليين بإقامة دولة يهودية من البحر إلى النهر.
Leave a Reply