لم يهنأ المواطن السعودي ببادرة الإصلاحات التي بدأها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله في الاسبوع الماضي، وهي المرة الأولى التي تقدم فيها حكومة المملكة لمحاولة تغيير النمط السائد في الجهاز الديني بشكل عام وفي جهاز القضاء وجهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بشكل خاص، إن التوقعات التي أنعشت الآمال باختيار إسماء جديدة حملتها القائمة الموسعة لأعضاء هيئة كبار العلماء التي بلغت ٢١ عضواً بعد ان كانت ١٢ فقط، وزاد الأمال إعلان الهدف من هذا التغيير، وإختيار الأسماء التي كلفت بإحداث التغيير المزمع، وذكر مراقب مقرب من جهاز القضاء إن وزير العدل الجديد الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى الذي كان يشغل منصب نائب رئيس ديوان المظالم، سوف يقوم بإحداث نقلة نوعية في جهاز القضاء السعودي، أما الشيخ د. صالح بن عبد الله بن حميد، يأمل المراقبون أن يكون له دور لتحويل رؤية الملك إلى واقع منجز بعد إن كان لجهاز هيئة الأمر بالمعروف سمعة سيئة أضرت بالوطن وأهله.
سمعة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
لم تكن سمعة الهيئة داخل وخارج المملكة بالحسنة، فتاريخ الهيئة مكتظ بالمخالفات والتجاوزات، ولا يمكن إن تجد منطقة في المملكة ليس لها قصة محزنة مع الهيئة، فبدل أن يكون دورها هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تقمصت دور الشرطة الدينية، حتى بات الناس يفزعون ويخشون الموت إذا وقع أحد من المواطنين في قبضتهم، وتحول هذا الرعب إلى إجماع عند المواطنين دون تمييز بين منطقة وأخرى أو مذهب وآخر، وأدركت الحكومة تدني مستوى العلاقة بين عامة الناس في الوطن وبين رجال الهيئة، وسارعت لتدارك هذه المعضلة بعد أن تفاقمت وأصبحت مطلب الحكومة قبل المواطن حفاظاً على سمعة الوطن، ومحاولة لرد الإعتبار للمواطن الذي انتهكت حقوقه الشخصية، فلا يكاد المواطن يمشي مع زوجته أو اخته أو حتى أمه في الأماكن العامة إلا ويحسب حساب المواجهة، وربما التعدي والهجوم من رجال الهيئة دون سابق إنذار، ولم تسلم المؤسسات المحمية من الدولة من الإنتهاك ولعل الذي سرّع بهذا التغيير ماحدث في الشهرين الماضيين من هجوم على معرض الكتاب في الرياض مع أن المعرض تحت إشراف وزارة الإعلام، والهجوم الثاني على المعرض الذي أقامته جامعة اليمامة بالرياض وشارك فيه إثنان وستون جامعة عالمية. وسبب إحراجا للحكومة مما اضطر نائب أمير الرياض الأمير سطام للتدخل.
من يجرؤ على إنتقاد الهيئة
لقد تحدث رئيس تحرير جريدة الرياض تركي السديري بما لم يجرؤ عليه أي صحفي وذكر بهذا النص الذي نشر في جريدة الرياض قوله “عندما أعود إلى الهيئة التي لم يعاقب أي متجاوز فيها بجزاءات معلنة ومعروفة عند أحد بما في ذلك لو حدث موت بسبب تهشم الرأس أو تدمير أسرة بسبب التشهير وتعميم الفضيحة… عندما أعود إلى الهيئة التي نجحت في جانب ساندت به أجهزة الآمن بتعقب المخدرات لكن بفضل وعي الامن وكفاءة العاملين فيه وفشلت في قبول عضوية المجتمع لها بسبب خروجها المستمر عن الموضوعية وتوريط المجتمع بتصرفات مع عناصر أجنبية غير معقولة إطلاقا، حيث أذكر قبل أربع سنوات تقريباً أن وصلت مكتبي سيدة هولندية تشكو من انه قبض عليها لأنها لم ترتد العباءة.. بينما كانت تتجه لشراء العباءة وتتساءل: ماذا أفعل.. إنهم في الطائرة لا يبيعون العباءات. سيدة أوروبية أخرى قبض عليها مع مرشد سياحي بتهمة الخلوة المحرمة حيث كان يشرح لها عن الموجودات قريباً من فريقها. الأمثلة كثيرة، المؤسف المضحك في رؤيتنا لأنفسنا عبر المصداقية أو الكذب من خلال تناقض تصرفاتنا فنحن في الداخل معظمنا شيء مختلف تماماً عما عليه في الخارج”، إنتهى كلام تركي السديري وقد تنبأ بحل هذه الهيئة التي لم تجلب إلى المجتمع إلا الخراب والدمار.
أحداث المدينة المنورة
إن ألأحداث التي جرت يوم الجمعة والإثنين في ساحة حرم الرسول الأكرم محمد (ص) إستفزازا واعتداءا من أفراد الهيئة على النساء إثناء زيارتهن لمراقد أئمة البقيع عليهم السلام، وهذا الإعتداء هو الشرارة التي أشعلت الأزمة وتحولت الأحداث فيما يشبه السجال بين أجهزة الأمن والزوار من الشيعة، ومع الأسف أن الحكومة وقعت في الفخ الذي نصبه المتشددون وجعلت الدولة طرفاً في الصراع بدل أن تنصف المظلوم وتحقق في الأسباب جندت وسائل الإعلام لكيل الإتهامات للمواطنين الشيعة والدفاع عن المتشددين الذين أشعلوا نار الفتنة بعد أن خططوا لها، فبعد أن أوجعتهم ضربة التغيير التي طالت مراكزهم الحساسة في رئاسة القضاء والهيئة أخذوا يبحثون عن رد إعتبار فما وجدوا أفضل من الهجوم على الشيعة، حتى يوصلوا الرسالة إلى الرئيس الجديد أنه لا مناص من الإعتماد على رجال الحسبة لحفظ المقدسات، ولم تعي الحكومة أن الذي حدث هو ضربة لمشروع خادم الحرمين الشريفين الإصلاحي الذي تكافل معه جميع أبناء الوطن، وقد ساعد إلإعلام الرسمي بتغطيته للحدث وبطريقة غير مهنية، على تأجيج مشاعر المواطنين وتأليبهم على أخوانهم في الوطن الواحد، وقد بالغت بعض الصحف في الثناء على الهيئة وتجريم الضحية، نأمل أن تتنبه الدولة للحفاظ على مواطنيها، فإن المواطن ليس له من يدافع عنه إلا حكومته ووطنه.
Leave a Reply