في إحدى المقابلات التلفزيزنية، سئل الفنان الكوميدي السوري أيمن رضا عما يضحكه، فأجاب: أكثر ما يضحكني هو المسلسلات التاريخية!. قد يبدو هذا الجواب غريباً إلى حد ما، خاصة وأن المسلسلات التاريخية غالباً ما تمتاز بالرصانة والجدية العالية. ولكن لماذا الاستغراب.. فهذا هو بالتحديد ما »يضحك« ايمن رضا: الرصانة وجزالة اللغة المتدوالة المعتمدة في الحوار، والتي يستعملها الجميع بدءاً من الخادم والجندي والجارية وانتهاء بالبطل والقائد..
وهذه المقدمة، تشير إلى أن »الضحك« لا يكمن في »الكوميديا« وأن الجدية لا تعيش في »الدراما« دائماً. ويمكن للمرء ان يمتحن هذه الفكرة بنفسه، حين يشاهد الفيلم الكوميدي المصري »كركر«، إذ أن هذا الفيلم يعجز عن رسم ابتسامة على شفتي المتفرج، والأدهى.. أنه يثير مشاعر غضب وسخط كلما استمات الممثلون إلى تسريب ابتسامة أو ضحكة إلى جمهور المشاهدين..
وبالتالي وطبقاً للمقولة السابقة، إذا رغب أحد بالضحك، فعليه أن يذهب إلى الأفلام الرصينة، أو المقابلات التلفزيونية الرصينة! في برنامج »من واشنطن« الذي يقدمه عبدالرحيم فقراء وتبثه قناة »الجزيرة«، وفي حلقة الأسبوع الماضي، كان هناك حلقة »جادة ورصينة« من النوع الذي نتحدث عنه، وموضوعها يدور حول احتفالية »أرابيسك« في مركز كينيدي للفنون في واشنطن..
في الحلقة إياها، كان هناك لقاء مع عمرو موسى امين عام الجامعة العربية الذي أجاب على معظم الأسئلة المطروحة على طريقة الشاعر المصري الكبير أحمد فؤاد نجم، فإذا سئل الشاعر نجم عن أسباب غياب الديمقراطية في العالم العربي مثلاً، فجوابه سيكون »إن اللهجة المصرية هي أهم اختراع ثقافي وحضاري أنتجه الإنسان المصري، بل هو اختراع أهم من الإهرامات نفسها«، وكل ذلك الحماس بسبب أن طفلاً جزائرياً طلب منه في إحدى أمسياته الشعرية أن يلقي قصيدة »البتاع« وهذا الجواب لا ينفي بالطبع الشجاعة الشخصية التي يتحلى بها الشاعر، فهو هنا لايتهرب من الإجابة، وعلى كل حال سوف يهجو الأنظمة العربية أقذع الهجاءات حين يسأل عن طريقة زراعة القطن في الصعيد المصري.
كانت أجوبة أمين عام الجامعة العربية، في تلك الحلقة محكومة بهذا المنطق، يعني أجوبة لا علاقة لها بالأسئلة المطروحة..فضلاً عن أنها مثيرة للضحك. في ذلك اللقاء طالب موسى الدول العربية أن تضع »ملايين الدولارات في يد الأمانة العامة للجامعة.. بدون مساءلة« لكي تقوم الجامعة العربية بإفشاء وترويج الثقافة العربية في العالم، وإطلاع »الآخرين« على ثقافتنا العريقة! ملايين الدولارات لترويج الثقافة العربية، في الوقت الذي تصرف فيه الدول العربية على وزارات الثقافة في كياناتها الوطنية بضعة ملاليم، وفي الوقت الذي تحول فيه المثقف العربي إلى مادة للتندر في السينما والدراما التلفزيونية..
اللقاء الآخر كان مع الفنان اللبناني مارسيل خليفة، والذي كان »جاداً ورصيناً« إلى الدرجة التي »أضحك« فيها الجميع، فهو بداية طالب السياسيين أن يكونوا »شعراء«.. ليس بمعنى أن يكتبوا شعراً، ولكن أن يكونوا شعراء..
مارسيل أراد في اللقاء أن يكون مبهراً ومنظراً وبليغاً، فجاء متلعثماً وركيكاً ومضحكاً، خاصة حين أحال أحال سوء الفهم والتصادم بين العالم العربي والولايات المتحدة إلى كون الحضارة الأميركية حديثة، عمرها ٢٠٠ سنة فقط، وأن حضارتنا العربية أصيلة وراسخة في التاريخ، ولهذا السبب فهم لا يفهموننا، ولا يستطيعون التواصل معنا، على عكس الأوروبيين (طبعاً لأن حضارتهم أطول عمراً)، وهكذا تستمر طروحات مارسيل طوال الحلقة بنفس الكليشهات التي اعتدنا على سماعها، والحقيقة أن الرجل بذل جهداً خارقاً ليقول شيئاً ذا معنى ولكنه ببساطة فشل.
وحدها في الحلقة، أليشا آدامز، مسؤولة الفنون والرقص في معهد كينيدي بدت واثقة من نفسها وتعرف ما تقول، على عكس الآخرين الذين جاؤوا ليتكلموا فضعوا أرجلهم في قصعة الأكل. آدامز بدت واثقة ومتحمسة لعملها ومشروعها هي التي دأبت على السفر إلى الأقطار العربية لمدة تزيد عن السنتين ونصف لاختيار المشاركين في الاحتفالية، والتقت مئات الأشخاص والفنانين والمسؤولين وجاهدت بدون تذمر في حين كان سفيرنا الفنان مارسيل خليفة مستاء إلى أقصى درجة لأنه انتظر مع ضيوف آخرين لمدة ساعتين في المطار..
في العالم أشخاص مضحكون، مع أنهم يعجزون عن إلقاء نكتة!
Leave a Reply