في الاحتفال الذي أقامه الطلبة السعوديون بمناسبة ذكرى مولد النبي محمد (ص) في قاعة ساوثفيلد ليلة الاحد الماضي الذي شارك فيه الخطباء والمنشدون بأجمل الكلمات وأحلى الإناشيد والأهازيج، وساد الإحتفال شعور بالفرح والسرور وخالطه شعور بالتساؤل لعدم إكتمال الصورة في هذا الحفل البهيج وذلك بإستبعاد المرأة من حضور هذه الذكرى العطره، وقد أفصح أحد المتحدثين في طرح هذا السؤال الكبير حين صعد المنصة وتساءل هل في القاعة الثانية نساء ؟ قيل له … لا لا.. فسألهم هل هذا الإحتفال هو لإحياء ذكرى مولد النبي (ص)، وهل الذي يقال في هذا الحفل هو تقديس وتكريم للنبي؟ وأليس الإحتفال هو ذكر الموعظة وكلام الرسول؟ إذا لماذا تحرمون المرأة من هذه الفائدة وهي تعيش في بلد الغربة.
لقد شعرت بالحرج وأحببت أن أشارك الضيف الذي يعيش في هذا البلد أكثر من عشرين عاماً وهو أعرف بشؤون الجالية بل هو أحرص على كرامة المرأة ومعرفته بدورها في المشاركة، أما أنتم أيها الشباب يا أبناء الخليج والجزيرة العربية أنتم أولى من الغربيين في الدفاع عن المرأة لأنها تشعر بالحرمان من حقوقها في مجتمعها، وهي تشاهد أخواتها في دول العالم الاسلامي، على الاقل يتمتعن بجزء من حقوقهن، وإصراركم على منع المرأة من المشاركة في هذه المناسبات الدينية والثقافية لا يخلو من أحد أمرين: إما إستهانة وإستضعاف، وقد قال رسول الله »مأ أكرم النساء إلا كريم ولا أهانهن إلا لئيم«، وإما التقليل من قدراتها على التفكير والإبداع، وكأن ذلك من إختصاص الرجل فقط، وهو تفكير سائد مع الاسف في مجتمعنا وقد ساهمت المرأة نفسها بقبولها هذا التفكير وإنقيادها وعدم رفضها له.
من أكثر ذكاءً المرأة أم الرجل؟
أظن ان الذين أخذتهم أنفة الرجولة، وتسلحوا بسلاح القوامة في قوله تعالى: ﴾الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما انفقوا من اموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فان اطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا ان الله كان عليا كبيرا﴿ النساء آية ٣٤. هؤلاء الرجال لا يملكون دليلاً على تفوق الرجل في ذكائه على المرأة، فالذي دلت عليه الأبحاث العلمية كما هو مرصود بعدم وجود فروقات لا في طرق التفكير ولا في طرق أكتساب المعرفة، ولم تظهر الإبحاث المتعلقة بدماع الانسان فروقات جوهرية، بل المؤكد من نتائج الأبحاث هو التماثل، ولم تسجل الأبحاث ما يدل على إختلاف في التفكير، أما حجة البعض في طغيان العاطقة عند المرأة يخرجها من السيطرة على التفكير، فهذا أمر لا ربط له بالقدرات العقلية في ميدان البحث والتفكير، في المحصلة أن المرأة والرجل بالفطرة على حد سواء من حيث عملية التفكير ولا يتميز أحدهما عن الآخر، فإذا كانت هناك فروقات فهي فردية وليست نوعية.
متى نتجاوز هذه المواقف من المرأة؟
لعل الكثير من أبناء مجتمعنا يحسبون ألف حساب إلى الخطاب التلقيدي المناهض لأي أمر يخص المرأة يتسم بالظهور والعلن، بدءاً بالتعمل وإنتهاء بسياقة السيارة، وهذا الخطاب لم ينته عند حدود مجتمعاتنا بل أخذ يلاحق شباب هذا الجيل في خارج الحدود، ونحن نسمع ونشاهد البعض الذي يفرض على زوجته الحجاب التقليدي (النقاب) ويطلب منها أن تجلس في فصل الدراسة في الخلف، واذا سمح لزوجته المشاركة في أي مناسبة دينية يبحث عن الأماكن المظلمة، حتى وصل الأمر ان تقوم »معركة داحس والغبراء« بسبب تصوير في إحتفال رسمي حضره كبار المسؤولين في احدى الجامعات، ومع ان النساء اللواتي حضرن الحفل كن عفيفات متحجبات، مع ذلك لم يشفع لهن بعض الرجال المتأثرين بذلك الفكر التقليدي، فقامت القيامة وطلبوا من المشرفين سحب الصور التي أخذت في الحفل، وهولاء الرجال يسمحون لأنفسهم بالنقيض في التمتع بمساحات الحرية غير المنضبطة.
المدنية الواعية ستنتصر
إن المعركة بين المدنية الواعية المحمية بالقانون الشرعي وبين تلك التقاليد البالية ليست متكافئة، فالذي يبني غير الذي يهدم، كما أن الذي يسبح في بحر من الحلال مفتح العينين يستطيع أن يشخص الحرام ويتجاوزه أو يقضي عليه، ولكن الذي يسبح في بحر حسب فهمه معظمه حرام يسدّ عينية فلا يرى الحلال البيّن، فالإنتصار على الجهل يحتاج الى إرادة واعية تبدد هذا الفهم والجهل بالمرأة، وهذا الإنتصار للمرأة لا بد من مشاركتها للخروج من دائرة الإهمال والتهميش وتطالب بحقها بالطرق السلمية كما منحها الله هذه النعمة المكتسبة في قوله تعالى ﴾ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسالوا الله من فضله ان الله كان بكل شيء عليما﴿، النساء آية ٣٢.
Leave a Reply