على غير ما هي عليه المعركة الانتخابية في الدائرة الثالثة في بيروت حيث النتائج معروفة سلفاً في معقل الحريرية الأول، وحيث ان تقسيمات اتفاق الدوحة فوتت فرصة المواجهة بين تيار المستقبل وحزب الله وبالتالي فرصة الثأر الحريري الذي أحسن تجنبه “حزب الله” من خلال تحييد الدائرة الثانية عبر تقاسم مقاعدها، فإن معركة صيدا تختصر معركة “المستقبل” الانتخابية في كل لبنان، وتمثل شوكة آل الحريري في قلب المستنقع السياسي الذي غرقت في أوحاله العائلة بعد أن فشلت في حمل إرث رفيق الحريري السياسي وحولته من مشروع زعامة وطنية شاملة وواسعة كان يسعى إليها الأب إلى مشروع طائفي ضيق يتزعمه الإبن ويبرع في اللعب على خيوطه المذهبية المتمددة في طول وعرض البلاد. وإذا تعذر الثأر بيروتياً (ولو أن معركة البقاع الغربي تنذر بأرجحية لتيار المستقبل ولكن لإنتصار الساحل طعم آخر) فهو أكيد صيداوياً حيث التعبئة المذهبية والمال السياسي يفعلان فعلهما دون وازع أو رادع. هكذا يربح فؤاد السنيورة عنوة مقعداً نيابياً في مدينة ينهش فيها المال السياسي مقتلعاً من دربه كل ما هو عروبي أو ناصري أو تقدمي أو كل ما يمت إلى المقاومة بصلة أو بموقف سياسي داعم. عنوة يربح فؤاد السنيورة مقعداً نيابياً عالمياً في مدينة صيدا لأن تيار المستقبل يعلم أن حزب الله لن يستطيع نجدة حليفه أسامة سعد من خلال تطيير التفاهم على الدائرة الثانية في بيروت (أرجحية للمعارضة) لأن في ذلك غاية آمال الحريريين الذين ينشدون مواجهة مذهبية يشدون بها العصب الفئوي في كل لبنان، ويستعينون بها على خصومهم في الشمال وزحلة والبقاع الغربي.
تكتسب معركة صيدا بعداً مزدوجاً، داخلياً على مستوى المدينة وخارجياً على المستوى السياسي العام.
الداخلي يثأر من آل البزري ويرد لرئيس بلدية المدينة عبدالرحمن البزري الصفعة المؤلمة التي وجهها للرئيس الحريري في انتخابات البلدية عام ٢٠٠٤ حيث هزمه في مدينته، مسقط راسه التي منعته السياسة من أن يوارى ثراها بعد اغتياله في ١٤ شباط ٢٠٠٥. ويثأر أيضاً من آخر البيوتات السياسية السنية المتمثلة في مجلس النواب والتي لا زالت تغرد خارج سرب الحريرية وتناوئها، كما قال أحد المقربين من النائب سعد الحريري نقلاً عن الأخير: “السنيورة نائب، فليذهب أسامة سعد الى بيته وفي العام القادم سيلحق به عبدالرحمن البزري”.
أما الخارجي فهو ينطلق من رمزية صيدا كونها بوابة وعاصمة الجنوب ومعقل الثنائي الشيعي حزب الله وحركة أمل، مع ما يستتبع ذلك من “حقوق شعبية” تفرضها الديمقراطية، فتخرج الأصوات في عاصمة الجنوب كونها المعنية الأولى بأمن الجنوب وسلامته، مطالبة بنزع سلاح المقاومة تحت مسميات من قبيل الاستراتيجية الدفاعية وما شاكل. وينطلق أيضا -أي الشق الخارجي- من رمزية السنيورة كونه رأس الحربة الذي واجه به تيار المستقبل المعارضة وصمد بوجهها ختى انتفاضة ٧ أيار عندما توقف الاحتجاج والكلام العبثي.. وبدأ العمل على تغيير الأمر الواقع..
وإذا كان تيار المستقبل نجح بإعادة السنيورة على رأس الحكومة بعد ٧ أيار، تأتي خطوته الصيداوية استكمالاً لذلك وتتويجاً للسنيورة كزعيم سياسي له حيثيته الشعبية الخاصة في مدينته، وإن كانت حيثية مصطنعة لا تنفصل عن آل الحريري، ولكنها تشكل عنواناً سعت المعارضة بكل أطيافها إلى كسره على المستوى الشخصي، ولكنها اصطدمت بحائط عربي وفرنسي وأميركي منعها من تحقيق غايتها ومكن “رئيس الحكومة العالمي” من أن يعود بقوة إلى مزاولة “الحرتقة” السياسية الانتخابية على مشارف نهاية عمر الحكومة..
فهل يعود سعادة فؤاد السنيورة الى رئاسة الحكومة على عربة التمثيل النيابي؟ وإذا كان أمر ترشحه بأيد خارجية كما نقل عن النائب الحريري، فمن الطبيعي أن يكون مرشح تلك الأيدي الخارجية لرئاسة الحكومة المقبلة، إلا إذا هُزمت قوى ١٤ آذار شر هزيمة في الانتخابات النيابية بفضل التحالف المتين والوئام القوي بين الرئيس بري والجنرال ميشال عون والحزب الشيوعي اللبناني! فعندها يذهب فؤاد إلى منزله بجائزة ترضية نيابية، وهنا عزاء سعد الناصري بانتظار العدالة النسبية في الانتخابات النيابية المقبلة، أو ما بعد المقبلة.. ولكن الأهم أن فؤاد السنيورة أصبح نائبة صيدا..
Leave a Reply