هو نقطة عبور للفلسطينيين من الضفة الغربية إلى الأردن وبالعكس، ويسمى أحياناً جسر الملك حسين، سمي بـ”جسر اللنبي” تيمناً بالقائد الإنكليزي الذي عبر بجيشه للسيطرة على فلسطين في أربعينات القرن الماضي، قادماً من شرقي نهر الأردن، هذا النهر المقدس عند المسيحيين الذي تم فيه تعميد السيد المسيح عليه السلام. يقابل هذا الجسر الذي لا يزيد عرضه ولا طوله عن بضعة أمتار من الناحية الغربية لمدينة أريحا المحتلة، تبعد ثلاثة كيلومترات عن الجسر، وهي أقدم مدينة في التاريخ وتقع في غور هو الأدنى عن سطح البحر في العالم، كانت مشتى للملوك الهاشميين نظراً لدفء طقسها شتاء، فيها قصر من زمن الدولة الأموية للخليفة هشام، وهي سلة الغذاء للضفة الغربية تنتج الخضروات ومشهورة ببرتقالها وليمونها وموزها ونخيلها، فيها عدة ينابيع وإلى جنوبها يقع البحر الميت.
جسر اللنبي منذ أن احتلت القوات الاسرائيلية الضفة الغربية عام ١٩٦٧ ولغاية دخول قوات منظمة التحرير أواسط التسعينات من القرن الماضي. كان يسيطر عليه الإسرائيليون في الجانب الغربي منه، شكلت تلك المرحلة كابوساً للفلسطينيين ارتبط دوماً في أذهانهم بصورة هذا الجسر، لما كانوا يلاقونه عنده من معاناة وظلم وتمييز وتنكيل. كانت الرحلة عبر هذا الجسر أشبه برحلة إلى العالم الآخر أو لنقل اقرب إلى سكرات الموت منها الى الحياة.
مرة انهال شرطي إسرائيلي بالضرب على سيدة أميركية على جسر اللنبي حتى انغمر وجهها بالدماء، كان يحسبها فلسطينية، تبين بعدها أنها تحمل الجنسية الأميركية، حينها تم معاقبة الشرطي وتم الاعتذار.
كانت الرحلة عبر هذا الجسر تستغرق اثني عشر ساعة إذا كان صاحبها مسالماً ومحظوظاً، وهي رحلة مقسمة الى محطات، المحطة الأولى الكشف الأمني بواسطة الكمبيوتر، فإذا تبين أن الشخص خال سجله من أي شبهات أمنية يتم استدعاؤه لواحدة من غرف الاستخبارات الإسرائيلية للتحقيق معه والحصول منه على أدق المعلومات، يساق بعدها للانتظار في بهو يخلع فيه ملابسه، ويضع كوفيته وعقاله وحذاءه في حاوية واحدة، ممنوع أن يكون في البهو حاويتين اوحدة للكوفيات والعقالات وأخرى للأحذية إمعاناً في الإهانة. بعد ذلك إذا تبين أن كل شيء على ما يرام، تبدأ رحلة العذاب للبحث عن الحقائب في كومة هائلة من أمتعة المسافرين، ويبدأ الاصطفاف أمام قاعة للتفتيش الجمركي ليتم دفع الإتاوات والمكوس، يسمح له بعد ذلك بالخروج إلى موقف سيارت الأجرة لنقله إلى رام الله أو القدس أو أريحا.
تلك صورة برغم آلامها وبرغم دزنية ساعاتها، مثالية وجميلة لمن كانوا يعبرون الجسر، الأسوأ منها منع دخول البعض وإعادتهم من حيث أتوا بسبب أو بدون سبب، فيما كان آخرون يرحّلون إلى مراكز اعتقال يلاقون فيها صنوف التعذيب ليفرج عنهم بعد أيام أو أسابيع أو يزج بهم في غياهب السجون، الأنكى من هؤلاء جميعاً من كانوا يخرجون من غرف الاستخبارات وبأيديهم أوراق عليها تاريخ وساعة لقاء مع ضباط “الموساد” في مقرات الحكم العسكري في مدن الضفة الغربية، ليعرض عليهم العمل كجواسيس على شعبهم مقابل تسهيلات في الإقامة والتنقل وتدبير معيشتهم، أو مقابل حفنة دولارات وقضاء ليال حمراء مع مومسات إسرائيليات في نواد ليلية.
الآن ومنذ سنوات عدة أصبح جسر اللنبي نظرياً تحت سيطرة الشرطة التابعة للسلطة الفلسطينية، خف العناء وقلت ساعات العبور، وظل الإسرائيليون متواجدين أمام شاشات الكمبيوتر، يراقبون الداخلين ويدققون في تاريخهم الأمني، يمنعون البعض من الدخول ويحتجزون من يشك بأمرهم، لكنهم غابوا عن الصورة، فيما على الجانب الأردني من الجسر ظلت صورة تمثال لجندي مجهول يوجه بندقيته غرباً كرمز ليوم سيتم فيه تحرير الضفة الغربية، ولو أنه منذ احتلالها قبل ٤٢ عاماً لم تطلق رصاصة واحدة باتجاه الغرب.
Leave a Reply