لم تكن الحملة التي شنها ولا يزال النظام المصري على “حزب الله” بنت ساعتها، او نتيجة مفاجأة اكتشفها النظام المصري مؤخراً، فانبرى مذهولاً يعتريه الخوف على أمن بلاده واستقرارها من مخططات “حزب الله” التخريبية التي هدفها الإطاحة بالنظام المصري والدعوة للتشيع وما إلى هنالك من تهم وافتراءات لفّقها النظام مدعوماً بأبواقه الإعلامية من تلفزيون وصحافة ومواقع إلكترونية، مع استبعاد للتهمة الوحيدة الثابتة والحقيقية، التي إن يفهم لماذا استبعدتها سلالة آل مبارك الحاكمة، فمن المستغرب، ومن العار ومن المعيب، على معظم الصحافة المصرية الممتدة في طول وعرض بلاد تضم ما يقرب من ثمانين مليون نسمة أن تجافي الحقيقة وتسير خلف النظام “خبط عشواء” على غير هدى ودراية.
كان سامي شهاب المسؤول عن دعم المقاومة في فلسطين وتأمين المال والسلاح لها انطلاقاً من الأراضي المصرية عبر معبر رفح، موقوفاً لدى الأمن المصري عندما بدأت إسرائيل حربها الشعواء على غزة في نهاية العام المنصرم، وخرج وقتها السيد حسن نصر الله بخطابه الشهير الذي وجه فيه أقصى انتقادات للنظام المصري لاستمراره بإقفال المتنفس الوحيد لقطاع غزة، معبر رفح، وهو ما لم ينكره وقتها الرئيس حسني مبارك وذكره في “خطاب العار” الذي شدد فيه على “أن مصر لن تكرس الانقسام الفلسطيني عبر معبر رفح”، وذلك في أوج حرب غزة وأوج معاناة وعذابات الشعب الفلسطيني الذي كانت آلة الحرب الإسرائيلية تطحن عظام نسائه وأطفاله وسط صمت مصري مخزٍ وتواطؤ مريب يصعب على المرء أن يتخيله، وإذا فعل، فإنه يصعب على كل شريف في هذا العالم المتوحش أن يسكت عنه أو ينظّر لصوابيته كما فعل الإعلام العربي الرسمي المسفّ في مصر “المحروسة”، وفي “قاهرة المعز” التي أصبحت قاهرة الشعب الفلسطيني وقاهرة حركات العز والمقاومة..
ولأنه وضع لا يمكن السكوت عنه خرج حسن نصر الله مؤنباً النظام، وداعياً الشعب المصري الحر للخروج بكل أطيافه الشريفة لنصرة فلسطين ومطالبة حاكم مصر بفتح معبر رفح، وكان حسن نصر الله يعلم بأن لدى الحزب موقوفاً عند آل مبارك، ولكنه لم يكترث لأنه ما من شيء يخاف افتضاح أمره سوى تقديم الدعم للمقاومة في فلسطين. لكن النظام هناك كان مدركاً بأن استعمال ورقة سامي شهاب بمواجهة نصر الله في ذلك الوقت سيزيد من التعاطف والقبول لخطاب نصر الله وسيضر بالموقف المصري الذي سعى إعلامياً إلى ان يكون الى جانب الشعب الفلسطيني وبمواجهة إسرائيل، وانتظر اللحظة السياسية المناسبة لفتح النار على حزب الله وعلى أمينه العام حسن نصر الله وفقاً لأجندة تتعلق بالوضع العربي العام من جهة وبالوضع المصري الداخلي من جهة أخرى.
على المستوى العربي فإن أجواء التفاهمات التي حصلت في المنطقة كشفت فشل السياسة المصرية وعدم فعاليتها مما أظهر ليس فقط تراجع الدور المصري بل انعدامه لدرجه أن دولة صغيرة مثل قطر استطاعت أن تلعب دوراً أقوى وأفعل من الدور المصري، بل استطاعت أن تواجه النظام المصري بحملة إعلامية قاسية كان الرد المصري عليها بمقاطعة قمة الدوحة على المستوى الرئاسي من غير ان يغير ذلك في المسار التصالحي الذي سلكته المنطقة. إضافة إلى قرب موعد الانتخابات اللبنانية وما يمكن لهذه الحملة أن تفعله لجهة التوظيف السياسي الذي يمكن ان يلعبه تيار المستقبل في ابتزاز المقاومة سياسياً وعلى أعتاب العملية الانتخابية من خلال النافذة التي يمكن ويستطيع النائب سعد الحريري والرئيس فؤاد السنيورة أن يفتحاها على النظام المصري كشكل من أشكال الوساطة أو التهدئة، لأن حزب الله لا يرغب، وليس من مصلحته، بأن يستمر السجال بينه وبين النظام المصري مع ما يستطيعه الأخير من تصعيد وتجييش على مستوى جمهوره وصحافته في الداخل المصري وعلى مستوى حلفائه في المنطقة من الأنظمة العربية، ما يشوش على المقاومة وعلى عملها، خاصة إذا ما كان للمقاومة مخططها الخاص لجهة إيجاد طرق وأساليب جديدة لدعم المقاومة في غزة، أم لناحية العمل على استكمال خطط موضوعة سابقاً للرد على اغتيال القيادي عماد مغنية..
أما على المستوى المصري الداخلي وهو الأهم والأخطر لتلك الحملة العنيفة، فإن الدوافع تتشعب إلى عدة مرامٍ وأهداف أرادها حاكم مصر من هذه الحملة، وأراد رد الصفعة التي وجهها السيد حسن نصر الله الذي ضرب هيبة الفرعون وأزهق ماء وجهه أمام شعبه وأمام شعوب العالمين العربي والإسلامي، وهنا يكمن البعد الشخصي الثأري التشفوي من خلال الحملة الشخصية المركزة على السيد نصر الله ومن خلال النعوت البذيئة التي استعملتها أبواق النظام في الصحف المصرية والتي كانت تتوخى الإساءات المتعمدة والرامية إلى كسر هالة الاحترام والتقدير التي يتمتع بها السيد حسن نصر الله لدى شرائح من الشعب المصري، هو نفس الأسلوب الذي استعملته قوى ١٤ آذار في لبنان على مدى السنوات الثلاث المنصرمة إضافة إلى توجيه الرسائل المباشرة إلى حركة الإخوان المسلمين التي تروج لحزب الله وتبدي دائماً الإعجاب والتقدير لمقاومته، وهنا المفارقة التي تكشف زيف ادعاءات الحكم في مصر من أن “حزب الله” يسعى لبث أفكاره الشيعية في مصر، إذ كيف لحركة الإخوان أن تسكت عن هذا الأمر وهي من أشد الحركات الإسلامية محافظة، وأكثرها تحفظاً على الفكر الشيعي، بينما تحولت الأحزاب العلمانية في مصر الى مدافعة عن الدين وعن المذهب السني!
وبناءً على ذلك فإن الإطار القانوني لقمع أي حركة في مصر تناصر المقاومة في فلسطين حاضر عبر “قالب الاتهام الجاهز” العلاقة مع حزب الله “الإرهابي” الذي يعمل على تخريب مصر وعلى زعزعة الاستقرار الداخلي. فمن يجرؤ بعد الآن أن يخرج في مصر رافعاً صورة السيد نصرالله كما حصل في حرب تموز ٢٠٠٦؟ ومن يجرؤ بعد ذلك على التظاهر لنصرة المقاومة في لبنان أو في فلسطين؟
علامَ يقرع فرعون مصر طبوله وهو من أحنى قامته وطأطأ رأسه أمام الكيان الصهيوني وأطلق سراح العميل الإسرائيلي عزام عزام؟ أم أن ذلك لا يشكل خطراً على أمن مصر القومي في قاموس فرعونها.
Leave a Reply