يحتفي الفلسطينيون داخل الأرض المحتلة وفي المنافي بالذكرى ٦١ للنكبة ذكرى سقوط فلسطين بيد عصابات صهيونية مدججة بالسلاح عام ١٩٤٨ على رأسها منظمتي الـ”هاغانا” و”أرغون”، وكانت بريطانيا تعتبرهما في ذلك الوقت منظمتين إرهابيتين، وكان من بين أعضائهما أشهر القادة الإسرائيليين، مثل مناحيم بيغن، أرئيل شارون، شمعون بيريز، واسحق رابين، وغيرهم الكثيرون ممن تولوا مناصب عالية في الدولة العبرية لاحقاً، مسجلين تاريخاً حافلاً بقتل الفلسطينيين والتنكيل بهم وتهجيرهم ومصادرة منازلهم وأراضيهم وتدنيس كراماتهم، وبعد ذلك أصبحوا يُستقبلون في بلاطات أنظمة عربية استقبال الأبطال الفاتحين، حتى أن الرئيس المصري حسني مبارك بعث رسالة الأسبوع الماضي في هذه المناسبة -ذكرى النكبة- وهي ذكرى توازيها احتفالات بهيجة في إسرائيل باعتبارها مناسبة لميلاد دولتهم، هذا الرئيس الهمام بعث إلى نظيره الإسرائيلي شمعون بيريز رسالة تهنئة وتبريك متمنياً للشعب الإسرائيلي رغد العيش والسلام.
لم تعد ذكرى النكبة مناسبة للطم والعويل، ولا للتغني بأمجاد غابرة فلسطينية في يافا وحيفا والناصرة والرملة واللد وعكا وصفد، فقد لحقت بها القدس ورام الله ونابلس وأريحا وجنين، وهذه الأخيرة على أية حال لها ذكرى خاصة بها هي النكسة عام ١٩٦٧ وكأن الفلسطينيين قدرهم أن يخسروا وطنهم في حروب ماجنة خاضها نيابة عنهم وعلى حسابهم عرب مقامرون، حتى إذا جاءت اللحظة التي تسلم فيها الفلسطينيون زمام أمرهم، وتولوا قضيتهم وأسسوا ثورة لتحرير أراضيهم، انقلبت عليهم الطاولة، وتجرأت عليهم جيوش الأنظمة العربية التي طالما هزمت أمام الجيش الإسرائيلي فقاتلهم بشدة وانتصرت عليهم هذه المرة في مخيم ”الوحدات” الأردني وأحراش جرش وعجلون عام ١٩٧٠ وطردوا شر طردة نحو الشمال بعيداً عن أطول خط نار مع العدو الإسرائيلي الغاصب، إلى لبنان، هناك احتضن جزء من اللبنانيين الثورة الفلسطينية بما لها وما عليها وصولاً الى خاتمة، أقفلت الستارة على مشاهد مروعة لذبح الفلسطينيين في مخيمي صبرا وشاتيلا وكانت تلك المرة على يد لبنانيين وبحماية إسرائيلية، وفي الأثناء هدم مخيم تل الزعتر بقذائف المدفعية السورية على رؤوس أهله، وكانت هناك حروب بين الأشقاء دائماً دفع ثمنها الفلسطينيون، لها أول وليس لها آخر، لعل آخرها في لبنان حرب شنها الجيش اللبناني ضد عصابة العبسي أسفر عنها تهديم مخيم نهر البارد وتهجير سكانه ومحوه من الوجود.
لم تكن النكبة حادثة تاريخية منفصلة، خسر الفلسطينيون فيها ثلاثة أرباع وطنهم، فقد جاءت نتيجة حتمية لحرب كونية، وقف فيها يهود الغرب بأموالهم إلى جانب الحلفاء على رأسهم بريطانيا، التي كافأتهم بوطن قومي على أنقاض الشعب الفلسطيني، وهي كافأت عرباً وقفوا إلى جانبها أهدتهم استعماراً وانتداباً.
مهما كانت الظلمة حالكة بالفلسطينيين ومهما كانت آمالهم آفلة، لن يتحولوا يوماً إلى هنود حمر على أرضهم، ولا إلى غجر في بلاد الشتات، هم الفلسطينيون اقترن اسمهم دائماً بالصمود والكفاح والمعارك الضارية، ولعل خير شاهد على ذلك حرب غزة الأخيرة، مدينة صب عليها الرصاص والقذائف والصواريخ من البر والبحر والجو صباً ٢٢ يوماً بلياليها، وحصار عربي ودولي شديد، دون أن تسقط، ولو أن الجيش الإسرائيلي تجرأ على دخول الأحياء العامرة، لاشتبك الفلسطينيون رجالهم ونساؤهم وأطفالهم مع جنوده بالحجارة والسكاكين والفؤوس، فذلك شعب يستحق في ذكرى النكبة كل احترام وإجلال.
Leave a Reply