اتهام ”حزب الله” دحضته المحكمة الدولية واعتبرته تسريبا لا يعنيها
تقرير ”دير شبيغيل” استحضار شاهد زور جديد في اغتيال الحريري
منذ صدور القرار ١٥٥٩ عن مجلس الأمن الدولي في مطلع ايلول ٢٠٠٤، بتواطؤ بين الرئيس الاميركي السابق جورج بوش والرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك، اللذين أسقطهما شعباهما، بسبب اعتداءاتهما على شعوب العالم، الذي كان الهدف منه هو رأس المقاومة في لبنان، وليس سوريا فقط، وكان الرئيس السوري بشار الأسد واضحاً عندما أعلن قراره بسحب القوات السورية من لبنان، واعتبره البند الأسهل في تنفيذ القرار الدولي، ولان المقصود ليس إخراج سوريا من لبنان، وإضعاف نفوذها فيه، بل ربط بقائها بنزع سلاح ”حزب الله”، ووقف دعم حركة ”حماس”، ومنع تسلل المقاومين الى العراق.


المطلوب هو رأس المقاومة، ولتنفيذه لا بد من عمل أمني كبير، يعطل سلاحها ويفقده قدسيته ويبعده عن هدفه الاستراتيجي وهو ان يبقى قوة ردع للبنان في ظل الأخطار الاسرائيلية التي تتهدده.
ودرست رؤوس المؤامرة على المقاومة، الأساليب التي تؤدي الى الغاية التي من أجلها صدر القرار المذكور، وكانت محاولة اغتيال الوزير مروان حمادة البداية التي منها انطلقت عملية التنفيذ، لخلق ردة فعل باستهداف شخصية فاعلة ولها ارتباطاتها الداخلية والخارجية، وبدأت التسريبات من ان السيارة التي انفجرت بموكب حمادة فخخت في الضاحية الجنوبية، وأطلق النائب وليد جنبلاط حملة في هذا الخصوص، ثم ذهبت الاتهامات نحو ”حزب الله” مباشرة على طريقة التساؤلات التي يطرحها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، ثم توجه الاتهام نحو الحزب السوري القومي الاجتماعي عن وجود شخص سوري وجد مقتولاً قرب بلدة عين عطا، والى الحديث عن شريط تصوير صوّر الجناة، في مسرح الجريمة وتمت مصادرته من قبل جهاز أمني رسمي كان فريق ”لقاء البريستول” يحمل عليه ويتهمه بأنه يغطي الجريمة.
بدأت المؤامرة تفعل فعلها على المقاومة، وتم التمهيد لها منذ العام ٢٠٠٠، وبعد أشهر على تحرير الجنوب من الاحتلال الاسرائيلي، رفع النائب جنبلاط شعار ”هانوي أم هونكونغ” وأتبع ذلك بحملة على الوجود العسكري والأمني السوري في لبنان، وكذلك على النظام في سوريا، وبدأ يتدخل في شؤونه ويغازل المعارضين له، ويخطط مع نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام كيف سيتم التعاطي مع حكم الرئيس بشار الأسد، الذي أبعد كل من كان متورطئاً وشريكاَ في توتير العلاقات اللبنانية السورية، وفي وصولها الى هذا المستوى من التدني، واستخدامها لمصالح شخصية وفئوية ولاستفادة مالية واقتصادية، فقرر يالتحالف اللبناني-السوري” المكوّن من جنبلاط والرئيس رفيق الحريري ومعهما لقاء يقرنة شهوان” من الجانب اللبناني، وخدام وحكمت الشهابي وغازي كنعان من الجانب السوري، إرباك النظام في سوريا، ومحاصرة الرئيس الأسد وإشغاله في لبنان، وقد استفاد هذا التحالف من الغزو الاميركي للعراق وسقوط نظام البعث فيه، وحكم الرئيس صدام حسين، ليستبشروا خيراً، بأن الضربة العسكرية المقبلة هي للنظام في سوريا، وبدأ العمل على تقويضه، وجرى العمل على القرار ١٥٥٩، الذي يقال ان جهات لبنانية وعربية ودولية صاغته، وشاركت فيه اسرائيل حسب تأكيد وزير خارجيتها السابق سيلفان شالوم، الذي أكد دور دولته في صناعته، لإخراج سوريا من لبنان، ودفعه الى توقيع سلام معها، بعد تصفية المقاومة، التي يسهل ضربها بعد خروج القوات السورية منه.
وبين محاولة اغتيال حمادة في اول تشرين الأول ٢٠٠٤ واغتيال الحريري، في ١٤ شباط ٢٠٠٥، حوالى خمسة أشهر، لم تنفع فيها الضغوطات على سوريا، لحملها على السير في المشروع الاميركي للمنطقة وعنوانه ”الشرق الاوسط الجديد”، ومضمونه إنهاء حالة المقاومة وتصفيتها، وقرر الرئيس الاسد الخروج من لبنان، وعدم المقايضة على وجود قواته فيه بالمقاومة وسلاحها، فكان تدبير عملية اغتيال الحريري وتوجيه الاتهام الفوري الى سوريا، والى النظام الامني اللبناني-السوري المشترك آنذاك، وبينهما كان الحديث عن تورط ”حزب الله” بتفخيخ السيارة في الضاحية، وكان المقصود هو إشعال فتنة مذهبية سنية-شيعية، لكن ”حزب الله” تمكن من استيعابها، وذهب الى ”التحالف الرباعي” في الانتخابات لإطفائها، وقد وصلته المعلومات بأن رأس المقاومة هو المطلوب عبر إغراقها في الرمال اللبنانية الداخلية وجر سلاحها الى الداخل.
ولم يكتف مركبو السيناريوهات بذلك، بل أسرعوا الى تحضير شهود زور أبرزهم محمد زهير الصديق، الذي لُقّن الرواية نفسها التي سبق أن نشرت في جريدة السياسة الكويتية من خلال خبر من عدة أسطر على الصفحة الاولى، ان ضباطاً سوريين ولبنانيين من بينهم آصف شوكت وماهر الاسد وجميل السيد وريمون عازار ومصطفى حمدان وعبد الكريم عباس اجتمعوا في شقة بمنطقة معوض التي لـ”حزب الله” نفوذ فيها، وخططوا للجريمة ونفذوها، وهذه المعلومات الملفقة أبلغها الصديق الى لجنة التحقيق الدولية برئاسة ديتليف ميليس الذي أخذ فوراً بالرواية كما أبلغ بها، حيث تبين لاحقاً أنه كان مأجوراً كما وصفه اللواء السيد وتقدم بشكوى ضده في فرنسا، مما أدى الى احتجاز الضباط الاربعة في لبنان، والتحقيق مع ضباط سوريين في دمشق وجنيف ولم يوقفوا، ولم يصل التحقيق الى ”حزب الله”، بالرغم من محاولات قوى ”١٤ آذار” توجيه أصابع الاتهام اليه، وكان جنبلاط رأس الحربة، ووصل به الامر الى اتهام الشهيد عماد مغنية بأنه يقف وراء الاغتيالات في لبنان، وقد صودف ان جنبلاط قال هذا الكلام قبل أسبوع من اغتيال مغنية في دمشق.
فرواية الصديق عن التخطيط لاغتيال الحريري من قبل ضباط لبنانيين وسوريين وفي شقة بالضاحية الجنوبية، سقطت بعد أسابيع قليلة، لا بل أثناء التحقيق مع الضباط الاربعة الذين لم يشاهدوا من شهد ضدهم، فاحتُجزوا لأسباب سياسية وهُرّب ”الشاهد الملك” الى فرنسا فحماه شيراك، حتى انتهاء رئاسته، وهُرّب مجدداً الى دبي حيث اعتقلته سلطاتها بعد إطلاق سراح كل المحتجزين الذين بلغ عددهم ١١، ولم تثبت على أحد منهم أية تهمة، ولم يتم التحقيق معهم سوى ما ذكره الصديق الذي سيحاكم على مزاعمه وأكاذيبه.
إن سقوط ”الشهود الزور” وعدم امتلاك التحقيق أدلة ضد سوريا ومسؤولين فيها، وتحرير الضباط الاربعة من الاحتجاز قضائياً، كل ذلك أربك الفريق الذي كان يريد من الاغتيال الوصول الى المقاومة، فلجأ صيف ٢٠٠٦ الى اسرائيل لشن عدوان عليها وعلى لبنان فانهزم، فطلبت الادارة الاميركية من حلفائها في ”ثورة الارز” الهجوم السياسي على ”حزب الله” بعد فشل الحرب العسكرية الاسرائيلية عليه، فكانت مطالبة وزراء في حكومة فؤاد السنيورة الاولى وتحت القصف الاسرائيلي، ان يسلم ”حزب الله” سلاحه للدولة ويضعه بيد الجيش اللبناني، فانفجرت الحكومة من الداخل، واستقال وزراء ”أمل” و”حزب الله” منها، وبدأت معركة من داخل لبنان على سلاح المقاومة، وباتت حكومة السنيورة مشبوهة وتتلقى أوامرها من السفير الاميركي السابق في لبنان جيفري فيلتمان الذي أمر الحكومة بإصدار قرار بتفكيك شبكة اتصالات المقاومة، وكان يوم ٥ ايار ٢٠٠٨، يوماً للعار في لبنان، وردت المعارضة الوطنية، بأن أسقطت القرار الذي هو محاولة لتنفيذ القرار ١٥٥٩، الذي كان السنيورة يستمهل كونداليزا رايس، لعله يصل الى تطبيقه بالحوار، ولما فشل العدو الإسرائيلي، الذي أعطته الادارة الاميركية السابقة الضوء الاخضر بالعدوان، لم يعد أمام قوى ”١٤ آذار” الذين ساندتهم أميركا بإخراج القوات السورية، ما يبررونه لإبقاء السلاح بيد المقاومة، التي لا بد من استفزازها لجرها الى الشارع بعد حملة سياسية وإعلامية منظمة عليها، تحت عناوين عدة منها: ”دويلة ضمن الدولة”، سلب قرار الحرب والسلم من الدولة، إقامة مربع أمني، استمرار تدفق السلاح ومصادرة شاحنات أسلحة، ضرب الاستقرار السياسي والامني والاقتصادي عبر اعتصام رياض الصلح، ربط لبنان بالمحور السوري-الايراني، الايمان بولاية الفقيه وان ”حزب الله” جزء من الدولة التي يقودها مرشدها الإمام السيد علي الخامنئي الذي يفرض هو شروطه على ”حزب الله” ويفتي له ماذا سيفعل؟
كل هذه العناوين، كانت لضرب قدسية المقاومة وقائدها السيد حسن نصر الله، الذي بدأ سياسيون ووسائل إعلام يتناولونه لتشويه صورته التي ارتفعت في لبنان والعالمين العربي والإسلامي، وهذا الأمر من ضمن مخطط تهيئة الأجواء النفسية والسياسية وتصعيد الحملة الإعلامية والشعبية للوصول الى سلاح المقاومة التي تصدت في ٧ أيار لمحاولة جرها الى الفتنة، بأن حسمت الأمر عسكرياً خلال أقل من ست ساعات دون إراقة دماء، وسلمت الأمن الى الجيش الذي بسط فوراً سلطته، وقادت هذه العملية الجراحية الموضعية الى حل سياسي في اتفاق الدوحة، فكان ليوم ٧ أيار الذي وصفه السيد نصر الله بالمجيد، إيجابياته التي تفوق بأضعاف سلبياته في نزول مسلحين الى شوارع في العاصمة لأسباب تتعلق بالمقاومة ووجودها واستمراريتها، فكان هذا اليوم مدخلاً لحل الازمة السياسية بانتخاب رئيس توافقي للجمهورية، وتصحيح الخلل في الحكومة بتشكيل اخرى تمثلت المعارضة فيها بالثلث الضامن، وفتح الحوار حول استراتيجية دفاعية للبنان يتكامل فيها الجيش مع المقاومة، كما تم الاعداد لانتخابات نيابية ستجري في موعدها.
هذه الايجابيات أسست لإخراج الحكم من الاستئثار والتفرد الى الشراكة والوحدة الوطنية، وهي ستستمر بعد الانتخابات مهما كانت النتائج لان مبدأ الوحدة يتقدم على أي شيء آخر، ولكن يبدو ان قوى في ”١٤ آذار” ترفض المشاركة وتعيش ثقافة التسلط واحتكار السلطة، وهذا ما دفع بمسؤولين أميركيين للمجيء الى لبنان، للاطمئنان على الوضع الانتخابي للاكثرية الحالية، وشد عصبها وإعطائها الدفع المادي والمعنوي، ومساعدتها في تركيب اللوائح وإزالة التباينات في ما بينها، اذ كان نائب الرئيس الاميركي جون بايدن واضحاً، بأن إدارته تتطلع الى حكومة ما بعد الانتخابات وعلى ضوئها تقرر المساعدة للبنان، وهذا تدخل أميركي يكمل التدخل الاسرائيلي الذي ربط الانسحاب من بلدة الغجر بما ستسفر عنه الانتخابات التي تشير الإحصاءات والتقارير الى ان المعارضة ستفوز فيها بأغلبية مقاعد مجلس النواب، وهو ما دفع بـ”الغرف السوداء” الى استصدار تقرير صحافي نشرته صحيفة ”دير شبيغل” الالمانية، يشير الى تورط ”حزب الله” في اغتيال الحريري، أي العودة الى المربع الاول، حيث كان القصد من الجريمة توجيه الاتهام الى المقاومة، الذي سربته قوى ”١٤ آذار”، وهي أعادت التلميح له، مع رفع شعارات لها في الانتخابات تستهدف سلاح المقاومة، حيث لم تحقق أهدافها وتحديداً في المناطق التي يتنافس فيها ”التيار الوطني الحر” مع مسيحيي ”١٤ آذار”، فكان لا بد من عنوان سياسي وأمني كبير، فجاء توقيت نشر تقرير ”دير شبيغل” ليستخدم في الانتخابات، حيث سقط استغلال دم الرئيس الحريري، وقيام المحكمة الدولية التي ستطال رؤوساً كبيرة، كما حاول سعد الحريري التذكير من خلال تسريب أسماء شخصيات من المعارضة ستُستدعى الى المحكمة التي ردت عليها بأنها غير صحيحة، وجاء الإفراج عن الضباط الاربعة، ليشكل صدمة لفريق السلطة، حيث بدأ المناخ الشعبي يتحول عن زتيار المستقبلس الذي فضحه ايضاً اعتقال أحد قيادييه زياد الحمصي في سعدنايل كعميل لإسرائيل، وهو من أركانه في البقاع.
فاستصدار تقرير ”دير شبيغل” لم يعط مفعوله في تغطية شبكات العملاء، حتى ان فريقاً في ”١٤ آذار”، شعر بأنه مركب، فابتعد عن السير به، تاركاً للمحكمة الدولية ان تقرر، وجاء الجواب منها، انه تقرير ملفق وليست معنية به لانه مسرب ولا يخدم العدالة.
ان الخوف من نتائج الانتخابات لدى ”١٤ آذار” هو الذي يدفع البعض فيها الى استخدام هذه الاساليب التي تبين سقوطها منذ تقرير جريدة ”السياسة” الكويتية الى الشهود الزور واحتجاز الضباط الاربعة، وان محاولة استخدام ”عدة الشغل” نفسها واستغلالها دم الحريري لم يعد يفيد، لان اللبنانيين كشفوا أضاليلهم ورفضوا مزاعمهم، وان تقرير الصحيفة الالمانية سيكون لعنة عليهم.
Leave a Reply