ذهب الوكيل وجاء الاصيل الى رئاسة الحكومة
بري رئيساً لمجلس النواب بأكثرية دون منازع لدورة خامسة
حكومة الحريري الابن ستكون كحكومات والده وبرعاية التوافق السوري-السعودي
أفرزت نتائج الانتخابات النيابية أغلبية لقوى ”١٤ آذار” تمثلت بالفوز بـ ٧١ مقعداً، وهو سيسمح لها بتسمية رئيس حكومة منها في الاستشارات النيابية الملزمة وفق الدستور، التي ستعقب انتخاب رئيس مجلس النواب المحسوم للرئيس نبيه بري الذي يحظى بتاييد اكثرية الكتل النيابية الكبرى في الموالاة والمعارضة، لانه استطاع خلال ترؤسه للمجلس لأربع دورات متتالية، ان يكون المرشح الأبرز لا بل الوحيد الذي لاقى شبه اجماع نيابي عليه، لانه يمثل كتلة نيابية أساسية، ومتحالف مع ”حزب الله” الذي يختصر مع حركة ”امل” التمثيل الشيعي، ولا يمكن انتخاب شخص من خارج هذا النسيج السياسي والشعبي للشيعة، بما يضرب الحالة الميثاقية والعيش المشترك، كما نصت مقدمة الدستور، لان نواب الشيعة الثلاثة غازي يوسف وعقاب صقر وامين وهبي المنتمين الى ”تيار المستقبل” و”١٤ آذار”، لا يمثلون، كلهم، من الناخبين الشيعة في دوائرهم سوى ٢٥٠٠، كما ان فريقهم السياسي، لا يقدمهم كمرشحين، لانهم ليسوا فقط لا يعبرون عن ارادة الناخبين الشيعة، بل لان اثنين منهم صقر ووهبي، لا تجربة نيابية لهما ولا خبرة سياسية، وقد الحقوا بلوائح ”ثورة الارز” لاسباب لا علاقة بحجم التمثيل او لوجود حيثيات سياسية وشعبية لهما، بل فقط لأنهما خصمين لـ”حزب الله” وضد استمرار المقاومة، اما النائب يوسف فهو بعيد عن ان يكون لديه طموح شخصي أو سياسي للوصول الى رئاسة مجلس النواب، التي انحصرت بالرئيس بري الذي أثبت انه رجل دولة، وصاحب خبرة برلمانية، واحد الاقطاب الأساسيين في الدولة وأركانها، ولاعب سياسي بارع، ولتنظيمه السياسيس ”أمل” دور فاعل في الحياة السياسية وفي المقاومة.
فرئاسة مجلس النواب انعقدت لدورة خامسة لبري الذي لم ينازعه أحد، للحيثيات والأسباب التي اوردناها، وهي نفسها التي قدمت رئاسة الحكومة للنائب سعد الحريري رئيس اكبر كتلة نيابية تضم ٣٥ نائباً، وترتفع الى ٤٣ نائباً مع بعض حلفائه، إضافة الى انه مع قوى ”١٤ اذار” يمثلون الأغلبية النيابية، ورشحته ايضاً كتل من المعارضة ككتلة ”التنمية والتحرير” التي يترأسها الرئيس بري و”كتلة الوفاء للمقاومة” لـ”حزب الله” في حين ابقت ”كتلة الاصلاح والتغيير” تسميتها مكتومة لانها مشروطة بمطالبها حول حجم تمثيلها والحقائب التي ستتسلمها مع حلفائها.
فالحريري الذي انتظر اربع سنوات بعد اغتيال والده، يعتبر انه اصبح مؤهلاً للدخول الى السراي، بعد ان تمرّس في العمل السياسي، واكتسب خبرة حسب رأيه، وان البدل عن الضائع عنه في ترؤس الحكومة فؤاد السنيورة، أخلى الساحة له، ليذهب الوكيل ويأتي الأصيل، كما ان الظروف الداخلية باتت تسمح لع بأن يتولى هو مباشرة رئاسة الحكومة، لانه خاض هذه الانتخابات وقادها هو بنفسه، وامّن فوزه بكتلة كبيرة لم يتراجع عددها، مما يعني ووفق ما يقول بانه فاز في امتحان الحفاظ على الارث السياسي الذي حمله، وتمكن أن يزيد من رصيده لا أن يقلل منه او يبدده.
فاحتفاظ ”تيار المستقبل” بكتلة نيابية وازنة، فتحت الطريق امام رئيسه ليتقدم ويعلن ”الامر لي” ورئاسة الحكومة من نصيبي، وقد تلقى دعماً دولياً وعربياً، في اشارة الى ان قوى ”١٤ اذار”، التي خاف الغرب عموماً والادارة الاميركية خصوصاً من ان تفشل في الحصول على الاغلبية النيابية باتت مطمئنة الى بقاء حلفائها ممسكين بالسلطة التنفيذية، ولم تصل قوى المعارضة وعلى رأسها ”حزب الله” الى السيطرة على القرار الحكومي، حيث صدرت تصريحات اميركية تهدد بقطع المساعدات عن لبنان، والتلويح بمحاصرته اقتصادياً ووضع الحظر عليه اذا فاز خط المقاومة في الانتخابات كما حصل في غزة.
لقد تنفس الاميركيون وحلفاؤهم من دول اوروبية واخرى عربية وغيرها بعد فوز ”١٤ اذار” بالاغلبية النيابية، واعتبروا ان لبنان ما زال في محوره الاميركي والعربي المعتدل، وهو لم يسقط من جديد في المحور السوري-الايراني، وقد خيضت الانتخابات من قبل ”ثوار الارز” تحت هذه العناوين، وقد عبّر عنها صراحة البطريرك نصرالله صفير قبل يوم من موعد الانتخابات عندما تدخل فيها ووجه الناخبين بان لا يقترعوا لمن يريد ”تغيير هوية لبنان العربية” في إشارة الى السيطرة الايرانية عليه عبر ”حزب الله” وحلفائه وفي طليعتهم ”التيار الوطني الحر” برئاسة العماد ميشال عون صاحب الحضور الشعبي والسياسي داخل المناطق المسيحية.
والخطاب المرتفع النبرة الذي استخدم في المعركة الانتخابية من قبل الموالاة وفي المقدمة الحريري، قد توقف بعد نيل الاغلبية النيابية، فلم يعد سلاح المقاومة معروضاً للتداول بل للحوار، وخفّ الكلام عن ”ولاية الفقيه”، وغاب الحديث عن قرار الحرب والسلم في يد الدولة واستبعد التدخل السوري في الانتخابات.
كل هذه الشعارات سقطت، وبدأ الحريري يدعو الى مد اليد للتعاون، وضرورة وجود كل الاحزاب السياسية في الحكومة، ولاقاه جنبلاط في مرونة ملفتة حول ضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية لمواجهة العدو الاسرائيلي ومخططاته، وبات خطابه قريباً من ادبيات المعارضة في كل ما يتعلق بالمقاومة والصراع العربي-الاسرائيلي، وارسل رسالة ايجابية الى سوريا، عندما اعترف بانه جرّح بشخص الرئيس بشار الاسد، وهذا ما قد يمنعه من العودة الى دمشق التي يتحدث في مجالسه عن اشتياقه الى شوارعها، وعاد ليتكلم عن سوريا العمق الاستراتيجي والحليف الذي دعم كمال جنبلاط في ثورة ١٩٥٨، ووقوفها الى جانب اهل الجبل من الدروز في مواجهة اسرائيل وعملائها من ”القوات اللبنانية”، وهو لا يمانع من ذهاب سعد الحريري الى سوريا للقاء رئيسها بعد ان اصبحت المحكمة الدولية في اغتيال الحريري بعهدة الامم المتحدة، ولم تثبت ادانة سوريا في الجريمة، وتم تحرير الضباط اللبنانيين الأربعة من الاحتجاز السياسي.
فهذا الجو الجنبلاطي هو الذي شجع الحريري ان يتقدم نحو رئاسة الحكومة، كما ان الحوار السوري-السعودي الذي ادى الى توافق انعكس ايجاباً على لبنان، فرحبت سوريا بنتائج الانتخابات التي أكدت التقارير عدم تدخلها فيها، مع ميلها لو فاز حلفاؤها بالاغلبية، لكن هي تنظر الى الحكومة كونها هي السلطة التنفيذية، وما يهمها هو ان تتشكل من القوى الأٍساسية، وتعكس الوحدة الوطنية، اذ هي لاتتعامل مع حكومة فئوية، ولها تجربة مع عهد الرئيس امين الجميل، كما ترفض وجود حكومة في لبنان، ترفع العداء لها، مما سيؤثر على علاقة البلدين، وسيؤدي الى توتر بينهما، واقفال الحدود واجراءات لا تفيدهما، وقد حصلت هذه التجربة مع حكومة فؤاد السنيورة الاولى التي رحبت بها سوريا واستقبلته لفتح صفحة جديدة بعد سحب قواتها من لبنان، فكان القرار الاميركي بقطع التواصل بين الدولتين، كما ان أطرافاً سياسية وعلى رأسهم وليد جنبلاط راهنوا على سقوط النظام السوري، ولعبت بعض الدول العربية وتحديداً السعودية على محاولة مقايضة سوريا بالابتعاد عن ايران مقابل حفظ نفوذها في لبنان، وهو المطلب الاميركي والاوروبي وحتى الاسرائيلي، والذي يقوم على نزع سلاح المقاومة واخراج لبنان من معادلة الصراع مع اسرائيل.
فالتوافق السوري-السعودي انتج انتخابات هادئة في لبنان، دون النظر الى النتائج، وهو الذي اعطى اشارة مرور للحريري لرئاسة الحكومة، على ان يتم الالتزام بثوابت تبدأ بأن تشكل الحكومة من الاطراف التي تمثل كتلاً نيابية، اي العمل وفق روحية اتفاق الدوحة الذي يحظى وما زال بدعم عربي واقليمي ودولي، وقد تحدث رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان على ان الحكومة يحب ان تشكل على قاعدة وفاقية لا يهم فيها العدد، بقدر المضمون الذي ستحكم من خلاله والذي سيتضمنه البيان الوزاري، الذي سيقدم من خلاله الحريري الضمانات وليس الثلث الضامن الذي تطالب به المعارضة وتصر عليه، لانها لا تثق كثيراً بالكلام اللفظي والوعود وحتى بالبيان الوزاري الذي لم تلتزم به قوى ١٤ اذار، وسكتت عن العدوان الاسرائيلي على لبنان والمقاومة، لا بل طالبت بتجريد المقاومة من سلاحها في اثناء القصف الاسرائيلي.
فالضمانات التي تطلبها المقاومة ابعد من ان تكون في بيان وزاري، ولا ان يعطيها رئيس الجمهورية رغم الثقة به، فالمعارضة تريد الثلث الضامن وهو حق طبيعي به، لان حجمها النيابي يخولها ان تكون ممثلة بـ١٤ وزيراً من حكومة عددها ٣٠ وزيراً، وترفض ان تعطي من حصتها للرئيس ميشال سليمان، ليس لانها لا تثق به، وهو كان مرشحها التوافقي، ولا يخطئ مع المقاومة، بل لان الوزراء الذين قد يختارهم قد ينقلبون عليه، كما حصل مع الرئيس السابق إميل لحود الذي كان متصلباً مع المقاومة، وكان الضمانة لها، لكن الوزراء الذين اختارهم ليشكلوا الثلث الضامن في الحكومة الاولى للسنيورة تحولوا الى فريق الاكثرية، واخلوا بالتوازن داخل الحكومة، فعرضها للاهتزاز وفقدان شرعيتها ودستوريتها، باستقالة وزارء حركة ”امل” و”حزب الله” ويعقوب الصراف.
فالثلث الضامن الذي ترفضه الاكثرية النيابية، وتعتبره انه بدعة، ولا يمكن العودة اليه، تصر عليه المعارضة، وقد يشكل الاختلاف حوله، في تأخير تشكيل الحكومة، ولن تكون الامور ميسرة امامها لتبصر النور، الا اذا جرى العمل على الخط السوري-السعودي، حيث تشير المعلومات الى ان ثمة توافق على ان تكون المرحلة المقبلة شبيهة بتلك التي كان رفيق الحريري رئيساً للحكومة الذي كان يهتم بالشأن الاقتصادي والمالي والاعماري، على ان يكون الشأن الامني لقيادة الجيش، التي عليها التناغم مع المقاومة، وهذه الصيغة هي التي ستحكم مرحلة الحريري الابن بعد ان اعلن سحب سلاح المقاومة من التداول، وهو ركز في مواقفه على انه سيهتم بالاصلاح وبناء الدولة وتعزيز وضعها المالي وتشجيع الاستثمارات بالاستفادة من الاستقرار السياسي والتوافق الذي تنشده كل الاطراف الداخلية، والذي يرسي الامن وتعزيز السلم الاهلي، ما يدفع بالمستثمرين الى التوجه نحو لبنان في ظل الازمة المالية التي تعصف بالعالم، والتي لم يتأثر بها اللبنانيون في الداخل، الا العاملين منهم في المغتربات.
فالحكومة المقبلة محكومة بالتوافق، وهو ما نص عليه اتفاق الطائف قبل الدوحة، لان القرار داخل مجلس الوزراء لا يمكن ان يكون خارج الاجماع الوطني لا سيما في المسائل المصيرية والوطنية، وهو ما نص عليه الدستور في استخدام الثلثين، وهكذا كانت تشكل حكومات رفيق الحريري وغيرها في ظل الوجود السوري، لان الدستور حكم بالتوافق.
Leave a Reply