لم أكن أتوقع في حياتي أن أكتب عن هذا الرجل، أو عن أي رئيس أميركي آخر (عدا أوباما، بالطبع). والأسباب كثيرة، ربما يكون من أهمها التطابق اللفظي بين اسمي الرئيسين الأب والابن، فالاسم ”جورج بوش” صاحب صيت سيء في ذاكرة العرب والمسلمين، وكثير من الأميركيين، والآخرين في العالم وفيما يخص الرئيس أوباما.. أعتقد أنني كتبت عنه (وسأكتب عنه في المستقبل) لدوافع شخصية، ربما يكون أكثرها ريبة، أنني فعلت ذلك.. وكأنني أكافئ نفسي. فعند وصولي (إلى هنا) كان أوباما قد بدأ حملته الانتخابية داخل الحزب الديمقراطي، وترشّح فيما بعد لسدة الرئاسة الأميركية، الأمر الذي بدا صادماً للكثيرين في أميركا وفي العالم. وقد لمست شخصياً مشاعر العرب ومواقفهم حيال الموضوع، بتأكيداتهم اليقينية الراسخة حول استحالة فوز أوباما بالسباق الرئاسي. وكان لدي شعور غريب أن الرجل سيفعلها، وكنت كلما عبّرت عن شعوري ذلك، سفّهني الآخرون.. على اعتبار أنني مازلت غراً في الأحوال الأميركية، ولا أعرف شيئاً عن طبيعة المجتمع الأميركي وخطر على بالي أكثر من مرة، أن أكتب عن الرئيس السابق جيمي كارتر، لكني لم أفعل ذلك حتى الآن، رغم أن كارتر هو الأكثر التصاقاً بذاكرتي، فقد عرفته منذ سنوات الطفولة. ولم أعرفه في طفولتي بسبب نبوغي بالطبع، بل عرفته كاسم مضحك وغريب بالنسبة لتلميذ في الصفوف الابتدائية الأولى. وفي تلك المرة كنت قد شاركت (طوعيا!..) في مسيرة حاشدة، قام خلالها الآلاف من الغاضبين بإعدام كارتر. وقتها.. لم أكن أعرف ما الذي يجري بالضبط، وما الذي يدفع الناس إلى إعدام كارتر بكل ذلك الحماس والنزق ولم يكن كارتر الذي أحدثكم عنه أكثر من دمية: بيجامة رياضة زرقاء اللون محشوة بالقش والقطن.. مشنوقة بحبل طويل ويُلوح بها في الهواء. حدث ذلك في أواخر سبعينات القرن الماضي احتجاجاً على معاهدات السلام التي وقعها السادات، ولم يكن كارتر في ذلك الوقت ”نجما” محبوباً في التلفزيونات الرسمية.. كما هو الحال الآن. وعلى الرغم مما يقوم به كارتر في الشرق الأوسط.. لا أستطيع أن أتخيله أكثر من ”بيجامة رياضة زرقاء” تتجول في أزقة وزواريب الشرق الأوسط أيضاً، مرة رأيت صورة تجمع بين خمسة رؤوساء أميركيين أحياء، وتساءلت في نفسي: هل من الممكن أن نرى صورة ”عربية” تجمع بين رئيسين عربيين (لدولة واحدة)؟ ولماذا يجب على كل رئيس ”سابق” أن يكون ميتاً، أو مقتولاً، أو منفياً، أو خائناً، أو عميلاً كان يمكن أيضاً أن أكتب عن الرئيس بيل كلينتون، الذي لم أعرفه بسبب الإصلاحات المالية التي قام بها، والتي أدت إلى حالة من الرغد الأميركي، ولكني عرفته بسبب تلك الفضيحة ”الجميلة” مع مونيكا ثمة رؤوساء عظماء بالطبع، لكني لن أكتب عن أي واحد منهم، لأن الكتابة عن الرؤوساء في الثقافة العربية لا تعني شيئاً سوى التملق والنفاق، وهذا يعكس شعوراً عند الأغلبية أن الرؤوساء ليسوا أكثر من أشخاص عاديين، بل ومتوسطي الذكاء في أحيان كثيرة، فضلاً عن أنهم لا يقبلون إلا الكتابات التي تمجدهم… وهذا يعني بالضرورة أن الكتابة عن الرؤوساء هي النفاق ذاته وعودة إلى جورج بوش الأب.. هذا الشخص الذي هبط بالمظلة عند بلوغه الخامسة والثمانين من العمر، واعداً الأميركيين أن سيقفز ثانية من ارتفاع آلاف الأقدام عند بلوغه التسعين.. ليقول إن الشيخوخة لاتعني التوقف عن العمل والعطاء والمغامرة، وأنها لا تعني شيئاً سوى التقدم في العمر. ومن غير المنتظر أن يشكل خبراً كهذا (أو فلسفة كهذه) أي معنى لشعوب (نا) كاملة تحلم بالتقاعد عند سن الستين جورج بوش الأب.. رئيس سابق في الخامسة والثمانين من العمر، يقنعنا بقفزة واحدة (لكنها طويلة ومثيرة) أنه ما زال شاباً، في الوقت الذي تفشل فيه رؤوس ولحى الرؤوساء المصبوغة بالأسود.. بإقناعنا أنهم مازالوا شباناً الصباغ الأسود الذي يستعمله الرؤوساء العرب (ويصرّون عليه) يشي بأكثر من ذلك، لا.. بل يقول بصوت عالٍ (وأسود): إنهم أكثر هرماً..وإثارة للشفقة
جورج بوش الأب..
Leave a Reply