ماذا يخطر في بال الإنسان عندما يسمع خبراً يخص المهرجان العربي الدولي في مدينة ديربورن.. هذه المدينة التي يظن الداخل إليها أنها إحدى المدن العربية؟ يقام المهرجان العربي السنوي على أساس أنه ”عربي” ويعكس الحضارة العربية بتنويعاتها الوطنية: اللبنانية والعراقية واليمنية والفلسطينية والسورية وغيرها. لكن واقع الأمر.. أن المرء يخجل من ارتياد هذا المهرجان ومتابعة نشاطاته. يخجل المرء أن يأتي لوحده، أو أن يدعو صديقاً، أو أن يأتي بصحبة زوجته الأميركية، إن كان متزوجاً من أميركية، ويريد أن يعرفها على تراثه وثقافة بلاده أقول ذلك من واقع تجربة شخصية، مقارنة مع بعض المهرجانات التي زرتها في دول مختلفة، مثل مهرجان الكرمة في مدينة زحلة اللبنانية أو مهرجانات الأرياف الفرنسية، أو مهرجان سانت سيدور في مدريد باسبانيا في العام الماضي زرت مهرجان ديربورن الدولي السنوي، وقررت حينها أنني لن أعود إلى زيارته ثانية، لقناعتي أن القائمين على المهرجان لن يستطيعوا أن يقدموا أي شيء ذا معنى، فما هو الهدف من وراء هكذا مهرجان، وما الفائدة منه ماذا تحدث الإعلام الأميركي عن هذا المهرجان، وماذا يقول الأميركيون العاديون الذين جاءوا إلى هذا المهرجان؟ إنهم لا يتحدثون إلا عن الحمص والشاورما. هل نحن نعيش فقط على أمجاد الحمص والشاورما والتبولة؟ من حيث المبدأ لا مشكلة في تعريف الآخرين على مأكولاتنا، ففي المهرجانات الفرنسية يعرضون الأجبان والنبيذ والشوكولا وكل أنواع المأكولات الفرنسية، فلماذا نصر على صحن الحمص؟ عذراً منك يا صاحب الجلالة، يا صحن الحمص الذي نقدمك في كل وجباتنا، ونفخر بك، ولا نخجل بالحديث عنك في كل المناسبات.. ويبدو أنك ستورطنا في حرب أخرى مع الإسرائليين الذين يدعون أنك من اختراعاتهم المفروض في هذا المهرجان أن يكون لجميع الأعمار، فماذا قدم المهرجان للأطفال سوى الأراجيح وبعض وسائل اللهو الأخرى؟ وماذا قدم للكبار أيضا؟ هل تعرف الناس الذين قصدوا المهرجان على بعض المعالم الأثرية في بلدانهم، خاصة بالنسبة للمولودين هنا. هل من الصعب إقامة مجسمات لبعض المعالم الأثرية في البلاد العربية؟ وهل من الصعب تقديم نشاطات ثقافية موازية تعرف بالأدباء والمفكرين العرب؟ هل من الصعب استضافة فنانيين يتمتعون بالحد الأدنى من مواصفات الفنان بدل هؤلاء الذين يمتطون المسرح ولا يمتون للفن العربي بصلة؟ قد يقول البعض إن ذلك يزيد من التكاليف، ولكن هذا لا يشكل عذراً، فالكثيرون يعرفون أن هذا المهرجان يدر أموالا هائلة، طبعاً لا أحد يعرف أين تذهب، إلا من يشرف على المهرجان ولا أحد يعرف أين تصرف، ومن يستفيد منها؟ أين سفاراتنا وقنصلياتنا من هذا المهرجان.. هي التي يجب أن تكون معنية بشكل مباشر بهذا النوع من النشاطات التي تساهم بالتعريف بنا وتقديمنا إلى الكثير من أبناء الثقافات الأخرى الذين يتواجدون على الأراضي الأميركية؟ إلى هذا الحد تتم المتاجرة بنا.. وعلى عينك يا تاجر! ولماذا لا يتم إقامة نوع من التعاون والتواصل مع وزارات السياحة والثقافة في العالم العربي؟ ولماذا يتم ابعاد العاملين في سفاراتنا وقنصلياتنا فيضطرون الى قضاء أوقات فراغهم بارتياد حفلات الفلامنكو والسالسا ومراقصة الفتيات وشرب أنخابهن المطلوب مساءلة القيمين على هذا المهرجان الذين يسفهون تراثنا وثقافتنا، ويهينون شعوباً بأكملها.. ثم يأتون ويقولون أن ٣٠٠ ألف بني آدم زاروا المهرجان من كافة الولايات الأميركية، علما انه يستحيل إحصاء زواره والمؤسف في الأمر.. أن المهرجان لا يأخذ بالحسبان ذلك الجيل من العرب المولودين في أميركا، الذين يحجمون عن القدوم إلى المهرجان.. على أساس أنه يخص المهاجرين الجدد من العرب. فيطلقون عليه كلمة ”بوتر” أو الأصح ”بورر يقولون: أنه مخصص للـ”بورر”. فعلاً عندهم حق.. فالمهرجان فاشل و”بورر لمن يتوجه هذا المهرجان.. للعرب المولودين هنا، أو للعرب القادمين مؤخراً.. أو للأميركيين ليتعرفوا على ثقافتنا؟ فعلا، إنه مهرجان بلا هدف ولا هوية
Leave a Reply